لم يكن من السهل على النجم الأمريكي براد بيت التخلص من لعنة الوسامة التي لاحقته لفترة طويلة خلال مسيرته الفنية كممثل. ومع أنه لم يمانع ذلك في بداية مشواره، لكي يكون جزءًا من عالم صناعة السينما والترفيه، لكنه أدرك في مرحلة ما من مسيرته أن الوسامة في هوليوود قد تتحول إلى نقمة، وتبقيه في مرمى النقاد وأقلامهم، وخارج حسابات جهابذة الصناعة السينمائية. وأن استخدام الوسامة يحمل معه مخاطر التنميط والتأطير والاستخدام محدود المدة بعد أن يخبو البريق ويتلاشى.
لذا، كان رهان بيت يتمحور حول التخلص من لقب الفتى الذهبي الذي طارده خلال أعوام طويلة ظهر فيها في التلفزيون وفي أدوار بسيطة في السينما، ومعظم هذه الأدوار تتمحور حول الوسامة وتوظيفها في سياق الحكاية. كان على بيت التحلي بشجاعة الرفض ليحجز له مكانة خاصة ضمن قائمة نجوم هوليوود المتميزين اللذين لا يستثمرون بوسامتهم، بقدر ما يعتمدون على أدواتهم كممثلين.
احتاج هذا الأمر من بيت ليتحقق دراية وانتقائية مصاغة بحرص تخللها بعض السقطات، لكنه في كل مرة يجعل جل تركيزه على تقييمات أداء نجوم هوليوود في الصحافة السينمائية، والاستطلاعات، ليعود ويقوِّم مسيرته بالمزيد من الرفض، والمزيد من الانتقائية. لذلك سوف يلاحظ المراجع لمسيرته محطات هبوط وصعود على مستوى الأدوات، ونوعية الشخصيات التي لعبها خلال مسيرته.
ويمكن تفسير ذلك بحالة التخبط التي عاشها وهو يرسم خطه المهني، وبأنه اختار الطريق الأكثر صعوبة. ولا يخفي براد بيت بعد أن اعتلى عرش النجومية، وانضم لقائمة أفضل الممثلين والأكثر طلبًا وإغراءً من قبل كبار المخرجين والمنتجين، ندمه على بعض الخيارات التي ستلازمه كإرثه الشخصي، ويمكن هنا تأريخ المرحلة التي تخلص فيها بيت من نقمة الفتى الذهبي من خلال الفيلم العدمي الزاخر بالعنف "Kalifornia"، إذ قدّم فيه بيت أداءً استثنائيًا لشخصية قاتل عبثي، أخرق، ومضطرب، وابتعد بهذا الدور كثيرًا عن سمات الفتى الذهبي.
ابتداءً من هذا الفيلم، صارت خياراته تنحاز للشخصية وترفض النمط بالمطلق، ونحن في هذه القائمة إذ نعتبر أن فيلم "Kalifornia" يعد تأريخًا لسيرة براد كممثل، وانفصاله التام عن صورة الفتى الوسيم الجذاب، فإننا نورد هنا مجموعة من التجارب التي تُظهر نضج وحرص تجربة براد بيت في فن التمثيل والإضافات المرجعية التي أضافها أداؤه على الشخصية السينمائية. ولابد من الإشارة هنا إلى أن سيرته حافلة بأفلام ذات أهمية كبيرة، يحار المرء أمامها وهو يحاول أن يجري ترتيبًا تصاعديًا لسيرة ممثل لا شك أنه صار علامة من علامات السينما بمفهومها الترفيهي والفلسفي الاجتماعي.
في هذه المقالة وقفة مع 5 من أهم أفلام براد بيت.
1- Kalifornia
يُعد الفيلم، كما أسلفنا في المقدمة، علامة فارقة في مسيرة براد بيت كممثل، إذ منحه الفرصة للتحرر من إطار الوسامة الذي لازمه في بدايته. وفيه، يلعب بيت شخصية إيرلي غرايس المتهكم، صاحب النظرة التبسيطية للحياة الذي يقوده اضطرابه النفسي، وطفولته المعذبة، ليصبح سفاحًا عبثيًا يقتل دون تفكير أو رحمة، لكنه يخفي روح القاتل الشرس خلف الهدوء والثقة بالنفس.
