بعد الإعلان عن اجتماع مُحتمل، هو الأول من نوعه، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، طرحت مجلة نيويوركر ثلاثة أسئلة رئيسية يمكن البحث فيها حول هذا الاجتماع المرتقب، وذلك في مقال ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.
في 21 شباط/فبراير عام 1972، وصل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى بكين للاجتماع بالزعيم الصيني ماو تسي تونغ، مُنهيًا بذلك عداوةً دامت 25 عامًا بين الولايات المتحدة والصين.
وافق ترامب فورًا على مقابلة زعيم كوريا الشمالية، وهو ما إن حدث، سيعد المقامرة السياسية الأكثر جرأة من رئيس أمريكي منذ عقود
وكانت التحضيرات السابقة لذلك اللقاء مضنية: فقبلها بأكثر من ثلاث سنوات، بدأ هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي، يلمح لبكين بأن نيكسون قد يكون هو الرئيس الذي سيُعيد فتح العلاقات. وفي عام 1971، عقد كيسنجر عدة اجتماعات سرية مع تشو إنلاي رئيس الوزراء، وقضيا عشرات الساعات في المفاوضات. وفي شهر تموز/يوليو من ذلك العام، أعلن نيكسون خطته، لكنها استغرقت سبعة أشهر أخرى من الإعداد الدبلوماسي قبل أن يجازف أخيرًا بالذهاب إلى الصين، فيما وصفه بـ"الأسبوع الذي غيّر العالم".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو اندلعت الحرب ضد كوريا الشمالية؟.. سيناريو مُتخيّل لكارثة محتملة
في المقابل، تطور قرار الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بالاجتماع مع كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، في غمضة عين. وفي يوم الخميس الماضي، حال علمه بأن تشونغ إيوي يونغ، مستشار الأمن القومي بكوريا الجنوبية، موجود في الجناح الغربي للاجتماع بعدد من المسؤولين، دعاه ترامب إلى المكتب البيضاوي.
عندها أعلمه يونغ برغبة زعيم كوريا الشمالية في مقابلته، وافق ترامب على الفور، ودعا يونغ للإعلان إلى الهيئات الصحفية بالبيت الأبيض عن هذه المقامرة الدبلوماسية الأكثر جرأة التي يقوم بها رئيس أمريكي منذ عقود.
وإذا عقد هذا الاجتماع -وهو أمر غير مضمون نهائيًا- فستكون هذه هي المواجهة الأولى بين رئيس أمريكي حالي وأحد زعماء كوريا الشمالية، منذ أن تأسست تلك الدولة في عام 1948.
وقد تفاجأ كثير من الدبلوماسيين من هذا الإعلان عن قمة رئاسية محتملة بين ترامب وكيم، دون خوض المراحل المعتادة السابقة على القمم الرئاسية من هذا النوع، المتمثلة في المحادثات الأقل مستوى. فيما صرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، بأنّ البيت الأبيض سعيد بالابتعاد عن القواعد الدبلوماسية المعتادة مع كوريا الشمالية. وقال حرفيًا: "بالعودة إلى عام 1992، أجرت الولايات المتحدة محادثات مباشرة على مستويات منخفضة مع الكوريين الشماليين، وأعتقد أن التاريخ يتحدث عن نفسه".
احتمال أن يحاول ترامب إحراز تقدم في كوريا الشمالية، مثلما فعل نيكسون الذي كان شديد العداوة للشيوعية، واتجه إلى الصين، كان احتمالًا محيرًا منذ انتخاب ترامب. كتب جون ديلي، الخبير في شؤون كوريا الشمالية بجامعة يونسي في سيول، متنبئًا في مقال له نُشر قبل عام في مجلة فورين أفيرز: "سواء أعجبك ذلك أم لا، فإن الأسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية حقيقة واقعة. والولايات المتحدة تحتاج إلى إستراتيجية جديدة للتعامل مع كيم، وترامب مناسب لذلك تمامًا".
ووفقًا لتصريحات البيت الأبيض، ستُعقد القمة بحلول شهر أيار/مايو القادم، ما يترك مساحة ضيقة للبحث في ثلاثة أسئلة أساسية:
1. ما هو المعيار الواقعي للنجاح؟
يتمحور هدف الولايات المتحدة من تلك القمة رسميًا، حول ضمان التوصل إلى اتفاق راسخ على أن تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية. وينبغي أن يكون مفهومًا أن هذا الهدف فرضية مثالية، ولكنه مستحيل واقعيًا، إذ لا يوجد مُحلل أو مراقب جاد، يعتقد بأن كوريا الشمالية مستعدة لتفكيك ترسانتها النووية في أي وقت قريب، فهي حجر الزاوية في الدعاية التي تستخدمها عائلة كيم لإقناع الشعب بأنها تستحق الحكم.
من المثالية توقع أن ينتهي اللقاء بين ترامب وكيم بتخلي الأخير عن ترسانته النووية التي تمثل حجر الزاوية في استمرار حكمه وحكم عائلته
وإذا تخلت كوريا الشمالية عن أسلحتها غدًا، فلن تكون سوى نسخة شديدة السوء من جارتها الجنوبية، وهي حقيقة من شأنها أن تقوض مزاعم العائلة الحاكمة تمامًا.
اقرأ/ي أيضًا: إنفوغراف: ما حقيقة الميزان العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟
تتبنى كوريا الشمالية الاحتمال الغامض في التخلي عن السلاح النووي كوسيلة تُمكنها من الجلوس مع ترامب على طاولة المفاوضات، وبمجرد وصول الطرفين، سيتعين عليهما تحديد خطوات مُقبلة واضحة وقابلة للتنفيذ، لضمان ألا يرجع أي منهما خالي الوفاض.
