لم يُنظر في هوليوود إلى الكوميديا بوصفها مجالًا سينمائيًا تخصصيًا له أدواته الخاصة ونجومه المتفرغين، مثلما هو سائد بالنسبة لأفلام الحركة والرعب، ومؤخرًا أفلام الأبطال الخارقين المأخوذة عن القصص المصورة. فهذه الأفلام، على خلاف الأفلام الكوميدية، طوّرت حساسيات تجارية خاصة تسترشد على الدوام بتقلبات سوق الفيلم الدولي ومعايير وإحصائيات شبابيك التذاكر، بينما ظلت الأفلام الكوميدية تشكل حالة بحث غاية في الجدية عن المواضيع الاجتماعية الأكثر إلحاحًا وفرادة لمعالجتها عبر الكوميديا.
لذلك، نجد أن ما يميز الكوميديا في هوليوود هو الموضوع أولًا، والفرضية التي تفتح النقاش حول الموضوع ثانيًا، ثم النجم الذي سيخوض مغامرة الشخصية الكوميدية. وربما تكون واحدة من أبرز سمات كوميديا هوليوود الأمريكية أنها درامية بشكل ملفت، لكنها دراما خفيفة الظل لا تستهدف صناعة الضحك بقدر ما هي معنية بمعالجة الموضوع الاجتماعي بلغة تهكمية وسخرية مبطنة، لكنها تحافظ على مسار درامي مضبوط بعناية وينتمي إلى سياق حكايته بالتزام شديد.
ثمة اليوم كوميديا نسائية خالصة تحاول عكس وجهة نظر المرأة في مختلف قضايا عصرها عبر الكوميديا ذاتها
تفسر هذه السمات التي تميز الأفلام الكوميدية الأمريكية الهيمنة شبه الكلية لمدرسة وودي آلن التي تصنع الكوميديا من عناصر درامية أصيلة، وتعرّض تلك العناصر لصدمة الفرضية الفنية التي تخلق بدورها الصدام والخيال والإضحاك، وكل ذلك مقترن باحترام شديد وإعلاء لمكانة الحوار.
هذا التأثير المدرسي للمخرج والمنتج الأمريكي وودي آلن طبع الكوميديا بهوليوود بطابع استثنائي متفرد، خاصةً لناحية مفاهيم التمثيل، سيما أن هذه المدرسة تبحث عن ممثلين ولا تبحث عن كوميديين متخصصين بالمعنى المسرحي الموليري الفرنسي، أو الديلارتي الإيطالي، بل كوميديا تنمي إلى مدرسة الواقعية الأمريكية.
ولم تحظ هوليوود بنجوم للكوميديا سوى من سنوات قليلة استجابة لنجاحات تجارية وزيادة الطلب على ممثلين كوميديين دون غيرهم، ومن هنا بدأنا نشهد على بدء تشكل مفهوم نجم الكوميديا في هوليوود. ومنذ هذه اللحظة، بدأت الكوميديا الأمريكية باتخاذ مسارات مختلفة في صناعة الفيلم الكوميدي، وبدأت بخلط الكوميديا بأنواع سينمائية أخرى لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح وتصدّر شبابيك التذاكر، كربط الكوميديا بأفلام الحركة، أو ربط الكوميديا بالرومنسية، أو ربطها بالمواسم والرياضات، فبدت وكأنها تفقد جزءًا كبيرًا من سماتها الأكاديمية والمدرسية الأصيلة لصالح متطلبات السوق ومفاهيم العرض والطلب.
ومثلما كان الدخول إلى عالم النجم الكوميدي الأوحد والجاذب في شباك التذاكر سريعًا وتصاعديًا، كذلك كان التنويع في اتجاهات صناعة الكوميديا سريعًا وتصاعديًا أيضًا. وأحد أهم مظاهر هذا التسارع هو اتجاه هوليوود نحو صناعة البطولة النسائية المطلقة في الفيلم الكوميدي، وصناعة كوميديا نسائية متخصصة لها نجماتها ووجوها البارزة الجاذبة في سوق الفيلم الدولي.