يروي الفيلم قصة صحفي استقصائي، هو براين كيسلر، يبحث هو وصديقته المصورة المتخصصة في قصص القتلة المتسلسلين، ويبدأ رحلة ميدانية لزيارة الأماكن الحقيقية التي عاش فيها أولئك القتلة، لكن بسبب محدودية ميزانيته يضع إعلانًا عن رغبة الثنائي في إقلال شخصين آخرين يحملان معهما شيئًا من تكلفة السفر، وتوافق تلك الصدفة الغريبة بأن يقل الصحفي سفاحًا متخفيًا جاء برفقة حبيبته، ويبدأ هذا السفاح بالكشف عن وجهه شيئًا فشيئًا خلال الرحلة من خلال ارتكابه لسلسلة جرائم قتل مجانية، لينتهي به الأمر قتيلًا على يد الصحفي الذي وضعه السفاح أمام نفسه، وكشف له كم هو مزيف وسطحي، ومدع وعديم التجربة ليتناول موضوعًا بهذا الحجم دون أي معرفة عميقة بالظروف التي خلقت أولئك السفاحين والقتلة.
الفيلم من إخراج دومنيك سينا ومن سيناريو وقصة تيم ميتكالف.
2- Fight Club
فيلم استثنائي كان بمثابة بطاقة الدرجة الأولى لكبار الشخصيات، وهو ما منح براد صورته كممثل ينتمي بجدارة إلى نجوم الصف الأول. وفوق هذا وذاك، يُعد الفيلم بحد ذاته تجربة فلسفية ونفسية تمد المشاهد بطاقة احتجاجية كبيرة برع في حمل تفاصيل حكايته كل من براد بيت وإدوارد نورتون.
الحكاية في الفيلم متعددة الطبقات، والزمن فيها متداخل ومركّب، ولا يمكن محاولة سرد الحكاية البسيطة للفيلم دون تفسير الدلالات وتفنيد الطبقات التي تشكلت منها دراما الحكاية، لكن الفيلم يحكي عن شخص بسيط، موظف في شركة سيارات غارق في البؤس ويرزح تحت ضغط العمل، مستكين وهادئ، ولا يميل إلى إحداث أي شغب.
تتأزم حالته النفسية، فيقابل طبيبًا نفسيًا ينصحه بالانضمام لمجموعات الدعم، فيختار الإنضمام لمجموعة ذكورية تعاني من سرطان الخصية، وتتفاعل الحكاية بعد ذلك عندما يتعرف إلى رجل يدعى تايلر، وتنشأ بين الاثنين صداقة سريعة ومتينة. وتحت وطأة النقمة على النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يتحكم بحياتهما، يقرر الاثنان تأسيس نادٍ للقتال لا يقوم على معايير الهزيمة والنصر، بل هو محاولة للتحرر الذاتي عبر إطلاق الوحش الناقم الكامن في روحيهما.
يتورط إدوارد نورتن في سلسلة من المشكلات العويصة التي يحدثها تايلر، ويجد نفسه داخل منظومة عصبوية تهدف لتقويض النظام العام، ثم يكتشف أن تايلر لم يكن إلا هو، تايلر هو الشخص الغاضب داخل شخصية الموظف المستكين الذي سيطر عليه وصار يوجه سلوكه وأفكاره.
الفيلم من إخراج ديفيد فينشر الذي سوف تجمعه ببراد بيت أعمال مميزة أخرى مثل فيلم "الخطايا السبع"، وقد حظي الفيلم مراجعات نقدية إيجابية وإشادات واسعة من مجتمع النقاد السينمائيين حول العالم، ويعد أحد أهم أفلام براد بيت.
3- Twelve Monkeys
الفيلم الذي حقق أرباحًا كبيرة جدًا في شباك التذاكر، والمصنّف كفيلم خيال علمي، هو في واقع الأمر ورغم الفكرة المجنونة التي تقوم عليها حكايته، يعد فيلمًا تأمليًا فلسفيًا يرسم صورة قاتمة وسريالية لعالمنا كما نعرفه، ويرى أن هذا العالم سوف يؤدي به الاستهلاك والشراهة إلى الجنون المطلق.
تدور أحداث الفيلم في المستقبل عام 2035 حول مجتمع من الناجين يقبعون تحت الأرض بعد نجاتهم من فيروس مدمر مر على الأرض عام 1996، وجاء على معظم سكانها. وهذا المجتمع القابع تحت الأرض مهووس بإيجاد ترياق مضاد لهذا الفيروس، ويجد العلماء فرصة للقضاء عليه بالسفر عبر الزمن إلى ما قبل وقوع الكارثة ومواجهة عصابة مختلة تطلق على نفسها "الإثني عشر قردًا" يقودهم شخص مختل هو جيفري غوينز الذي لعب دوره ببراعة ملفتة براد بيت.
