لهفة الماء
العمر أرنب خاطف؛ مثل البرق
يلفُ حول عنقِه الأجراسَ الصغيرة
هوايته إيقاظ المدينة
ودغدغة العشبِ
لا يُصغي لأحد
مشوش الذهن يملؤهُ الحُزن.
القلبُ مسكينٌ وخسران
فقد أحبّ الجميع ولم يحبه أحد
هو هناك فوق جبل الوحدة الشاهق
كُلما مُدتْ لهُ يدًا
نزلَ من الأعلى.
العقلُ سكرانُ بما لديه من طيش
تلعبُ بهِ المحنُ
تشربهُ الصدماتُ.
البدنُ شجرةٌ ميتة
خريفها طويلٌ طويل
صار حسرةً تشتهي حسرة
مثل بيت أصابتهُ حشرة العثّةُ.
الروحُ تطيرُ على جنحِ الحُلمِ
أسألُ
هل للروحِ ظل؟
وهل تُحركهُ الريحُ؟
كيف أمسكهُ؟
وهو مثلَ لهفة الماءِ يجري.
البحيرة العجوز
هنا رميت فؤادي بدلًا من الشمعة
لأمشي، مثل القديسين على الماء.
صخورها الكلسية
التي تلمعُ بوجه الشمس
كانت ندًا عنيدًا
أشعر أحيانًا، أنها جماجم أجدادنا
أو حُلي الأرض.
هناك يرقد الحزن
ويشربُ السكير الخمر الرخيص
ويقبلُ المُحبُ حبيبتَهُ خُفية
وأنا، أذهب لأكتب عن هؤلاء.
حزنٌ متألق
أنظر إلى وجهي في المرآة
أتمعّن حزني
مثل امرأة تصفف شعرها..
حزنٌ متألق.
أدفن حدسي في الزاوية
وأفتح النافذة
أفك أزرار النسمة
أشغل جهاز الموسيقى
أذهب إلى عالمي الآخر
مؤلفًا نغمة الرحيل.
مع كل نية صادقة
تأتي الصدمة على هيئة مطرقة
كانت النوايا مغسولة بماء النهر
النهر الذي كان بلا لون مثل قلبي
حملتهُ كما يحملُ الأطفال
ثم أنزلته في صدري كما الميت.
لأنك الجريمة الأولى
كنتُ، أنتظر اطمئنانكِ عليَّ
وأنا، أسرح في طريق الخلاص.
أتسلقُ تلالَ الحُزن
وأحملك على رأسي مثل جرةِ فخار، كالنساء البدائيات
وأسأل نفسي كل ثانيةْ
هل أموتُ بلا قبلة وداع؟
لا، أقصد القُبل المشفّرة
بل تلك القُبل البريئة المزركشة بضحكات الطفولة.
أنتظركِ، وأنا أعانق الأحياء
وألوّح للأموات، الذين يطيرون إلى الأعلى على ظهر السحاب، أشبك يدي بأيديهم.
أحبكِ لأنك الجريمة الأولى، التي بقيتُ أحوم حولها
إلى أن أمسكني الأوغاد من عنقِ قصيدتي
وجرّوني بعيونهم مثلَ تمثال طاغية.
رماد عينيكِ سوف يبقى في جيب كفني
حيثُ كل ما اشتقتُ لكِ نثرتهُ كالملح فوق قلبي
لأحسُ بنشوة روحية،
لألوّن الظلام،
لأشمكِ حفنة تراب.
زقزقة العصافير ثورة الصباح
وضحكتكِ امتداد الماء من النهر إلى الساقية
كيف لا يثور بالحب عصفورٌ تروين عطشه.
هل سيتيح لي الموت فرصة للحصول على لقاء؟
مثلًا؛ أدهن جسمي بزيتٍ ما أو ألبس طاقية الإخفاء، وأكسر القواعد وأعبرُ الحدود مثلَ هاربٍ
أجيء إليك بنظرة ساحرة، كجسدٍ تكوّم عند كرسي انتظارك، وحلّق إلى ضوء عينيكِ روحًا شفافة مثلَ قميص نومكِ.
ضائع مثل نسر في بداوة جسدكِ
يحرسُ نبتةً حطَّ تحت فيئها صدفة.
تمنيت لو أني كتبتُ هذه القصيدة بدمي
لتكون الحبل السري الرابط بين الشريان والورقِ
إن قُطع، ولدتُ من جديد
إن لم يُقطع بقيتُ في مغارة قلبكِ
أُنقّبُ عن سببٍ يجمعنا نحن الاثنين.
لا تعبر السياج
تقفُ الحمامة على السياج
يقفُ قلبًا بالخلف
لا يعبر حدود السياج سوى
الصوت والرسالة
وضعتُ رسالتي على رأس السياج
ضربتُ مسمارًا فيه، لأخترع منبهًا
عسى أن تصعد إلى السطح لنشرِ، أو جمع الملابس
كنت أنتظرها عند نهاية حبل الغسيل
كالعادة، لم تلمح الرسالة حتى
بعدها، قرر القلب أن يكون لصًا
جلبتُ له كرسي، ليعبر السياج العالي
قفز القلب القصير
تأخّر هناك، وضعتُ في جملةِ الاحتمالات
وأسأل،
ألا يوجد هناك كرسي ليعود؟
أو
ربما وجد يدًا ما، وضاع في نعومة راحتيها!
لا أعرفُ، كيف حالهُ الآن؟
فأنا، منذُ أعوام بعيدة، أبحثُ عن قلبي..
يوم
يومٌ لإعدادِ الحَساءِ
وشربِ الشّايَ أمام مدفأَتي
مثلَ رجلٍ طاعنٍ في السنّ
تلعبُ تحتَ كُرسيِّهِ قطة.
يومٌ للحبيبةِ القديمةِ
التي ما زالت تخلقُ الخيالَ في رأسي
وتمضي مثل أثر النيازك.
يوم رائق لكتابة قصيدة
تسحب البساط التعسَ
من تحت قدمي
وتصعد إلى حضني مثلَ ملاكٍ صغير.
يوم للحكمة والراعي والحسناء
أفتش فيه عن حسٍ لهم، ضاع منذ زمنٍ
كيف تقرأ عليه آية الغفران ليعود مجددًا.
- من مجموعة "أغنية عن نهاية العالم" التي صدرت حديثًا عن دار أبجد في بغداد.