سلّطت مجلة "ذا نيشن" الأميركية، في تقرير مطوّل، الضوء على من وصفتهم بـ"الرابحين" من الحرب الدموية الإسرائيلية على غزة، والمقصود ههنا هي الشركات الأميركية التي تجني أرباحًا كبيرة من وراء العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، مما يحول أهوال الحرب، حسب المجلة، إلى انتصاراتٍ في مجالس إدارات الشركات المعنية، وهي أساسًا شركات: "كولت" لصناعة الأسلحة، و"فورد" للسيارات، وشركة "كاتربيلر" التي توفر الجرافات لجيش الاحتلال، وشركة الذكاء الاصطناعي "بالانتير"، وشركتا "غوغل" و"أمازون" اللتان تشرفان على مشروع "نيمبوس" الإسرائيلي الذي يصل العقد الخاص به مع الشركتين إلى 1.2 مليار دولار.
لقد أصبحت الحرب الإسرائيلية على غزة، حسب تقرير مجلة ذا نيشن الذي أعده الكاتب سبنسر أكرمان، وسيلةً تحقق من خلالها كبرى الشركات الأميركية أهدافها المالية.
ويذهب كاتب التقرير إلى أنّ هذه الشركات هي المنتصر الوحيد، في ظلّ عدم تمكّن إسرائيل وراعيها الأميركي من تحقيق نصرٍ حاسم على فصائل المقاومة على الرغم من تدمير غزة بلا هوادة أو رحمة بواسطة السلاح الأميركي الموجود بحوزة إسرائيل وجيشها.
تتضاعف انتصارات هذه الشركات، مع كل يوم تواصل فيه إسرائيل أعمال الإبادة الجماعية في غزة.
لقد كان عجز إسرائيل عن تحقيق نصرٍ حقيقي، أمرًا واضحًا منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر: "عندما بدأ العديد منا يحذرون من أن الهجوم الإسرائيلي يحمل كل السمات المميزة لحروب أميركا الأبدية، لكن الرعب والفوضى التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية كفيلةٌ بأن تقنع أي متشكك متبق".
صفقات السلاح
ومع ذلك، فإن مجرد عدم إمكانية تحقيق النصر في الحرب لا يعني أنها تفتقر إلى الفائزين. ففي 14 أيار/مايو الماضي، بعد أيامٍ من تقدم إسرائيل في اجتياح رفح، أبلغ جو بايدن الكونغرس أن إدارته ستمضي قدمًا في تزويد إسرائيل بأسلحة أخرى بقيمة مليار دولار.
لقد كان ذلك، حسب "ذا نيشن"، جزءًا من أكثر من 12.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/كتوبر ، وكان بمثابة تراجع كامل عن قرار بايدن السابق بإيقاف شحنة أسلحة إلى إسرائيل بسبب تحركها الوشيك نحو رفح.
وأظهرت هذه الخطوة أيضًا مسار السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. فمنذ عام 1945، كان الهدف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة هو ضمان الوصول إلى النفط الرخيص، وكانت على استعداد لدعم أي طاغية قادر على تأمين هذه المصلحة. وفي الآونة الأخيرة، أضافت السياسة الخارجية الأميركية التكامل الإقليمي إلى تلك الضرورة الحتمية، وهو ما سعت إلى تحقيقه، ليس من خلال اتفاقيات السلام، ولكن من خلال صفقات الأسلحة.
إن صفقات السلاح هذه، حسب الكاتب، هي المعطى الأساسي ومفتاح رؤية بايدن لنهاية "اللعبة" في غزة.
فأيًا تكن المناقشات الدائرة حول تراجع الهيمنة الأميركية، فإن سوق الأسلحة العالمي يشكل المكان الذي تنمو فيه القوة الأميركية. فقد كانت الولايات المتحدة مسؤولةً عن 34% من إجمالي صادرات الأسلحة في الفترة من 2014 إلى 2018، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام المستقل “SIPRI”. وبحلول عام 2023، ارتفع هذا الرقم إلى 42%. وقد ذهب نحو 38% من صادرات الأسلحة الأميركية خلال تلك الفترة إلى الشرق الأوسط، حصلت منها إسرائيل على نسبة 3.6% منها؛ علما بأنّ إسرائيل تحصل على 69% من وارداتها من الأسلحة من واشنطن.