يقع اختيار العلماء على مجرم محتجز لديهم هو جيمس كول للسفر الى الماضي ومواجهة تلك العصابة ودرء الخطر في الماضي للعودة إلى الحياة. والفيلم من إخراج تيري غيليام المهووس بالأسلوبية السريالية وصاحب التحفة السينمائية "برازيل". وقد نال براد بيت ترشيحًا لجائزة الأوسكار كممثل مساعد عن هذا الدور، ونال جائزة الغولدن غلوب عنه أيضًا.
4- Fury
يقدّم براد بيت في هذا الفيلم واحدًا من أجمل وأعمق الأداءات التمثيلية، إذ بدا واضحًا من خلال الأداء قدرة بيت القوية على الاستغراق في الأداء، ومد الشخصية السينمائية بالحيوية اللازمة كي تعيش طويلًا في أذهان المشاهدين عبر الضبط الانفعالي، والرسم الدقيق للملامح، والبنية السلوكية للشخصية التي تورط المشاهد في عوالمها الداخلية منذ المشاهد الأولى للفيلم. وسيبقى أداء براد بيت في هذا الفيلم، رغم محدودية انتشار الفيلم، واحدًا من أجمل الأداءات وأكثرها نضجًا في أفلام الحروب.
يتحدث الفيلم عن مجموعة تقود دبابات أميركية في مواجهة الدبابات الألمانية الخارقة. ورغم انقطاع التواصل والإمداد وشح الذخيرة، تصمد المجموعة وتقاتل بدبابتها الألمان، وتختلط خلال ذلك الشجاعة بالجنون والخوف والشوق. وحظي الفيلم الذي أخرجه ديفيد آير بمراجعات نقدية إيجابية عديدة تحدثت، بالدرجة الأولى، عن أداء بيت الخلاب، وعن توظيف عناصر أفلام الحرب بطريقة جديدة ومختلفة كليًا عن الشائع والمعتاد.
5- Babel
يقدم المخرج المكسيكي الكبير أليخاندرو كونزاليس إناريتو في هذا الفيلم تحفة سينمائية غاية في حسن الصنعة والعدسة التأملية النافذة إلى عمق الروح، والمصاغة بدفق عاطفي ومشوبة بحزن، مألوف وقريب، قدّم فيه براد بيت كذلك أداءً مطواعًا ومنسجمًا مع تلك الأسلوبية الدافئة والمشحونة بالعاطفة.
يروي الفيلم قصة رصاصة انطلقت بالخطأ من طفلين يرعيان الغنم في جبال الأطلس المغربية، لتجوب هذه الرصاصة ثلاث قارات وتحدث خللًا في أربع دول. يقرر ريتشارد، الرجل الذي يقف على حافة اليأس بسبب تداعي زواجه، أن يأخذ زوجته سوزان التي لعبت دورها كيت بلانشيت، في رحلة إلى المغرب كمحاولة لوقف انهيار زواجه واستعادة حبيبته وأم طفليه، لكن زوجته تصاب بالطلق الناري من بندقية صيد وجد فيها الطفلان أحمد ويوسف لعبتهما الجديدة في تلك الوديان والمرتفعات الأطلسية، لتسارع السفارة الأميركية لاعتبار الأمر حادثًا إرهابيًا تستنفر معه دول عدة بحثًا عن صاحب البندقية. ومع هذا البحث، تتشابك الحكايا من المغرب إلى اليابان ثم المكسيك فأمريكا.
ورغم تباعد الجغرافيا، إلا أن حياة السائحة الأميركية المهددة تدخلنا إلى حيوات كثيرة وقصص إنسانية لشخصيات بعيدة عن الحدث مكانيًا، لكنها جزءًا منه تكوينًا وتشابكًا. والفيلم تجربة بصرية وأدائية أخاذة، وأحد أهم أفلام براد بيت الذي قدّم فيه أداءً ساحرًا يكاد يخلو من الكلام، لكنه عميق وعاطفي ومشحون بشدة. كما نال الفيلم الكثير من الجوائز التي تجاوزت 28 جائزة، وأكثر من 75 ترشيحًا لجوائز في مختلف المحافل السينمائية حول العالم.