مع نهاية القرن الثامن عشر، شهدت أوروبا ظهور حركة فنية أدبية جديدة، اشتُهرت بكونها حركة مضادة لعصر التنوير، وردة فعل على الثورة الصناعية، الذي سعى إلى تهميش الخيال والعاطفة والمشاعر لصالح العقل الذي أراد التنويريون أن يكون أساس أي عمل أدبي أو فني، وهو ما رفضه روّاد الحركة الجديدة، التي ستُعرف باسم "الرومانسية"، الذين اعتبروا أن المشاعر والخيال هما أساس كل تجربة جمالية حقيقية.
يُعيد نقّاد ومؤرخو الفن نشأة الحركة الرومانسية إلى فرنسا، التي انطلقت منها نحو عدة دول أوروبية أخرى، خاصةً ألمانيا وإسبانيا وإنجلترا. ومع بداية القرن التاسع عشر، كانت الحركة قد تحولت إلى مدرسة فنية قائمة بذاتها، ركيزتها المشاعر والمخيلة التي اعتمد عليهما روّادها في إنجاز لوحاتهم التي اتسمت بالنزوع نحو المبالغة في تجسيد حركات الجسد، وتصوير العنف والقسوة، والميل نحو الميلودراما.
ومع أنها لم تستمر طويلًا، إلا أن روّادها قدّموا الكثير من الأعمال الفنية الفريدة والمميزة والخالدة في تاريخ الفن التشكيلي. وفيما يلي وقفة مع 6 من أهم لوحات المدرسة الرومانسية.
1- طوف الميدوزا
يُعيد البعض بداية المدرسة الرومانسية إلى تاريخ ظهور لوحة "طوف الميدوزا" للرسام الفرنسي تيودور جيريكو (1791 - 1824)، الذي رسمها بين عامي 1818 - 1819. لكن البعض الآخر يرى أن اللوحة حدّدت ملامح المدرسة، لكنها لم تبدأ معها.
ولهذه اللوحة قصة مثيرة، إذ حاولت الحكومة الفرنسية منع عرضها في أحد صالونات باريس عام 1819، ثم وافقت على عرضها ولكن بعد تغيير اسمها إلى "مشهد غرق"، ذلك أن اللوحة تعبّر في الأصل عن فضيحة سياسية هزّت الحكومة الفرنسية، وهي فضيحة غرق الفرقاطة ميدوزا قبالة شواطئ موريتانيا عام 1816، التي راح ضحيتها مئات الأشخاص.
يرسم جيريكو في لوحته هذه ما تبقى من بحّارة الفرقاطة الذين يتجاوز عددهم 150 رجلًا لم يبق منهم سوى 15 أُنقذوا بعد مرور نصف شهر على غرق الفرقاطة. ويُروى أن هؤلاء تمكنوا من البقاء على قيد الحياة بسبب أكلهم لحم رفاقهم حين كان يشارف أحدهم على الموت بسبب الجوع والعطش.
2- مسافر فوق بحر من الضباب
يُعتبر الرسام السويسري كاسبار وولف (1735 - 1783) واحدًا من روّاد المدرسة الرومانسية من جهة، وأحد أبرز رسامي المشاهد الطبيعية من جهةٍ أخرى. وما يميّز لوحاته هو الشحنة العاطفية والانفعالية التي تنطوي عليها. وقد جسّد، في جميع لوحاته، مقولته بأنه على الرسام ألا يرسم ما يراه أمامه، بل ما يراه في نفسه.
ومن بين هذه اللوحات هناك "المسافر فوق بحر من الضباب"، التي يُنظر إليها بوصفها رمزًا للحقبة الرومانسية. رسم وولف اللوحة عام 1818، وصوّر فيها شابًا يقف على قمة أحد الجبال ويتأمل ما يظهر أمامه. ورغم ما كُتب حول اللوحة لمحاولة تفسيرها، إلا أنها لا تزال لغزًا غامضًا.
3- الثالث من مايو 1808
تحظى لوحة "الثالث من مايو 1808" للرسام الإسباني فرانشيسكو غويا (1747 - 1828) بأهمية كبيرة في تاريخ الفن التشكيلي والتاريخ السياسي الإسباني كذلك، إذ تجسّد اللوحة إعدام جنود نابليون الأول لعدد من الإسبان الذين قاوموهم بعد اجتياحهم للعاصمة مدريد عام 1808.
وما يميّز اللوحة ويمنحها هذه الأهمية، إلى جانب الحدث التاريخي، هو براعة غايا في تصوير ملامح الهلع والخوف التي تعتلي وجوه الأسرى الذين يستعدون للموت، وكذلك البكاء والنحيب الذي يمكن سماع صوته لا رؤيته فقط.
4- عربة القش
"عربة القش" للفنان البريطاني جون كونستابل (1776 - 1873) واحدة من أكثر اللوحات شهرة في تاريخ الفن التشكيلي عمومًا، والفن التشكيلي البريطاني خصوصًا. صوّر كونستابل في اللوحة مشهدًا طبيعيًا في مقاطعة سافوك شرق إنجلترا، يظهر فيه حصان يجر عربة وسط نهر تُحيط به الأشجار إلى جانب بيت ريفي صغير. وقد اشتُهرت اللوحة بدقة رسم تفاصيلها، وطريقة رسم الغيوم.
5- سحب المقاتلة تيميراير إلى مثواها الأخير
يرسم الفنان الإنجليزي ويليام تيرنر (1775 - 1851) في لوحته "سحب المقاتلة تيميراير إلى مثواها الأخير"، السفينة الإنجليزية الحربية "تيميراير" التي تُعد من أشهر السفن الحربية في تاريخ البحرية البريطانية وإحدى أهم السفن التي قاتلت في معركة الطرف الأغر، وهي تُسحب فوق نهر التايمز نحو المرسى لأجل تفكيكها.
6- الموجة التاسعة
يُجمع نقّاد ومؤرخو الفن على فرادة تجربة الرسام الروسي إيفان إيفازوفسكي (1817 – 1900)، الذي يُعد واحدًا من أشهر رسامي البحار والمحيطات التي طغت على معظم لوحاته، التي صوّرها فيها بطرق عدة، ومنها لوحته الشهيرة "الموجة التاسعة" التي رسمها في عام 1850، وصوّر فيها مجموعة من البحارة المتشبثين بسارية سفينة محطمة أملًا في النجاة، وسط بحر هائج تتلاطم أمواجه التي توشك إحداها، وهي الموجة التاسعة، على غمرهم.