لقد أصبحنا اليوم أمام كوميديا نسائية خالصة تحاول عكس وجهة نظر المرأة في مختلف القضايا عبر الكوميديا، وهذه السينما تشهد تسارعًا تصاعديًا بلور بسرعة مفهوم نجمة الكوميديا النسائية، وصرن أمام نجمات يحققن إيرادات ضخمة في سوق الفيلم الأمريكي والدولي. وفي هذه المقالة قائمة بـ4 من أفضل أفلام الكوميديا النسائية، إذ تلعب دور البطولة فيها نجمات كوميديات دخلن هذه الصناعة كممثلات خفيفات ظل في كوميديات أمريكية أصيلة، وتحولن بسرعة إلى نجمات شباك، سواء ببطولة مشتركة أو بطولة مطلقة.
1- أمهات سيئات
حقق هذا الفيلم نجاحًا كبيرًا عند طرحه وعرضه في السينمات، مما شجع شركة الإنتاج على إنتاج جزء آخر منه هو "أمهات سيئات في الكريسماس". لكن الجزء الثاني لم يحقق النجاح المرجو كما فعل الجزء الأول، الذي يروي قصة ثلاث أمهات لهن طباع متباينة وينتمين إلى خلفيات اجتماعية وطبقية مختلفة أيضًا.
لم تكن هؤلاء الأمهات يشعرن بأنهن يرزحن تحت ضغط كبير بين كونهن أمهات وبين كفاحهن في حياتهن اليومية إلى أن يلاحظن، مصادقةً، أنهن يسعين وراء مثالية تفرضها التصورات النمطية المسبقة للمجتمع التي تحدد بقسوة صورة الأم المثالية.
يكتشفن ذلك في اجتماع لأولياء الأمور في المدرسة، حيث يبدأن بالتفكير بصوت عال والشكوى من تلك الضغوط التي تحدد علاقتهن بأولادهن وبالمحيط بصورة مثالية مبالغ بها لدرجة أنهن نسين أنهن على قيد الحياة، فيقررن حينها خوض انتخابات أولياء الأمور لتخفيض سقف التوقعات المثالية وتحطيم ذلك الإطار المثالي الذي تحول لسجن لهن.
يقدم الفيلم فرصة للنقاش العام حول صورة الأم والضغوطات التي يفرضها المحيط على الأمهات، ويظهر رغبة عارمة في إعادة تعريف المثالية والتخلص من عقدة الذنب والتوقف عن السعي لبلوغ مثالية وهمية لايمكن تحقيقها، والتصرف تجاه مفاهيم الأمومة والأبوة بطريقة واقعية تأخذ بعين الاعتبار رغبات وحاجات الأهل خلال عملية التربية الشاقة.
حقق الفيلم الذي أُنتج عام 2016 نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، حيث بلغت إيراداته 117 مليون دولار. وهو من بطولة كل من ميلا كونيس وكاثرين هان وكرستينا أبليغيت.
2- الإشبينات
يمكننا القول إن هذا الفيلم بُني على بطولة نسائية مشتركة، إذ لم يكن قد تبلور بعد مفهوم النجم الكوميدي الأوحد، وهو الفيلم الذي قدم ميليسا مكارثي ومزاياها الكوميدية المتعددة، وأظهر إشارات واضحة على أننا بصدد ولادة نجمة كوميدية مميزة. وقد أتاحت البطولة المشتركة الفرصة للتعرّف على أداءات كوميدية مذهلة وخفيفة الظل، وعززت الفرص بإمكانية صناعة الكوميديا النسائية.
تدور قصة الفيلم حول صديقتين تتجه حياة إحداهما بثبات وثقة نحو الاستقرار والإيجابية، بينما تأخذ حياة صديقتها بالتداعي، حيث تشهد خسارات متعاقبة مهنيًا وعاطفيًا دفعتها إلى التمسك بصديقتها المقبلة على الزواج في محاولة للتمسك بشيء إيجابي واحد وسط كل تلك الخيبات، حيث تصارع بقية صديقات العروس لنيل لقب "الوصيفة"، مدفوعة بكل ما تحمله من خيبة وفقدان للأمل، فتعكس تلك الروح على حفل الزفاف وتكاد تفسده، بل وكادت أن تخسر صديقتها المقربة كصورة من صور بلوغها الحضيض.
