يُمكن تعريف الفتنة الطائفية بأنها أحداث العنف الناتجة عن تطرف وتعصب فئة، أو جماعة، أو طائفة معينة لأفكارها الدينية أو الاجتماعية ضد طائفة أو جماعة أخرى، مما ينتج عنه إخلال بتوازن المجتمع ووحدته، يتحول هذا الخلل في التوازن، حين تقرر الدول التعاطي مع مكوناتها المختلفة بشكل "عرفي" أو "قبلي" مبتعدة عن التحاكم إلى القانون، وتسهم هذه الطريقة في التعامل في تأبيد المشكلة، إذ تعامل الدولة مواطنيها كأنهم أعضاء طوائف حاكمة لهم، ومهمتها، أي الدولة، التوسط بين هذه الطوائف، وليس فرض قوانين يتم تطبيقها على الجميع.
ينظر المثقفون إلى الفتنة الطائفية على أنها من أخطر الأشياء التي تمزق الدولة من الداخل
ينظر المثقفون إلى الفتنة الطائفية على أنها من أخطر الأشياء التي تمزق الدولة من الداخل.
عرفت مصر دائمًا الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، والتي كانت تعود في مجملها لأسباب متكررة مثل علاقات الحب بين فرد من هذه الطائفة لفرد من الطائفة الأخرى، أو بسبب بناء كنيسة، أو بسبب التحول الديني لأفراد من طائفة إلى أخرى.
وساهمت حرية الإعلام المكتسبة بعد ثورة 25 يناير في التغطية المكثفة للأحداث الطائفية التي كانت تميل السلطة السابقة للثورة إلى التعتيم عليها، لكن دون أن تساهم في أي حل حقيقي لها، لكن ورغم كل الكثافة الإعلامية في تغطية الأحداث، إلا أن ذلك لم يثن الدولة عن طريقتها في إدارة الفتن الطائفية بعيدًا عن القانون والدستور.
اقرأ/ي أيضًا: مي شدياق.. عنصريات الحرب الأهلية باقية وتتمدد
أبرز أحداث العنف الطائفي بعد ثورة 25 يناير:
1- حادثة أطفيح، 4 آذار/مارس 2011
بدأت الفتنة من انتشار شائعة في قرية "صول" بمركز أطفيح عن علاقة عاطفية دائرة بين مسيحي ومسلمة، أدت إلى أعمال عنف والاعتداء على كنيستين، مما دفع عددًا من شباب المسيحيين لإقامة وقفة احتجاجية انتهت بأعمال عنف بين متظاهرين مسيحيين ومعترضين مسلمين، أدت إلى مقتل 10 مسيحيين و5 مسلمين وإصابة أكثر من 100 شخص من الطرفين.
2- اعتصام ماسبيرو الأول، 5 أذار/مارس 2011
دعا عدد من المسيحيين إلى اعتصام سلمي أمام مبنى ماسبيرو للضغط على الجهات الأمنية للتدخل لحل أزمة أطفيح، وقامت الشرطة العسكرية بفض الاعتصام وإصابة العشرات.
3- رفض المحافظ المسيحي، 14 نيسان/إبريل 2011
أعلنت مجموعات ذات خلفية إسلامية بمحافظة قنا رفضها لقرار المجلس العسكري بتعيين اللواء عماد ميخائيل محافظًا لقنا نظرًا لديانته المسيحية! وشهدت المحافظة احتجاجات واسعة على قرار التعيين.
4- أحداث إمبابة، 7 أيار/مايو 2011
اعتدى عدد من الإسلاميين على كنيستين بمنطقة إمبابة بعد انتشار خبر اختطاف الكنيسة لفتاة مسلمة تُدعى عبير ومحاولة تنصيرها مرًة أخرى، وراح ضحية هذه الفتنة أكثر من 10 أشخاص، وأصيب أكثر من 200 شخص.
5- اعتصام ماسبيرو الثاني، 8 أيار/مايو 2011
اعتصم عدد من المسيحيين مرةً أخرى أمام مبنى ماسبيرو من أجل الضغط على الحكومة والمجلس العسكري في التدخل لحل أزمة إمبابة وتقديم الجناة إلى المحاكمة، وفي 14 أيار/مايو تعرض الاعتصام لاعتداءات قيل إنها من مسلمين المناطق المجاورة وانتهى الأمر بوقوع 78 مصابًا.
كاميليا شحاته فتاة مسيحية، تسببت في نشوب فتنة قادها السلفيون
اقرأ/ي أيضًا: المثقف الطائفي في العراء
6- عايز أختي كاميليا، أيار/مايو 2011
كاميليا شحاته فتاة مسيحية، تسببت في نشوب فتنة قادها السلفيون بخروج مظاهرات تحمل شعار "عايز أختي كاميليا"، بسبب اعتقادهم إسلامها واختطافها من الكنيسة وإجبارها على اتباع المسيحية، ظهرت كاميليا شحاته في التلفاز يوم 8 أيار/مايو لتنفي كل هذه الشائعات وتعلن أن اختفاءها كان بسبب خلافات زوجية.