الرابحون من وراء الحرب على غزة
إن إخفاقات حروب أميركا الإمبراطورية أدت إلى حجب حقيقة وجود رابحين منها، وينطبق هذا الاستنتاج على الهجوم الأخير المدعوم من الولايات المتحدة على غزة. وهؤلاء الرابحون موجودون في مجالس إدارة الشركات الأميركية، التي سبق ذكرها، والتي أماط اللثام عنها إحصاءٌ أعدّته "لجنة خدمة الأصدقاء الأميركيين".
ويسلط التقرير الضوء على هذه الشركات، حسب الكاتب، ليس بسبب دورها في إراقة الدماء، وإنما لأنها شركاتٌ غير استثنائية، تمثل عمليات روتينية داخل آلية القمع الإسرائيلية. حتى إن بعضها غير معروف، في المقام الأول، كشركة مصنّعة للأسلحة. وتتضاعف انتصارات هذه الشركات مع كل يوم تواصل فيه إسرائيل أعمال الإبادة الجماعية في غزة.
شركة كولت لصناعة الأسلحة
بينما كانت كل الأنظار موجهة نحو غزة خلال الأشهر التسعة الماضية، اغتنم المستوطنون الإسرائيليون الفرصة لتكثيف هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهي هجمات كانت تنفذ في الغالب بمساعدة أسلحة أميركية الصنع.
في تشرين الثاني/نوفمبر، طلبت الحكومة الإسرائيلية 24 ألف بندقية نصف أوتوماتيكية وآلية من شركات أميركية معظمها من شركة كولت. وأشارت إسرائيل إلى أن بعض هذه البنادق ستذهب إلى المدنيين، على الأرجح، وذلك كجزء من خطة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لتوزيع الأسلحة على فرق "الأمن" التابعة للمستوطنين.
وعلى الرغم من أن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت عن قلقٍ داخل وزارة الخارجية الأميركية، حينها، من أن الأسلحة ستستخدم ضد المدنيين – كجزءٍ من حملة المستوطنين المستنفَرين لطرد الفلسطينيين من أراضيهم – إلا أن إدارة بايدن وافقت في النهاية على الصفقة. إذ أعلن البنتاغون في الأول من أيار/مايو، عن عقدٍ بقيمة 26.6 مليون دولار مع شركة كولت لتسليم الأسلحة.
شركة فورد للسيارات
يرى تقرير "ذا نيشن" أنه قد يبدو من السخرية أن تقوم شركةٌ أسسها أشهر معادٍ للسامية في الولايات المتحدة بتزويد الدولة اليهودية بمركبات مدرعة. لكن النزعة القومية العرقية المسعورة التي كانت تحرك هنري فورد وتحرك الآن الحكومة الإسرائيلية الحالية تساعد في وضع الأمور ضمن نصابها الصحيح.
في كانون الأول/ديسمبر، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها تسلّمت شحنةً جديدة من المعدات العسكرية، ونشرت صورةً لشاحنة فورد F-350 مزودةً بنوافذ مجهزة بشباك معدني. ومن السهل حاليًا رصد عددٍ من شاحنات فورد في مجموعة مركبات الجيش الإسرائيلي، الذي أعلن أنه قام بتجهيز شاحنة F-350 بأجهزة استشعار وكاميرات متطورة للعمل كمركبة برية بدون سائق، حيث جرى استخدامها للقيام بدوريات على حدود غزة لأكثر من عقد من الزمن.
يشار إلى أن شركة "فورد" قامت ببناء أول مصنع تجميع لها في إسرائيل بعد وقت قصير من حرب الأيام الستة عام 1967. وكانت أعمالها التي استمرت لعقود من الزمن هناك حاسمةً في محاولاتها لإزالة وصمة معاداة السامية عن مؤسسها.
