على عكس عادة أبناء جيله الذين احتفظ كل منهم بوجهه السينمائي الذي عُرف به عند الجمهور، لم ير أحد وجه أحمد زكي، كل دور يجسده هو شهادة ميلاد جديدة له، وكأنك تراه للمرة الأولى على الشاشة.
أهو العسكري؟ أم البيه البواب؟ أم طه حسين؟ أم الطبال؟ أم جمال عبد الناصر؟! شخصيات كثيرة ومتنوعة أداها أحمد زكي بنفس التميز والأداء الساحر. في دور الضابط يشعرك أنه ضابط شرطة قدّم استقالته توًّا، وفي دور المجرم يقدم لنا نفسه قادمًا من عوالم الإجرام وكأنه بابلو إسكوبار!
مشخصاتي بدرجة فنان، ممثل مصري على الطراز العالمي. أحد عشاق الحياة الذين أعطتهم ظهرها كعادتها تجاه من يعشقها.
ولد أحمد زكي في 18 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1949، في مدينة الزقازيق، في محافظة الشرقية شمالي العاصمة القاهرة، التحق بالمدرسة الصناعية ثم غادرها إلى معهد الفنون المسرحية، لتبدأ رحلته الحافلة والقاسية مع الفن، والتي لم تنته إلا بوفاته في 27 آذار/مارس 2005، بعد صراع مع مرض السرطان.
موهبة أحمد زكى الفريدة من نوعها مكنته من أداء أدوار شديدة الخصوصية، ربما لم يكن أحد غيره يستطيع أداءها بنفس روح التجسيد التي تتلبسه خلف الكاميرات، لتحكي قصة موهبة استثنائية.
نستعرض فيما يلي أهم أفلام الراحل أحمد زكي، محاولين الوقوف على أهم لمساته وماذا أضاف إلى هذه الأدوار الصعبة.
1- البريء
من سيناريو وحوار وحيد حامد، ومن إخراج عاطف الطيب.
قدمت الثنائي حامد والطيب أفلامًا غاية في الواقعية، ناقشا القضايا بعمق مثلما تناقش داخل ساحات المحاكم، بتميز شديد وسط صراع رواد مدرسة الواقعية مع واقع جديد يفرض عليهم معطياته الكثيرة بأسلوبه السريع. اكتسب هذا الثنائي تميزًا بوجود أحمد زكي على رأس الهرم.
أحمد سبع الليل في البريء مجرد جندي في الجيش، لكنهما أرادا جعله أسطورة، وقد كان.
أحمد سبع الليل فلاح بسيط للغاية، لم يحصل على كفايته من التعليم، ولا توجد لديه مميزات تجعله ذا شأن، هو أحد العاديين الذين نقابلهم كل يوم في المقاهي والقطارات والشوارع ومحطات انتظار الباص.
مفهوم الوطن لدى أحمد سبع الليل لا يتعدى حدود القرية الصغيرة، لكن حسين وهدان (ممدوح عبد العليم) الشاب الجامعي الوحيد في القرية يساهم في تنمية وعيه ويمنع عنه التندر والسخرية، حتى يتم استدعاء سبع الليل للتجنيد الإجباري. تلقي قوات الأمن القبض على حسين ويكون مطلوبًا من سبع الليل حراسته والإشراف على تعذيبه، لا يتقبل عقل سبع الليل أن ابن قريته من أعداء الوطن، يقوم بثورة خلف شاشات السينما لا زالت نيرانها لم تطفأ في الخارج، تحديدًا ثورة عساكر الأمن المركزي في شباط/فبراير 1986.
2- زوجة رجل مهم
من سيناريو وحوار رؤوف توفيق، ومن إخراج محمد خان.
بعد عامين من "البريء"، نرى أحمد زكي هذه المرة في بدلة الضابط ذي النفوذ الذي يتخذ كل ما يراه ضروريًا لحماية مصلحة الوطن، حتى ولو كان مخالفًا للقانون الذي أقسم على احترامه.
يتزوج ضابط المباحث هشام (أحمد زكي) من منى (ميرفت أمين)، تحت سقف واحد يجتمع الماء والنار، هشام المتسلط صاحب النفوذ الذي يستغل نفوذه لبسط سطوته، وزوجته منى الرومانسية عاشقة المطرب الشهير عبد الحليم حافظ التي تتلقى خبر وفاته بصدمة لا تقل قسوة عن صدمة الفتيات اللاتي انتحرن حينها، بينما يتلقى هشام صدمة إقالته بفيض من الذهول والإنكار.
أقيل هشام من منصبه عقب تحقيقات انتفاضة 17 كانون الثاني/يناير 1977، يعيش في صدمة سحب البساط، هو الآن مواطن عادي لم يعتد ذلك يومًا، تزداد عصبيته وتتعقد حياته الزوجية، في تحول مثير أجاد أحمد زكي تجسيده ببراعة.