يتضمن الفليم الكثير من المفارقات، وفيه مجموعة مهمة من ممثلات الكوميديا اللواتي أصبح لهن أفلامهن الخاصة ببطولات مطلقة. أُنتج الفيلم عام 2011، وهو من إخراج بول فيغ، وبطولة ماريا لودورف وميليسا مكارثي وريبيل ويلسون. فاز بجائزتي أوسكار، وهما أوسكار أفضل سيناريو أصلي، وأفضل ممثلة بدور مساعد التي نالتها ميليسا مكارثي.
3- الحرارة
بعد حصولها على جائزة الأوسكار عن دورها كممثلة مساعدة في فيلم "الإشبينات"، انطلقت ميليسا مكارثي في عالم النجومية، وكانت أولى التحديات التي واجهتها لإثبات موهبتها الحقيقية واستحقاقها للاوسكار بجدارة هو التمثيل إلى جانب الممثلة البارعة صاحبة الأوسكار ساندرا بولوك. وقد قدّمتا أداءً مميزًا وكوميديًا زاد من ثقة المنتجين بصوابية وجدوى تبني الكوميدية النسائية.
تدور القصة حول شرطية تعمل في مكتب التحقيق الفيدرالي، وتسعى إلى الإمساك برئيس عصابة مخدرات. وبهدف القبض عليه، تضطر للتعاون مع شرطية من بوسطن، لكنها شرطية غريبة الأطوار (لعبت دورها ميليسا مكارثي) تنشأ بينهما سريعًا علاقة مشحونة وتصادمية في البداية، لكنها تبدأ بالتحول إلى صداقة حقيقية.
يحتوي الفيلم على الكثير من المفارقات الكوميدية، وتميّز ببراعة كتابة الشخصيتين إلى جانب براعة كل من ميليسا وبولوك في لعب شخصياتهما.
4- أشعر أنني جميلة
يُعد فيلمًا نموذجيًا وفق مفهوم البطولة النسائية المطلقة، لكنه بحد ذاته إعادة إنتاج أكثر فلسفية لفيلم "هال السطحي" لكن في النسخة الأنثوية منه.
يحاول الفيلم أن يرى وجهة نظر المرأة لمفهوم الجمال والثقة، إذ تعاني بطلة الفيلم "شومر" (لعبت دورها الممثلة الشابة رينيه باريت التي لن يكون هذا الفيلم بطولتها المطلقة الوحيدة) من شعور أنها كافية بالنسبة لكل شي وخاصة مظهرها. ولكنها تبدأ برؤية نفسها بطريقة مختلفة بعد ارتطام رأسها خلال التدريب على الدراجات، إذ تظهر في المرايا كفتاة مثيرة وفاتنة، ما يمنحها المظهر ثقة زائدة تساعدها على صعود سلالم النجاح.
وبينما كانت تظن أن جاذبيتها الجديدة هي سبب نجاها، تكتشف في النهاية أنها كانت موهومة، وأن لا أحد كان يراها بتلك الفتنة التي كانت تراها في نفسها، وأن ثقتها الوهمية بنفسها الآتية من المظهر لم تكن متعلقة بالشكل، فهي وحدها من كان يظن أنها جذابة، بينما رآها الآخرون كما هي.
لكن ثقتها المفرطة بنفسها كانت سبب وراء إعجاب الناس بها. وكما أسلفنا، اتخد الفيلم من فيلم "هيل السطحي" مصدر إلهام، لكنه يعد فيلمًا مثيرًا للجدل، إذ اتهمه بعض النقاد بأنه يعيد إنتاج تلك الصور النمطية المزعجة لمفاهيم الجمال والثقة، حتى وإن حاول أن يقول عكس ذلك.