شركة كاتربيلر
بحسب التقرير، فإن شركة "كاتربيلر"، عملاق معدات البناء، ليست شركة أسلحة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجهود الرامية إلى خلق ما تسميه إسرائيل "الحقائق على الأرض"، فإن بعض أقوى الأسلحة لا تكون ناريةً بالضرورة.
ذلك بالضبط ما ينطبق على جرافات شركة كاتربيلر التي كانت مشغولةً بشكل خاص بحفر طريقٍ سريع واسع يمتد من السياج على الحدود الشرقية لغزة بالقرب من كيبوتس ناحال عوز إلى شارع الرشيد الذي يمتد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. والغرض من هذا الطريق السريع، المعروف باسم ممر نتساريم، هو تسهيل وصول الجيش الإسرائيلي عبر غزة لسنوات قادمة بينما يقسم القطاع فعليًا إلى قسمين.
جرافة كاتربيلر D9 هي التي قتلت الناشطة الطلابية الأميركية راشيل كوري في رفح عام 2003 أثناء محاولتها منع الجرافة من تسوية منزلٍ بالأرض.
وفي الوقت ذاته، يستخدم جيش الاحتلال لإسرائيلي "الجرافات والتفجيرات الخاضعة للرقابة"، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، لبناء منطقة عازلة على طول حدوده المرسومة من جانب واحد لغزة، مما يؤدي إلى تقليص الأراضي المسموح بها للفلسطينيين.
ويتابع التقرير: "إنّ هذه الجرافات المخيفة ليست مجرد قطع كبيرةً من الآلات الثقيلة، فطيلة سنوات عديدة، استخدمت إسرائيل جرافة كاتربيلر D9، وهي جرافة مدرعة لمقاومة الصواريخ وقذائف آر بي جي، لهدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة".
يذكر أن جرافة كاتربيلر D9 هي التي قتلت الناشطة الطلابية الأميركية راشيل كوري في رفح عام 2003 أثناء محاولتها منع الجرافة من تسوية منزلٍ بالأرض.
وفي العام التالي، خلال الأيام الأخيرة من الانتفاضة الثانية، دعت "هيومن رايتس ووتش" شركة "كاتربيلر" إلى التوقف عن بيع جرافة D9 إلى إسرائيل، التي تستخدمها في "هدم منازل الفلسطينيين، وتدمير الزراعة، وتمزيق الطرق في انتهاكٍ لقوانين الحرب".
وردًّا على دعوة المنظمة الحقوقية اكتفى جيمس أوينز، الرئيس التنفيذي لشركة "كاتربيلر" في ذلك الوقت، برسالة قال فيها إن الشركة: "ليس لديها القدرة العملية أو الحق القانوني لتحديد كيفية استخدام منتجاتها بعد بيعها".
بالانتير
وفي حين أن شركة "جوجل" - وهي شركة أخرى لها علاقات وثيقة بآلة الحرب الإسرائيلية - تعاني من معارضةٍ داخلية بسبب عملها في إسرائيل، فإن شركة الذكاء الاصطناعي "بالانتير" تروّج بفخرٍ لشراكتها مع دولة الاحتلال.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي التقى الرئيس التنفيذي للشركة، أليكس كارب، بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، وتفاخر كارب برغبة إسرائيل بالحصول على منتجات "بالانتير". وعلى الرغم من أن كارب لم يحدد أيًّا من تلك المنتجات في ذلك الوقت، إلا أن شركة "بلانتير" أكدت أن إسرائيل تستخدم نظامًا بيئيًا لبيانات تكنولوجيا الدفاع يسمى خدمات الويب الحكومية "بالانتير".
وفي مقابلة مع "بلومبرغ"، أكّد كارب أنه في الظروف العادية، سيوافق على الدعوات لتقييد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الجيش. لكن موقف كارب هذا يستدعي الشك حسب تقرير "ذا نيشن" بسبب سلوك الشركة وتعاملاتها.