3- الهروب
من سيناريو وحوار مصطفى محرم، ومن إخراج عاطف الطيب.
أوائل التسعينات، ترتدي مصر ثوبها الجديد، قضايا كثيرة تبرز على الساحة، الإرهاب وتوظيف الأموال والفساد وهجرة المصريين إلى الخارج، كل هذا يحدث بينما يستعد منصور (أحمد زكي) لقتل مدحت (يوسف فوزي).
مدحت زميل سابق لمنتصر في الجيش، يفتتح شركة للسفر في الخارج، يلتحق منصور بالعمل لديه، لكنه سرعان ما يكتشف أن رأسمال تلك الشركة هو بيع الوهم على هيئة تأشيرات مزورة.
يحدث شجار بين مدحت ومنصور، يقوم على إثره مدحت بدس قطعة من نبات الحشيش المخدر لمنصور والإبلاغ عنه، يقبض على منصور ويخرج من السجن لينتقم بقتل مدحت.
يهرب منصور فتصبح قضيته قضية الرأي العام، تحاول الحكومة استغلال قضية منصور للتغطية على القضايا الكبيرة الأخرى، يقع منصور بين براثن الأسد، حيث يحاصره الجميع من كل ناحية.
أداء أحمد زكي وإتقانه المتفاني للهجة الصعيدية أضاف رونقًا ما إلى الدور، هو ليس مجرد هارب من قضية قتل، لكنه وطن صغير تتجسد من خلاله مشكلات الوطن الأكبر.
4- اضحك الصورة تطلع حلوة
من سيناريو وحوار وحيد حامد، ومن إخراج شريف عرفة.
بعيدًا عن عوالم السياسة هذه المرة، سيد (أحمد زكي) يمتهن التصوير. يمتلك استوديو متواضعًا بأحد الأقاليم، يعيش من قوت يومه بصحبة أمه (سناء جميل) وابنته تهاني (منى زكي) التي تلتحق بكلية الطب.
الكلية رفيعة الشأن تفتح أبوابها لابنته في القاهرة، تحديدًا كلية طب القصر العيني الشهيرة، على إثر ذلك ينتقل سيد بصحبة أمه وابنته إلى مكان قريب من الكلية، محاولًا إيجاد عمل.
تصطدم ابنته بواقع الكلية والقاهرة المختلفين عن كل ما رأت، تنشأ علاقة حب بينها وبين زميلها وأحد أبناء الطبقة الراقية (كريم عبد العزيز)، وكعادة السينما يرفض أهله ارتباطهما.
هذا الرفض كان دافعًا لسيد ليلقي كلماته المؤثرة عن إثر كلمة "بحبك" التي تربط ابن الأثرياء بابنته، وكيف أنها عقد لم يدون في أوراق رسمية.
دفاعًا عن الحب، عن الكرامة، وإزالة للفوارق الطبقية يظهر أحمد زكي هذه المرة، في ثوب جديد هادئ من الخارج، لكنه يشتعل غضبًا من الداخل.
5- ضد الحكومة
عن قصة وجيه أبو ذكرى، وسيناريو وحوار بشير الديك، ومن إخراج عاطف الطيب.
مصطفي خلف (أحمد زكي) يمتهن المحاماة عقب فصله من النيابة العامة، يجيد مصطفي اللعب على أوتار القانون ببراعة منقطعة النظير، يستخدم ثغرات القانون ويتلاعب بنصوصه بهدف أن يكسب قضاياه.
هو أحد المحامين في التعويضات الذين أعيوا الحكومة من دفع الكثير من الأموال للموظفين المفصولين عن عملهم والذين تعرضوا لحوادث وغيرهم، حتى يصطدم بابنه الوحيد يقع ضحية لإهمال الحكومة فيتعرض لحادث يجعله عاجزًا عن الحركة.
يقرّر مصطفى أن يترافع عن ابنه ولكن بشكل مختلف هذه المرة، حيث يلقي مرافعة عصماء حوت جملًا لا تزال تتردد إلى المسامع حتى الآن مثل "كلنا فاسدون، لا أستثني أحدًا حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة".
يحاول مصطفى إلقاء المسؤولية هذه المرة على الوزراء أنفسهم ويطالب بمحاكمتهم بينما يحاول محامي الحكومة وأستاذه (أبو بكر عزت) إلقاء المسؤولية على سائق القطار وعامل التحويلة، ليدور بينهما صراع حاول صناع الفيلم من خلال طرحهم إلقاء المسئولية على الكبار.
ربما يعد هذا الفيلم أشهر وأهم الأفلام المصرية التي تناولت المحاماة على الإطلاق، يقوم أحمد زكي بتجسيد دور المحامي، مترافعًا ومتلاعبًا بثغرات القانون وكأنه مولود في جنبات كلية الحقوق.
اقرأ/ي أيضًا: