20-أغسطس-2024
إيلون ماسك

وضع إيلون ماسك قيودًا قليلة للغاية على منصة إكس (رويترز)

ربطت صحيفة الغارديان البريطانية بين موجة العنف التي ضربت بريطانيا مؤخرًا وما يمكن أن تشهده الولايات المتحدة الأميركية من اضطرابات على خلفية الانتخابات المزمع إجراؤها تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بين المرشح الجمهوري الشعبوي، دونالد ترامب، والمرشحة عن الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس.

وذكّرت الغارديان، في سياق تعزيز توقّعها، بالارتباط بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب عام 2016 فقد تنبّأ الحدث الأول بالثاني، معتبرةً أن ثمة مؤشرات قوية تشير إلى أننا ـ مرةً أخرى ـ أمام الأنماط نفسها والأدلة نفسها والأرقام نفسها.

واعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أنّه من "السذاجة السياسية" ألا تأخذ الولايات المتحدة الأميركية العبرة مما جرى مؤخرًا في بريطانيا من أحداث عنفٍ وشغب في الشوارع، والعنصرية المعدية التي لا يمكن احتواؤها والتي تنتشر كالنار في الهشيم عبر منصات متعددة، تساهلت في معايير الثقة والسلامة، وفسحت عبر خوارزمياتها المجال واسعًا أمام نشر الأكاذيب وتضخيمها (في إشارة أساسًا لمنصة إكس والدور المزعوم لمالكها إيلون ماسك في أحداث بريطانيا)، في وقت يقوم السياسيون والمحتالون المحترفون في وسائل الإعلام بغسلها وتبييضها.

طردت شركة تويتر التي أصبحت الآن "إكس" نصف فريق الثقة والسلامة على الأقل، كما تم تسريح آلاف من العمال الذين وظّفتهم سابقًا شركات ميتا وتيك توك وسناب وديسكورد للتعرف على المعلومات المضللة

لا تبدو أميركا المقبلة على انتخاباتٍ رئاسيةٍ في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل واعيةً بمثل هذه المخاطر، حسب الغارديان، على الرغم من أنّ أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن وتهديد حشد المتمردين لنائب الرئيس بحبل المشنقة عام 2020، والأحداث العنصرية التي اجتاحت المملكة المتحدة في الأسابيع الماضية ـ قبل 3 أشهر من الانتخابات الأميركية مع احتمال طعن الملياردير والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في النتائج واعتراضه على مستوى الديمقراطية المبالغ فيه، حسب اعتقاده والعودة الدرامية له إلى تويتر من جديد ـ هي أمورٌ مترابطة، تشير إلى الأدوار التي تلعبها منصات التواصل الاجتماعي في الشحن والتضليل والعنف.

احتواء نقاط الضعف

بحسب الكاتبة البريطانية، كارول كادوالادر، فإن منصات التواصل الاجتماعي في عام 2020 اهتمت بأحداث اقتحام مبنى الكابيتول ورفْض ترامب الاعتراف بنتائج الانتخابات وما انجرّ عنها، حيث وظّف موقع تويتر أكثر من 4 آلاف شخص في "الثقة والأمان" كُلّفوا بإزالة المحتوى الخطير من المنصة واكتشاف عمليات النفوذ الأجنبي، كما حاول موقع فيسبوك تجاهل الضغوط العامة لكنه حظر في نهاية المطاف الإعلانات السياسية التي تسعى إلى "نزع الشرعية عن التصويت".

ومن جهة أخرى، عمل عشرات الأكاديميين والباحثين في وحدات "نزاهة الانتخابات" على تحديد المعلومات المضللة الخطيرة والإبلاغ عنها. ورغم ذلك ظلت شرائح واسعة من السكان الأميركيين مقتنعة بأن التصويت قد سُرِق، وأن حشدًا عنيفا كاد أن ينجح في تنفيذ انقلاب، وها نحن اليوم، حسب مقال الغارديان، في مكانٍ مختلف تمامًا وأسوأ بكثير.

