قال هربرت هوفر الرئيس الأمريكي السابق في مذكراته متحدثًا عن الهندسة: "الهندسة مجال عظيم. إنه شيء مدهش أن تشاهد لمحات من خيال شخص تتحول بمساعدة العلم إلى خطط مكتوبة على ورق، ثم تتحول إلى واقع مكون من الأحجار أو المعادن أو الطاقة. ثم توفر فرص عمل ومساكن للرجال، ثم تقوم برفع مستوى المعيشة وتزيد من رفاهية الحياة. وكل هذه الامتيازات الرفيعة يوفرها المهندس.
إن أكبر عبء يواجه المهندس مقارنة بالعاملين في المجالات الأخرى هي أن أعماله في الخارج، حيث يمكن للجميع رؤيتها. أفعاله ملموسة بالكامل. فهو لا يستطيع دفن أخطائه في القبور كالأطباء. وهو لا يستطيع تحويل أعماله إلى جدال فارغ أو إلقاء اللوم على القضاة كالمحامين. هو لا يستطيع تغطية فشله بالأشجار والجذوع كالمعماريين. ولا يستطيع أن يفعل مثل السياسيين بأن يقول إن السبب في إخفاقاته هم منافسوه ويأمل أن ينسى الناس كل شيء.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الحالمون".. الثورية الحالمة وسذاجة المثالية
المهندس ببساطة لا يستطيع إنكار حقيقة أنه قام بصنع شيء ما. إذا فشل الشيء الذي صنعه فهو ملعون. هذا هو الكابوس الذي يطارده ليلًا ونهارًا فيعود من عمله في نهاية اليوم مصممًا على إعادة حساباته مرة أخرى. ويستيقظ فزعًا في الليل البارد وهو يتصبب عرقًا لكي يقوم بكتابة شيء ما على ورقة ليقرأه صباحًا وهو يشعر بأن المكتوب أمر سخيف. مجرد احتمالية فشل حساباته تجعل المهندس يرتعش طوال اليوم ولا يشعر بالراحة أبدًا.
على الجانب الآخر، على عكس الطبيب فحياة المهندس ليست بين الضعفاء. على عكس الجندي، وظيفته ليست التدمير. على عكس المحامي، لا يكسب لقمة عيشه بالجدال اليومي. يحمل المهندس على عاتقه وظيفة إكساء العظام العارية للعلم بالحياة والرفاهية والأمل. لا شك أنه مع مرور السنوات ينسى الناس ما فعله المهندس، هذا لو عرفوا ما فعله أصلًا. أو يقوم أحد السياسيين بوضع اسمه على مشاريعه. أو ينسبوا الفضل ﻷحد المتعهدين الذي استخدم أموال الآخرين ليُموّل المشروع. لكن المهندس نفسه ينظر إلى النهر المتدفق من الأشياء الجيدة التي نبتت من نجاحه بارتياح ورضا لا يشعر بهما الكثيرون من العاملين في المجالات الأخرى. وسيكون حكم أقرانه المهندسين على عمله هي الجائزة الوحيدة التي يتمناها.
أكبر عبء يواجه المهندس مقارنة بالعاملين في المجالات الأخرى هي أن أعماله في الخارج حيث يمكن للجميع رؤيتها. أفعاله ملموسة بالكامل
ربما لم يظهر الكثير من المهندسين في الأعمال السينمائية والتلفزيونية. فإذا سألت أحد عن أشهر الشخصيات السينمائية أو التلفزيونية التي لها علاقة من قريب أو من بعيد بمجال الهندسة فسيكتفي بذكر شخصية توني ستارك أو الرجل الحديدي Iron Man الذي ظهر في أفلام تحمل اسمه وأيضًا في سلسلة أفلام The Avengers لكونه مهندسا ميكانيكيًا لا يشق له غبار؛ نجح في بناء حلة حديدية يطير بها وتساعده في مقاومة الجريمة.
أيضًا شخصية لوشيوس فوكس في سلسلة أفلام باتمان The Dark Knight Trilogy الذي قام بمساعدة بروس واين من خلال صناعته لكل تلك الأجهزة والتقنيات الحديثة والمركبات المتطورة ما يجعله من أشهر مهندسين الإلكترونيات في عالم السينما.
هذا بالإضافة إلي مسلسل MacGyver القديم -الذي أُعيد إنتاجه حديثًا مؤخرًا- والذي يحكي قصة ضابط يقوم بحل المشاكل المعقدة بصناعة معدات من مكونات يجدها الشخص العادي في بيئته لتساعده على النجاة من مواقف الحياة أو الموت. ولكن هل هذا كل نصيب المهندسين في السينما والتلفزيون؟ في السطور القادمة نقدم لك عزيزي القارئ بعضًا من الأفلام التي ستحب مشاهدتها سواء كنت مهندسًا أو ترغب في التعرف أكثر على هذا المجال ومن فيه.