يقول ريتشارد بلومنثال، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي من ولاية كونيتيكت، في تغريدة على موقع تويتر: "يجب أن يستعد البيت الأبيض فعليًا، وأن يضع برنامجًا واضحًا للمحادثات، وأن يصر على التفتيش المستقل والعقوبات الاقتصادية المستمرة".
ويضيف: "على الرغم من أن الدبلوماسية تُعد دائمًا خطوة إيجابية، ولكن المحادثات شديدة الخطورة بين الرئيسين ترامب وكيم جونغ أون يجب أن تُقابل بالتشكك. إذ إننا غير قادرين على تحمل "مسلسل واقعي" رئاسي آخر".
2. أين وماذا وكيف؟
من ناحية المصطلحات التليفزيونية، فالقمة الرئاسية ليست "مسلسلًا واقعيًا" وإنما "نص درامي"، إذ إن موقع التصوير الصحيح والتنظيم وتصميم الرقصات، تمثل جميعها عناصر أساسية. كما تناقش المسؤولون، بعد ساعات من إعلان البيت الأبيض، فيما إذا كان ترامب سيدعو كيم لإجراء محادثات في الولايات المتحدة، إذ إن قبول الأخير دعوةً مماثلة سيكون مدهشًا.
منذ تولى كيم السلطة، في عام 2011، لم يتجاوز حدود بلاده، ويعزى السبب إلى حدٍ كبير في ذلك إلى خوفه من الاغتيال أو من وقوع انقلاب.
ومن المواقع المحتملة لعقد القمة، قرية بانمونجوم، وهي قرية مُقسمة على الحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، حيث اجتمعت الدولتين لإجراء محادثات من قبل، ولذلك تعرف بقرية "الهُدنة"، ربما يدعو كيم ترامب إليها، ولكن لن يكون من الحكمة أن يقبل ترامب هذه الدعوة.
لقد تعلم القادة الأجانب أنهم بإغراء ترامب بالسجاد الأحمر والفرق النحاسية، يمكنهم أن يحصلوا منه على الإطراء والامتنان اللذين يقوضان أهدافه (بعدما تلقى استقبالًا باهظًا في بكين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال ترامب عن الرئيس شي جين بينغ أنه "رجل مميز للغاية"). إذن، سيكون تجاهل الإغراء أمرًا شديد الأهمية في حالة كوريا الشمالية، التي ظلت لعقود تسعى للاجتماع برئيس أمريكي.
أما الآن وقد وافق البيت الأبيض على طلب عقد قمة رئاسية، يجب عليه أن يجد طريقة لتحويل هذه البادرة للحصول على امتياز مكافئ. ويُمكن للإدارة الأمريكية، على سبيل المثال، أن تصر على الإفراج عن الأمريكيين الثلاثة المحتجزين في سجون كوريا الشمالية. وستكون عودتهم الآمنة خطوة أولى طبيعية لتهيئة الظروف لعقد قمة مثمرة بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي.
3. ماهي الخطة البديلة؟
بعد الإعلان عن الاجتماع، أوضح دانيال راسل، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للشؤون الآسيوية، والذي صار الآن دبلوماسيًا في مقر جمعية آسيا؛ أن من المخاطر الرئيسية اجتماع الزعيمين معًا في بداية المفاوضات وليس في نهايتها.
وقال روسيل: "بمجرد أن تستخدم أقوى أسلحتك، لن تتبقى مساحة دبلوماسية كبيرة للتفاوض"، مضيفًا: "إذًا لو التقى ترامب مع كيم وفشلت القمة، ماذا بعد؟".
وكتحوط لتجنب مثل هذا الفشل، قد ينتهي الأمر بالطرفين إلى تأجيل التعهدات الصارمة المتعلقة بالتخلي عن السلاح النووي، مع التركيز على هدف أكثر قابلية للتحقيق، مثل مجرد استمرار فتح قنوات الاتصال. قد لا يرضي ذلك المُتشددين من الجانبين، ولكن رمزية الاجتماع نفسها يمكن أن تكون مُثمرة.
وبالنظر إلى الأمر من الناحية الخارجية، يسهل التقليل من شأن التهديدات التي تمثلها كوريا الشمالية، ومن التعبيرات العدوانية الغريبة التي تعبر عن إحساسها بالضعف والكبرياء المجروح، وإحباطها الناجم عن العزلة والفشل الذي اتسم به جزء كبير من تاريخها خلال القرن الماضي.
في حال اجتمعا، على ترامب وكيم تجاوز عقبة السلاح النووي والتركيز على هدف أكثر قابلية للتحقيق مثل مجرد استمرار فتح قنوات اتصال
وكثيرًا ما لعبت هذه الكيمياء السياسية الداخلية دورًا أكبر مما ندركه في الغرب أحيانًا. أثناء زيارة نيكسون إلى الصين، توقف في المطار ليصافح تشو إنلاي، وقد ساعد بفعله ذلك على إصلاح مصدر الإذلال الصيني الذي استمر لعقود. ففي أثناء مؤتمر عُقد في جنيف في عام 1954، تجاهل جون فوستر دالاس وزير الخارجية المناهض للشيوعية، بشكل واضح يد تشو الممتدة. ولم تنس الطبقة السياسية في الصين هذه الإهانة أبدًا. وقد قال تشو لنيكسون: "تخطت مصافحتك هذه عبر أكثر المحيطات اتساعًا في العالم؛ 25 عامًا من انقطاع العلاقات".
اقرأ/ي أيضًا:
هل سنشهد في 2018 حربًا نووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة؟
تقدير موقف: أزمة الصواريخ الكورية.. خيارات صعبة لمواجهة مستحيلة