فقد انتقلت منتجات شركة "بالانتير" إلى ساحات القتال في أفغانستان، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى حملة قام بها جنرال بالجيش كان مغمورًا في ذلك الوقت يُدعى مايك فلين. وخلال رئاسة دونالد ترامب، حصدت محادثات بالانتير عقدًا للتنقيب عن البيانات مع الجيش بقيمة تزيد على 800 مليون دولار، وعقدًا آخر مع إدارة الهجرة والجمارك بقيمة تصل إلى 42 مليون دولار.
وردّت الشركة على الانتقادات الموجهة لدورها في مطاردة المهاجرين من خلال تصوير نفسها على أنها أكثر وطنية من بقية قطاع التكنولوجيا. وأعلن كارب أنّ: "وادي السليكون... يقول للأميركي العادي: لن أدعم احتياجاتك الدفاعية".
يعلق كاتب التقرير قائلً:ا "يمكنك أن ترى لماذا يحب نتنياهو هذا النوع من الرجال".
جوجل
في عام 2021، فازت شركتا "جوجل" و"أمازون" بعقد بقيمة 1.2 مليار دولار لنظام الحوسبة السحابية التابع للحكومة الإسرائيلية والمعروف باسم مشروع "نيمبوس". وعلى الرغم من قلة المعلومات العامة المتاحة حول كيفية عمل "Nimbus"، وصف سام بيدل، مراسل "The Intercept" الذي حصل على وثائق جوجل الداخلية، دور الشركة بأنه تزويد إسرائيل بتطورات حاسمة في مجال الذكاء الاصطناعي، على وجه التحديد، مع قدرات الكشف عن الوجه، وتصنيف الصور الآلي وتتبع الأشياء وحتى تحليل المشاعر بادعاء تقييم المحتوى العاطفي للصور والكلام والكتابة.
وأثار مشروع "Nimbus" في العام 2022 احتجاجًا من العاملين في شركة "جوجل" استقالت على إثره أرييل كورين من منصبها كمديرة للتسويق، بدعوى أن الشركة انتقمت منها لتنظيمها احتجاجًا ضد مشروع "نيمبوس". ومما ورد في الرسالة التي شرحت فيها أسباب استقالتها: "إن جوجل تعمل بشكل منهجي على إسكات الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة التي تشعر بالقلق إزاء تواطؤ جوجل في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني".
كتبت منظمة "أكسيس ناو" للحقوق الرقمية، إلى ساندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل وألفابت، تطلب منه توضيح الدور الذي لعبته جوجل في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في غزة، لكنها لم تتلقّ ردًّا
وفي وقت سابق من هذا العام، نشر الصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام تحقيقًا حول الطرق الفظيعة التي يستخدمها بها جيش الاحتلال الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي في هجومه على غزة، حيث يقوم برنامج بائس يسمى "لافندر" بإنشاء أهداف للجيش بناءً على تقييم الذكاء الاصطناعي لمدى: "تقبل الشخص للتشدد". وذكر الصحفي الإسرائيلي أبراهام أن شركة "لافندر" أنتجت حوالي 37 ألف هدف خلال المراحل الأولى من الهجوم على غزة.
إن محرك القتل الجماعي هذا هو الآن المنتج النهائي لبيانات المراقبة الموسعة التي تحتفظ بها إسرائيل للفلسطينيين. ومن غير المعروف ما إذا كان "Nimbus" يساهم في هذا البرنامج. لكن "لافندر" يوضح إلى أين تنوي إسرائيل توجيه قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
في أيار/مايو الماضي، كتبت منظمة "أكسيس ناو" للحقوق الرقمية، إلى ساندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "جوجل" و"ألفابت"، تطلب منه توضيح الدور الذي لعبته "جوجل" في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في غزة. وأشارت المنظمة في طلبها إلى أن: "الاستخدام المروع لحرب الذكاء الاصطناعي في غزة، وعلاقة جوجل المتزايدة مع الحكومة الإسرائيلية يطرح السؤال التالي: إلى أي مدى يستخدم الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والأنظمة الخاصة بجوجل من أجل المذبحة الجماعية للمدنيين الأبرياء والتدمير الشامل لقطاع غزة؟.
وحتى هذه اللحظة، لم تتلق المنظمة أي ردٍّ من محرك البحث العملاق "جوجل".