1- The First $20 Million Is Always the Hardest
هل يمكن تصنيع حاسوب تكلفته 99 دولارًا فقط؟ في هذا الفيلم -المقتبس من رواية بنفس الاسم- يفقد أحد العاملين بمجال التسويق شغفه بعمله نتيجة لطغيان الماديات في كل شيء، فيقرر العمل في إحدى المنشآت البحثية حيث يصطدم بأستاذ جامعي يعاديه ويكلفه بمهمة مستحيلة؛ وهي تصنيع حاسوب متطور للغاية بتكلفة زهيدة للغاية، ولا يجد أمامه من يساعده في تلك المهمة الانتحارية غير ثلاثة أشخاص كلهم يعانون من مشاكل مختلفة. لكن الصعوبة لا تقف هنا بل تمتد إلى محاولات سرقة أفكارهم ونجاحاتهم الوشيكة علي أيدي أشخاص آخرين لا يهمهم سوى تحقيق الربح السريع فمن ينتصر في النهاية؟
لعله أشهر فيلم تكلم عن الهندسة منذ تعليمها وحتى ما يجب على المهندس فعله بعد التخرج. فقصة الفيلم تتمحور حول ثلاثة أصدقاء لكل منهم وجهات نظر مختلفة حول ما يريدون فعله في الحياة. أحدهم كان عبقريًا للغاية أما الآخران فكانا ضحية لظروف سيئة، وبعد 10 سنوات يتذكرون صديقهم العبقري الملهم الذي وقف معهم ضد المجتمع وضد أعضاء هيئة التدريس وضد زملائهم الذين سخروا منهم جميعًا ونعتوهم بالحمقى.
فكيف آلت حياة كل منهم بعد سنوات الجامعة؟ وكيف أثرت تصرفاتهم آنذاك في مستقبل كل منهم؟
هل يمكن أن يساهم الشغف بالروبوتات في إصلاح علاقة أب بابنه؟ وهل يجتمع لم شمل عائلة بسبب حب الأب والابن لنفس الآلة؟ في هذا الفيلم الذي تدور أحداثه في زمن مستقبلي -حيث صارت مباريات الملاكمة تقام بين الروبوتات بدلًا من البشر- يحاول الملاكم السابق شارلي (الذي يقوم بدوره هيو جاكمان) الدخول في هذا المجال، لكنه يفتقد المعلومات التقنية اللازمة. ووسط فشله المتلاحق يعلم بخبر وفاة طليقته وأم ابنه، فيقرر أن يأخذ ابنه معه رغم اعتراضات أخت طليقته وما بين رغبة الأب في النجاح في مجال ملاكمة الروبوتات ونبوغ ابنه الصغير في التحكم بروبوت قديم مصنوع من الخردة ورغبته في أن يشارك به في مسابقة الملاكمة، وأن يدرب أبوه هذا الروبوت لكونه خبيرًا في حركات الملاكمة، تدور أحداث الفيلم في قالب إنساني.
إذا قمت بصناعة آلة ما وأعطيتها قدرًا من الذكاء الاصطناعي فإلى أي حد سترتبط بها؟ وما هي حدود استخدام هذه الآلة في الخير أو الشر في حالة تحول الإنسان في لحظات الغضب من شخص يريد مساعدة الآخرين إلى شخص لا يرغب سوى في الانتقام ممن حوله؟
قد تبدو تلك الأسئلة فلسفية عميقة لكنها تطرح بشكل غير مباشر في فيلم الكارتون هذا، الذي يناقش ارتباط طفل نابغ في مجال الإلكترونيات بالإنسان الآلي الذي صنعه، وغيرها العديد من المغامرات والأحداث التي يمران بها معًا.
قد يرى البعض أن وجود هذا الفيلم عن بطل خارق يعد أمرًا غريبًا وسط مجموعة أفلام ترتبط بالهندسة، ولكن المدقق في هذا الفيلم تحديدًا سيجد أن شخصية بيتر باركر (يقوم بدوره أندرو جارفيلد) يقوم بصناعة أشياء عديدة في غرفته لتساعده حينما يصبح الرجل العنكبوت. كل هذا وهو لا يزال طالبًا في المدرسة الثانوية.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "شيطان النيون".. عن تماهي الجمال بالموت
كما أن خصمه الرئيسي في الفيلم يمر بتحولات نتيجة لتجربة علمية بنيت على نية حسنة ولكنها انقلبت رأسًا على عقب مما جعل الفيلم يطرح سؤالًا مهمًا: هل تكفي النوايا الحسنة وحدها في التجارب العلمية أم أن الرغبة في إصلاح حياة البشر دون التقيد بأي محاذير أخلاقية قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه؟
وهي أسئلة ينبغي على من يعمل في كلا من مجالي الهندسة والعلوم أن يمضي الكثير من الوقت في التفكير فيها.
هل يمكنك أن تتخيل أن مجموعة من الطلاب الفقراء في مدرسة ثانوية حكومية وبمعاونة مدرس علوم بسيط قد قاموا بمنافسة جامعة MIT العريقة وغيرها من الجامعات المرموقة في مسابقة هندسية معقدة؟
هذا بالضبط ما حدث في هذا الفيلم المبني على قصة حقيقية لطلاب فقراء من أصول لاتينية. حيث قاموا تحت إشراف مدرسهم الذي تحدى كل الظروف، بما فيها عدم تشجيع أهالي الطلاب وبعض المشاكل القانونية التي يمر بها أبناء الأقلية اللاتينية، قاموا بصناعة روبوت من قطع غيار ومخلفات قديمة لينافسوا الجامعات الشهيرة في مسابقة علمية رفيعة فكانت النتيجة مذهلة.
وثائقي عن نفس الملحمة المذهلة المذكورة في فيلم Spare Parts ولكن الأبطال هم الشخصيات الحقيقية هذه المرة بلا إضافات درامية ولا ممثلين.
هل للنجاح في المجال التقني ثمن باهظ وغير مرغوب فيه؟ يحكي هذا الفيلم ما وراء كواليس إطلاق ستيف جوبز أحدث منتجاته التقنية وكيف أثر هذا الأمر على علاقته بأفراد عائلته، أصدقائه، شركائه في العمل، بل وحتى عليه هو نفسه.
يحكي فيلم steve jobs ما وراء كواليس إطلاق ستيف جوبز أحدث منتجاته التقنية وكيف أثر هذا الأمر على علاقته بأفراد عائلته
فكما يقال في الفيلم على لسان شخصية ستيف وازنياك (يقوم بدوره الممثل سيث روجن): "الأمر ليس مثل إرسال إشارة صفر أو واحد. يمكنك أن تكون عبقريًا ناجحًا ولبقًا مع الناس في آن واحد".
9- Steve Jobs: The Man in the Machine
مرة أخرى مع ستيف جوبز باعتباره أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في عالم التقنية بما أنه صمم منذ البداية على رسم صورة مختلفة عن الباقين -كبيل جيتس مثلًا- حيث صور نفسه ثائرًا على كل ما هو تقليدي، وفنانًا مبدعًا لا مجرد شخص يصنع حواسيب، ولكن هذا الوثائقي يكشف الكثير من التفاصيل المروعة في حياة جوبز الطويلة.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أنا أولغا هيبناروفا": لأنني ضحية بهيميتكم
تفاصيل لم يتسع لها أي فيلم درامي لكثرتها وتشعبها، ليعيد طرح العديد من الأسئلة المهمة حول سرقة الأفكار، والغدر بالمقربين منك في العمل، وهل يمكن للشخص أن يتعايش مع كل هذا لمجرد النجاح المادي والشهرة في عالم التقنية؟
قد يبدو هذا للوهلة الأولى فيلمًا عن البرمجة وخاصًا بالمبرمجين دونًا عن غيرهم. ولكنه يحكي قصة نشأة حركة المصادر المفتوحة وأهمية فلسفتها في تحرير التقنية من قبضة الشركات الاحتكارية التي تتذرع بـ"حقوق الملكية الفكرية" لتقييد الإبداع الحر، ورغم أنه يتحدث في جزء كبير عن نظام تشغيل لينوكس المفتوح المصدر والحرب الشعواء التي شنت على من سعوا لإنجاحه واتهامهم باتهامات سخيفة ومضحكة (كاتهامهم بالشيوعية مثلًا) إلا أنه مهم لفهم تطور مسار حركة المصادر المفتوحة والتي أدت فيما بعد إلى العتاد المفتوح المصدر.
استكمالًا لحركة المصادر المفتوحة التي بدأت بتحرير البرمجيات وانتهت إلى تحرير العتاد، يحكي هذا الوثائقي قصة اللوحة الإلكترونية الأشهر في العالم الآن للطلاب والمهندسين وهواة الإلكترونيات في العالم أجمع التي تمكنهم من برمجة وتصنيع الروبوتات والأجهزة الإلكترونية بسهولة وحرية تامة دون الخوف من شيء اسمه "حقوق الملكية الفكرية".
12- The Secret Life of Nikola Tesla
يُعد تيسلا الأب الروحي للإلكترونيات والكهرباء الحديثة، وحتى اليوم يدرس الطلاب معادلاته في كليات الهندسة، ولكن ما هي قصة حياته المليئة بالمتاعب؟ وكيف حاز توماس إديسون على شهرة لم يستحقها بسرقته لاختراعات تيسلا؟ وكيف كان تيسلا من أبرز من نفعوا البشرية جمعاء رغم شهرته المحدودة خارج الأوساط الأكاديمية؟ يجيب هذا الفيلم الصربي القديم - نسبيًا عن هذه الأسئلة وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "ديدبول".. البطل من المُنقذ إلى المُنتقم
فيلم "أهلًا بكم في هارتمان".. حرب على التنميط