تدين ذاكرتنا السينمائية بالكثير للفنان فريد شوقي، وذلك لمساهمته في تشكيلها وبلورتها، إذ ضمت هذه الذاكرة ما يتجاوز الـ 350 فيلمًا سينمائيًا، و12 مسلسلًا تلفزيونيًا، و18 مسرحية.
هذه التركة الثقيلة، الزاخرة بمختلف أنماط وأنواع الشخصيات الفنية التي لعبها، حوّلته لما هو أكثر من ممثل وكاتب ومنتج سينمائي، إذ جعلت منه ظاهرة فنية يمكن الاسترشاد بها، ويمكن عبر دراستها الاطلاع على المشهد الفني المصري، خلال أكثر من نصف قرن.
يلاحظ المتابع لأعمال فريد شوقي، من الأربعينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي، أنها مراحل متصلة منفصلة، برز فيها وعيه العالي لدور السينما الكبير في التنوير المجتمعي، فانتقل من الترفيه والتسلية إلى طرح القضايا المجتمعية.
نقدم لكم هنا جولة في أروقة الذاكرة السينمائية، من خلال 5 من أفضل أفلام فريد شوقي الملقّب بـ "وحش الشاشة".
1- ملائكة في جهنم
في أربعينيات القرن العشرين، اشتهر فريد شوقي بلعب أدوار الشر الثانوية، واشتملت هذه المرحلة على ما يزيد عن 30 فيلمًا، أطرته في هذا النوع من الأدوار، وكانت هذه الأدوار مكتوبة بصورة نمطية مباشرة، لم تسمح له بإبراز موهبته كممثل، وتمحورت حول انفعالات تقليدية، وكليشيهات جاهزة.
فيلم "ملائكة في جهنم" هو أول أفلام المخرج حسن الإمام. أُنتج عام 1947. تدور أحداثه حول أب يشك في نسب ابنته إليه، فيقوم بالتخلص منها وتركها في يد رجل عصابات يقوم بتربيتها. يكتشف الأب الحقيقة ويتأكد من نسب ابنته إليه فيحاول استرجاعها، لكن رجل العصابة يرفض ويطلب فدية، وبالمقابل تتغير ابنته وتتشرب أخلاق محيطها الاجتماعي.
2- جعلوني مجرمًا
لا يعد هذا الفيلم بداية فريد شوقي كبطل شعبي، أو بوصفه "فتوة" السينما المصرية، إذا سبقه مجموعة من الأفلام مثل "حميدو" و"الأسطى حسن" التي شكلت بمجموعها ملامح فريد شوقي الممثل، وجعلته يتربع على عرش أفلام الدرجة الثالثة كبطل مطلق للطبقة الشعبية.
الجدير بالذكر أن المفاهيم الطبقية كانت متجذرة ومتحكمة بصناعة السينما في مصر، وهذه المفاهيم فرضت معايير صارمة لصناعة النجم، أهمها الوسامة والأناقة والقدرة على الغناء، ورغم أن هذه المفاهيم أبعدته عن النجومية بشكلها المعياري الصارم للمنتجين إلا أنها جعلت منه بطل الفئات الشعبية المصرية ومعبودها.
هناك كثير من المحطات المميزة في هذا الفيلم، منها أنه من قصة لفريد شوقي نفسه، وأنه بداية التعاون مع نجيب محفوظ، الذي كان له دور كبير في تكريس صورة البطل الشعبي في السينما المصرية، إلى جانب أن الفيلم واحد من أكثر الأمثلة وضوحًا عن الصناعة الفنية المستندة إلى بحث اجتماعي ميداني، فهو يتحدث عن قانون السوابق لمرتكبي الجرائم والجنح في القانون المصري، من خلال قصة طفل خرج من إصلاحية الأحداث ويحاول بدء حياة جديدة، لكن الوصمة تلاحقه وتمنعه من ذلك، إلى أن تجعل منه مجرمًا بحق، بعد أن يهرب من السجن الذي أودع فيه مرة أخرى، ويذهب ليقتل عمه الذي استولى على ثروة أبيه وطرده الى الشارع.
يُعد "جعلوني مجرمًا" من أفضل أفلام فريد شوقي، وقد صدر بعد عرضه قانون في مصر يعفي من السابقة الأولى وحذفها من السجلات. الفيلم أنتج عام 1954، وهو من سيناريو نجيب محفوظ والسيد بدير وعاطف سالم، ومن إخراج عاطف سالم.
3- باب الحديد
أظهر "باب الحديد" فريد شوقي للمرة الأولى خارج سياق "الفتوة" الذي اعتاد عليه الجمهور، ما خلق في وقت عرض الفيلم في السينما هرجًا ومرجًا وصل الى حد الاحتجاج وتحطيم السينما، رفضًا لظهور فريد شوقي بهذه الصورة.
يُظهر قبوله هذا الدور نظرته البعيدة لمستقبل السينما، وكأنه رأى في يوسف شاهين تمردًا على كل التقاليد المتبعة في الصناعة، وأن السينما أكبر من الإيرادات وشباك التذاكر.
تدور أحداث الفيلم حول "قناوي" بائع الجرائد المهووس بالجنس، والذي يقع في غرام هنومة (هند رستم)، المخطوبة لأبو سريع (فريد شوقي)، وعندما يكتشف قناوي أن هنومة تعطف عليه، ولا يمكنها الزواج به، وأنها لا يمكن أن تتخلى عن حبيبها يقرر قتلها، لكنه يقوم بقتل فتاة أخرى ظنًا منه أنها هي، ويحاول أن يُلقي التهمة على خطيبها أبو سريع.
بمقاييس الشباك والعروض الجماهيرية مثّل "باب الحديد" فشلًا ذريعًا، خاصة بسبب ظهور فريد شوقي بدور يناقض صورته البطولية، لكنه لاقى استحسانًا كبيرًا جدًا عند عرضه على التلفزيون المصري.
أنتج الفيلم عام 1958، بإخراج يوسف شاهين، عن قصة وسيناريو عبد الحي أديب. وهو أول فيلم عربي وأفريقي يرشح لتمثيل العرب وأفريقيا في الأوسكار.
4- يا رب ولد
فيلم "يا رب ولد" عبارة عن كوميديا اجتماعية خفيفة، تحكي قصة الحاج الأسيوطي، تاجر الأخشاب، والوالد لثلاث بنات كل واحدة منهن متزوجة من شاب فاشل في حياته، ولهذا يحاول كل من هؤلاء الثلاثة الاستيلاء على ثروة الأسيوطي، عبر اقتراح مشاريع تبوء بالفشل على الدوام، فيما يخشى الأب ضياع إرثه واسمه من دون وجود ولد ذكر يحمل كل هذا. إلى أن تحمل زوجته ويشعر أن حلمه اقترب من التحقق، ليكتشف بالنهاية أن الحمل كاذب، لكن حمل حماة الأزواج يخلّف الكثير من المفارقات والمتاعب.
قدم الفيلم نجومًا في الكوميديا إلى جانب فريد شوقي، أمثال سمير غانم وأحمد راتب وإسعاد يونس.
5- أبو البنات
فيلم "أبو البنات" من أكثر تراجيديات السينما المصرية شهرة، يروي قصة سيد النساج الذي يعاني شظف العيش، ما يدفعه لطلب تمديد للعمل بعد وصوله إلى سن التقاعد كي يعيل أسرته، لكن طلبه يرفض، وتبدأ الضغوط تتراكم عليه، وتدفعه لفعل ما لا يشبهه بسبب انعدام الحيلة والعجز، فيجبر ابنته على الزواج من المعلم سلطان، ليخفف عن نفسه شيئًا من أعباء المصاريف.
يستثمر سيد النساج بعض الأموال لدى جاره حسين عبر العمل في بوتيك ثياب مستوردة، إلا أنه يُقبض على شريكه بتهمة التهريب، وبهذا تضيع الأموال، فلا يتمالك سيد نفسه ويقتل حسين ويُسجن. يخرج سيد من السجن ويجد أن أسرته تفككت.
إلى جانب فريد شوقي هناك مديحة كامل، والفيلم من إخراج وتأليف تيسير عبود.