في ثمانينيات القرن التاسع عشر، ظهرت في فرنسا حركة فنية فريدة شغلت نقّاد ذلك العصر وغيرهم من المهتمين بالفن التشكيلي، خاصةً أنها جاءت بعد مدة قصيرة من ظهور الحركة الانطباعية. لكنها، وعلى عكس الأخيرة، لم تعش طويلًا رغم ارتباطها بأسماء كبيرة في تاريخ الفن التشكيلي.
بدأت هذه الحركة التي عُرفت باسم التقسيمية، ثم التنقيطية، وأخيرًا الانطباعية الجديدة، مع الفنان الفرنسي جورج سورا، ثم تطورت فيما بعد على يد فنانين كُثر منهم بول سينياك وهنري إدمون كروس. وهي أسلوب فني يعتمد على وضع الألوان على سطح اللوحة على شكل نقاط صغيرة جنبًا إلى جنب.
نستعرض في هذه المقالة 6 من أشهر لوحات الحركة التنقيطية التي تُعتبر من الحركات الفنية الثورية، وتُعد واحدة من أكثر المدارس إثارةً للجدل في تاريخ الفن التشكيلي
1- بعد ظهر يوم أحد في جزيرة لا غراند جات
"بعد ظهر يوم أحد في جزيرة لا غراند جات" هي أهم لوحات الرسام الفرنسي جورج سورا (1859 – 1891) وأكثرها شهرةً على الإطلاق لكونها رُسمت بأسلوب فني جديد هو "التنقيطية"، الذي مثّل بداية اتجاه فني جديد يُقال إنه كاد أن يكون بديلًا عن المدرسة الانطباعية لو أن سورا علَّم أساسياته للآخرين.
رُسمت هذه اللوحة بين عامي 1884 – 1886، وصوَّر سورا فيها مجموعة من الأشخاص يتنزهون على الجزيرة التي تحمل اللوحة اسمها في يوم صيفي. وعلى الرغم من أنها أثارت حفيظة النقاد في البداية بسبب الأسلوب الذي رُسمت به، إلا أنها شغلت فيما بعد تفكيرهم لسنوات طويلة حاولوا خلالها تفسير مضمونها ورسالتها.
2- ميناء سان تروبيه
يُعد الرسام الفرنسي بول سينياك (1863 – 1935) واحدًا من أشهر روّاد المدرسة التنقيطية التي اشتغل على تطويرها إلى جانب جورج سورا. وقد اشتُهر سينياك برسم المشاهد الطبيعية ومعالم المدن التي يزورها وخاصةً المرافئ والشواطئ، إذ كان دائم التنقل وغالبًا بين مدن وبلدات البحر المتوسط.
وتُعد لوحة "ميناء سان تروبيه" التي رسمها عام 1899، وصوَّر فيها جانبًا من ميناء بلدة سان تروبيه المزدحم بالسفن والصيادين والعمّال، من أشهر لوحات المدرسة التنقيطية وأكثرها تعبيرًا عن طبيعة هذا الاتجاه الفني.
3- بوتريه ذاتي – فان غوخ
اعتمد الفنان الهولندي فان غوخ (1853 – 1890) على الأسلوب التنقيطي في الرسم لمدة قصيرة، لكنه أنجز خلالها العديد من اللوحات التي تُعتبر اليوم من أشهر لوحات هذه الحركة الفنية الجديدة، لعل أهمها البورتريه الذاتي الذي رسمه عام 1887، واستخدم فيه مزيجًا لافتًا من الألوان التي تفيض بالمشاعر، والتي منحها أسلوب التنقيط بُعدًا فريدًا مميزًا.
4- الشاطئ في سان كلير
يُنظر إلى الرسام الفرنسي هنري إدمون كروس (1856 – 1910) بوصفه أحد أهم الرسامين الذين لعبوا دورًا مهمًا في تطوير الحركة التنقيطية خاصةً في مرحلتها الثانية. ومع أنه رسم بالأسلوب نفسه الذي اعتمده رسّامو هذا الاتجاه الفني، إلا أن لوحاته تميّزت عن لوحات غيره بكونها أقرب إلى الفسيفساء، ومنها لوحته الشهيرة "الشاطئ في سان كلير" التي رسمها عام 1896، وصوّر فيها مشهدًا طبيعيًا فاتنًا سواء لناحية جمال المشهد نفسه، أو الطريقة التي اعتمدها الرسام الفرنسي في توزيع الألوان على سطح اللوحة.
5- رجل وامرأة في الطريق
يُعتبر الرسام الفرنسي تشارلز أنغراند (1854 – 1926) أحد أشهر رسامي عصره، ومن روّاد المدرسة التنقيطية. وتُعد لوحته "رجل وامرأة في الطريق" التي رسمها عام 1887، واحدة من أهم وأشهر لوحاته لأسباب عديدة، لعل أهمها ابتعاده عن السائد بين فناني التنقيطية آنذاك، أي المزج بين ألوان كثيرة وفاقعة، حيث اكتفى ببضعة ألوان داكنة منحت الأسلوب التنقيطي بُعدًا جديدًا.
6- Le Puy in the Snow
ألبرت دوبويس (1846 – 1890) ضابط وفنان تشكيلي فرنسي كان من أوائل الرسامين الذين تبنّوا الأسلوب التنقيطي. ورغم افتقاره للتدريب الفني الاحترافي، إلا أنه قدّم العديد من الأعمال التي تُعد اليوم جزءًا من ذاكرة الحركة التنقيطية، ومنها "Le Puy in the Snow" التي رسمها عام 1889، وصوَّر فيها مشهدًا طبيعيًا شتويًا أكثر ما يلفت الانتباه فيه هو الألوان.