7- "داعش" تنتقم لـ كاميليا شحاته ووفاء قسطنطين، شباط/فبراير 2015
عادت كاميليا شحاتة للظهور مرًة أخرى في شباط/فبراير 2015 عندما قام تنظيم "داعش" باختطاف 21 مصريًا قبطيًا في ليبيا، وذبحوهم انتقامًا لفتيات مسلمات تعرضن للاضطهاد في مصر حسب وصفهم، من بينهم كاميليا شحاته ووفاء قسطنطين.
8- مذبحة ماسبيرو والطائفية الممنهجة، 9 تشرين الأول/أكتوبر 2011
اجتمع المتظاهرون المسيحيون بشكل سلمي أمام ماسبيرو، وانضم لهم مجموعة من المسلمين ونشطاء المجتمع المدني، المتضامنين مع قضيتهم للاعتراض على هدم كنيسة بأسوان، كان تصرف قوات الأمن غبيًا للغاية هذه المرة حيث قامت قوات الجيش بفض التظاهرة بالقوة المفرطة، ولا يمكن نسيان مشاهد دهس المواطنين بالمدرعات على شاشات التلفاز، راح العشرات ضحية هذه الأحداث وأصيب أكثر من 300 مواطن.
كانت أحداث ماسبيرو بداية الكارثة الحقيقية، المختلف في أحداث ماسبيرو عن غيرها، أن هذه المرة تبنت الدولة الخطاب الطائفي والتحريض ضد المسيحيين بشكل ممنهج، فكانت شاشات التلفاز الرسمي للدولة، وعلى لسان المذيعة رشا مجدي، تعلن اعتداء الأقباط على جنود الجيش المصري وإطلاق الرصاص الحي وسقوط 3 شهداء من قوات الجيش وأكثر من 20 مصابًا، وهي محض أكاذيب وتحريض واضح وصريح ومحاولة لتوجيه الرأي العام لتأييد السلطة ضد الأقباط وتبرير كل الجرائم التي ترتكبها في حقهم.
9- تهجير 8 أسر مسيحية بالإسكندرية، شباط/فبراير 2012
تجمع العشرات من الشباب المسلمين أمام منزل شخص يُدعى سامي جرجس بمنطقة العامرية بالإسكندرية في يوم 27 كانون الأول/يناير 2012 وطالبوه بهجر المنطقة فورًا، بحجة وجود صور ومقاطع فيديو جنسية لابنه وفتاة مسلمة من نفس المنطقة، وكالعادة تطورت الأمور وسط غياب أمني تام، وحُرق عدد من منازل الأقباط بالقرية، وفي النهاية قامت الحكومة بالإشراف على تهجير 8 أسر مسيحية وإجبارهم على بيع ممتلكاتهم خلال ثلاثة شهور.
الدستور المصري يجرّم التهجير القسري، ورغم ذلك أشرفت الحكومة على تهجير عدد من أقباط شمال سيناء
10- الموت أو التهجير القسري لأقباط سيناء، أيلول/سبتمبر 2012
الدستور المصري يجرّم التهجير القسري بشكل واضح ورغم ذلك، في أواخر أيلول/سبتمبر 2012 أشرفت الحكومة على تهجير عدد من أقباط شمال سيناء "رفح"، بعد أن تلقوا تهديدات من جماعات جهادية، بين هجر سيناء أو القتل، ووقعت أحداث قتل لأقباط في سيناء بالفعل، وبدلًا من أن تتعامل الحكومة مع الأزمة بشكل أكثر نضجًا وتقدّم غطاءً أمنيًا للأقباط، اختارت الحل الأسهل وهو الإشراف على تهجيرهم.
اقرأ/ي أيضًا: العنصرية محنة الإنسانية المتجددة
11- فتنة الخصوص، 6 نيسان/إبريل 2013
نشب خلاف بين مسلمين ومسيحيين بمنطقة الخصوص بالقليوبية وتفاقم الوضع وتحول إلى عنف طائفي راح ضحيته عدد من القتلى والمصابين وحرق واجهة كنيسة وثلاثة منازل وعدد من الممتلكات الخاصة بالأقباط.
12 قتل شيخ الطائفة الشيعية حسن شحاته، 23 حزيران/يونيو 2013
الطائفة السنية هم الأغلبية من المسلمين في مصر، وإذا اتبعت الأغلبية فأنت آمن وسالم، أما إذا خالفتهم تضع نفسك في موضع الخطر. الشيخ حسن شحاته هو شيخ مصري شيعي، وعلى الرغم من أن الدستور يكفل حرية الدين والمعتقد، إلا أن الحكومة لا تعترف إلا بالمذهب السني في الإسلام، مما أدى إلى اعتقاله مرتين بتهمة ازدراء الأديان، وفي 23 حزيران/يونيو 2013 كان الشيخ حسن شحاته يحتقل بأحد أعياد الطائفة الشيعية في منزل أحد الشيعة، وفوجئ بتجمع من المسلمين أتباع الأغلبية السنّية أمام المنزل ويسعون نحو الثأر منه، قُتل الشيخ حسن شحاته بشكل وحشي وسُحل في الشارع.