وكما كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تنبأ بانتخاب دونالد ترامب عام 2016، فهناك علاماتٌ تشير إلى أننا مرةً أخرى أمام الأنماط نفسها والأدلة نفسها والأرقام نفسها، لكن مع مجموعة كاملة جديدة من نقاط الضعف التكنولوجية الخطيرة وغير الخاضعة للرقابة والتي يمكن استغلالها.

صحيح أن الشوارع الآن هادئة وأن العنف تم سحقه، ولكن هذا في بريطانيا حيث العنف السياسي يعني شخصًا يحمل حجرًا أو يلقي بكرسي، أما في الولايات المتحدة، حسب الغارديان، فالعنف يعني أسلحةً أوتوماتيكية ومليشيات فعلية. وبغض النظر عن مدى نجاح هاريس في استطلاعات الرأي، تواجه أميركا لحظة خطيرة فريدة، أيًّا كان الفائز في الانتخابات.

إيلون ماسك وسياسة ترك الحبل على الجرار

في بريطانيا، شهدنا هذا الصيف، حسب مقال الصحيفة البريطانية، شيئًا جديدًا وغير مسبوق: رأينا مليارديرًا مالكًا لمنصة تقنية يواجه زعيمًا منتخبًا علنًا ويستخدم منصته لتقويض سلطته والتحريض على العنف، ومن ثم كانت أعمال الشغب في صيف 2024 في بريطانيا بمنزلة بالون اختبار نفذه إيلون ماسك.

وتساءلت كارول كادوالادر: كيف سيبدو الأمر إذا اختار ماسك "التنبؤ" بحربٍ أهلية في الولايات المتحدة، واختار الطعن في نتيجة الانتخابات وقرر أن الديمقراطية مبالغٌ في تقديرها؟

وعلّقت كادوالادر بأنه بعد عام 2016، كانت هناك محاولة لفهم استخدام المنصات التقنية لنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، لكن الجهود التي استمرت سنواتٍ من قبل عملاء الحزب الجمهوري لتسييس موضوع "المعلومات المضللة" فازت بالكامل.

والآن انطلقت لجنة في الكونغرس برئاسة الجمهوري، جيم جوردان، مقتنعةً بأن شركات التكنولوجيا الكبرى تعمل على إسكات الأصوات المحافظة، واستدعت تاريخ البريد الإلكتروني لعشرات الأكاديميين وأوقفت مجالًا كاملًا من الأبحاث، وبالفعل انهارت أقسام جامعية بأكملها، ومنها مرصد الإنترنت في جامعة ستانفورد الذي قدمت "وحدة نزاهة الانتخابات" فيه الكشف السريع والتحليل في عام 2020.

وحتى مكتب التحقيقات الفيدرالي مُنع من التواصل مع شركات التكنولوجيا بشأن ما حذر المسؤولون من أنه هجوم قادم من التضليل الأجنبي وعمليات التأثير. وكل هذا وفر الغطاء المثالي لتراجع المنصات، فقد طردت شركة "إكس" نصف فريق الثقة والسلامة على الأقل، كما تم تسريح آلاف من العمال الذين وظفتهم سابقًا شركات ميتا وتيك توك وسناب وديسكورد للتعرف على المعلومات المضللة.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أوقفت شركة فيسبوك إحدى أدوات الشفافية المتبقية الأخيرة، وهي أداة كانت حاسمة في فهم ما كان يحدث عبر الإنترنت خلال الأيام "المظلمة" قبل تنصيب بايدن عام 2020 وبعده، وذلك رغم توسلات الباحثين والأكاديميين.

ومع أن هذه الجهود بدت في عام 2020 بائسةً وتافهة وغير كافية بسبب حجم التهديد، فإنها الآن اختفت مع أن الأدوات أصبحت أكثر خطورة، لكن ما فعله "اللورد الجديد" إيلون ماسك هو تمزيق القناع بحيث أظهر أنه ليس عليك حتى التظاهر بالاهتمام، فالثقة في عالمه هي عدم الثقة والسلامة هي الرقابة، وهدفه هو الفوضى، وهي قادمة، بحسب الكاتبة كارول كادوالادر.