13- حرق الكنائس عقب فض اعتصام رابعة، 14 آب/أغسطس 2013
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرًا، ذكرت فيه أن السلطة المصرية استخدمت عنفًا طائفيًا في فض اعتصامي رابعة والنهضة، متمثل في ممارسة العنف والتحريض ضد المنتمين إلى جماعة دينية بعينها متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين.
وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقاهرة، أخذ المتظاهرون المطالبون بشرعية الرئيس السابق محمد مرسي في المحافظات، بكتابة عبارات مسيئة للمسيحيين على جدران الكنائس، في اعتقاد منهم بأن الكنيسة تحالفت مع المؤسسة العسكرية، وتآمرت من أجل إبعادهم عن السلطة، مما حول الصراع من سياسي إلى طائفي، وساعدت الدولة في ذلك باستمرارها على التحريض ضد جماعة الإخوان بعينها.
وأصدرت مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا، ذكرت فيه أن عقب الفض العنيف لاعتصامات الإخوان المسلمين يوم 14 آب/أغسطس، قامت حشود من الغاضبين بحرق 37 كنيسة في مختلف محافظات مصر، بالإضافة إلى عشرات المنشآت المسيحية التي تم الاعتداء عليها وتدميرها.
14- فتنة المطرية، 11 شباط/فبراير 2014
حدثت مشاجرة بمنطقة المطرية بين شخصين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، وتطور الأمر إلى تبادل إطلاق النيران، ومقتل أحد الأشخاص المسلمين بالمنطقة، وكالعادة اختارت الحكومة الحل الأسهل بأن ترفع يدها، من مثل هذه الأمور والمشاكل الطائفية، وبعد عدد من جلسات الصلح قُرر تهجير الأسرة المسيحية البالغ عددها 62 شخصًا، وبيع جميع ممتلكاتها خلال ستة أشهر، بالإضافة لتقديم الأسرة المسيحية خمسة أكفان وخمسة عجول وقطعة أرض ومبلغ مليون جنيه.
15- فتنة سمالوط، نيسان/إبريل 2015
وقعت مشاجرات واشتباكات بين المسلمين والأقباط في قرية سمالوط في المنيا بسبب قيام مجموعة من المجهولين برشق حافلة يستقلها طالبات أقباط بالطوب والحجارة، وتكرر الأمر مرة ثانية في كانون الثاني/ديسمبر 2015 في قرية الطيبة التابعة لسمالوط، عندما قام شاب قبطي بالتحرش بفتاة مسلمة، وانتهى الأمر بجلسة صلح في حضور قوات الأمن، وبعدها بأقل من شهر تكرر الأمر في مركز سمالوط مرةً أخرى، حيث قام سائق قبطي بالتحرش بسيدة مسلمة، وتطور الأمر لاشتباكات بين المسلمين والأقباط، وانتهى بجلسة صلح بحضور قوات الأمن أيضًا.
أحداث العنف الطائفي يمكن أن تكون خنجرًا في ظهر النظام، ودليلًا على تمزق المجتمع وفشل الحكومة
16- فتنة الكرم، أيار/مايو 2016
أحد رجال القرية يعلم أن زوجته على علاقة بصديقه القبطي، فيذهب ومجموعة من أصدقائه نحو منزل صديقه القبطي بغرض حرقه، ويطارد والدة القبطي عارية في شوارع القرية، ويضرم النيران في المنزل.
الفتنة الطائفية خنجر في ظهر النظام أم في يده؟!
أحداث العنف الطائفي يمكن أن تكون خنجرًا في ظهر النظام، ودليلًا على تمزق المجتمع وفشل الحكومة، ويمكن أن تكون سلاحًا في يد السلطة تستخدمه عندما تريد، أو على الأقل توظف الأحداث لتوجيه الرأي العام فيما ينفعها.
لكن يبدو أن الفتنة الطائفية في مصر هي دائمًا خنجر في يد النظام وليس في ظهره، فهي من ضمن الفزاعات التي تستخدمها السلطة لترهيب الشعب، ونشوب الخلافات بين الطوائف وحدوث الفرقة المرادة، بالتأكيد وحدة الشعب على كلمة واحدة هي خطر حقيقي على استقرار الأنظمة الفاسدة، تلجأ الأنظمة بالأخص العسكرية الدكتاتورية منها إلى صنع الأزمات، وجعل المواطن في مشكلات بشكل مستمر، وإحساس بعدم الأمان، حتى يلجأ إلى المنقذ المتمثل في السلطة التي تملك القوة والسلاح ولها القدرة على تحقيق الأمن، والسيطرة على التطرف المنتشر، فمن الأفضل للسلطة أن ينقسم الشعب إلى أكبر عدد ممكن من الطوائف المتعصبة، وبالتالي يضمن النظام استمراريته، فكلما تفرق الشعب كلما صار أضعف، وتستطيع الحكومة أن تفعل ما يحلو لها دون أن يحاسبها أحد.
اقرأ/ي أيضًا: