ثمة شبه إجماعٍ على أنّ الرد الإسرائيلي على إيران جاء دون المتوقّع، وذلك على الرغم من أنه لم يكن "هجومًا نظيفًا" إذ أعلنت إيران عن مقتل أربعة من جنودها على الأقل، ومع ذلك، كان لافتًا "تباهي" بعض الأوساط الإيرانية بمحدودية الرد الإسرائيلي، على اعتبار أنّ محدودية الرد مؤشرٌ على عودة الردع الإيراني، وأن إسرائيل تحسب ألف حساب قبل القيام بأي هجوم نوعي ضدّ إيران.
لم تكن تلك المفارقة الوحيدة، فقد سلّطت المعارضة الإسرائيلية الضوء على "ضعف الرد الإسرائيلي" أيضًا، معتبرةً أنه لا تفسير لذلك سوى "عودة الارتعاش" إلى أصابع صانعي القرار في تل أبيب، وعلى رأسهم نتنياهو.
ولعلّ هذه هي المرة الأولى التي تتفق فيها "الرواية الإسرائيلية" و"الرواية الإيرانية" على أمر يتعلق بصراعهما، فعلى الرغم من أنّ "الجيش الإسرائيلي" وحكومة نتنياهو اعتبروا أنّ الهجوم حقق أهدافه بدقة، وأرسل رسائل إسرائيل القوية إلى طهران، إلّا أنّ ما كشفته وسائل إعلام إسرائيلية وأخرى غربية، بينها "أكسيوس"، أنّ رؤوس الصواريخ التي أصابت الأهداف في إيران صمّمت لإلحاق أقل الأضرار، يدلّ على وجود توجه إسرائيلي رسمي بتنفيذ هجومٍ محدود القوة بل ضعيف، وذلك بالتنسيق على ما يبدو مع الطرف الأميركي.
تتّجه إيران إلى عدم الرد من منطلق أنها حققت الردع المطلوب في صراعها مع إسرائيل نظرًا لمحدودية تأثير الرد الإسرائيلي الذي جاء محسوبًا على ما يبدو
بناءً على ذلك، يُصبح سيناريو عدم التصعيد بين إسرائيل وإيران هو المرجّح، فتصريحات المسؤولين الإيرانيين، بما فيها تلك الصادرة عن الرئاسة الإيرانية والخارجية الإيرانية، اتجهت إلى عدم التهويل من أمر الرد الإسرائيلي، وعلا فيها صوت السياسي على صوت العسكري المتحدّي، فبزشكيان تحدث عن الرد على كل "حماقة بذكاء وحكمة"، وهيئة الأركان الإيرانية أكدت أنّ "الصواريخ التي استخدمت في الهجوم الإسرائيلي كانت برؤوس حربية ضعيفة الانفجار، واستهدفت منظومات رادار حدودية تضرر بعضها فقط، بسبب نجاح الدفاعات الجوية في التصدي لعدد كبير من الصواريخ"، كما أكدت "عدم دخول مقاتلات إسرائيلية للأجواء الإيرانية"، وبشأن الرد المحتمل من طهران قالت "إنها تحتفظ بحق الرد" وتؤكد ضرورة "وقف إطلاق النار في غزة ولبنان".
وتدلّ مثل هذه المواقف على أنّ إيران تفضّل التهدئة، وتتجه إلى دعم المفاوضات المستأنفة حول غزة، وتلك القائمة بشكل غير مباشر مع حزب الله في لبنان، خاصةً أنّ جيش الاحتلال تحدث عن "تحقيق أهدافه" من العدوان على لبنان، فيما تحدث نتنياهو عن بداية نهاية الحرب في غزة.
في المقابل يرى محللون آخرون ـ في إسرائيل خاصة ـ أنّ إيران قد ترد بشكل غير متوقع، فإيران حسب النائب السابق لشعبة المخابرات والمهام الخاصة في الموساد إيشل أرموني، "هي الند الرئيسي لإسرائيل"، ولذلك ستذهب "تل أبيب إلى سنوات من الحرب معها".
وفي السياق ذاته، رجح قائد الدفاعات الجوية بالجيش الإسرائيلي سابقًا تسفيكا حاييموفيتش أن يكون الرد الإيراني على هجوم إسرائيل "مختلفًا في الأسلوب والتوقيت"، خاصةً أنّ "هجوم إيران على إسرائيل في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري كان مختلفًا وبشكل جوهري عن هجوم 14 نيسان/إبريل الماضي".
يشار إلى أنّ إيران أطلقت حوالي 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، بعدما تلكّأت كثيرًا في الرد، وتوقع الكثيرون أنّها تراجعت عن الرد أو تخطط لردٍّ محدود، على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران.
ويتوقع حاييموفيتش أن الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي سيكون "خلال وقتٍ قريب جدًا"، مؤكدًا أنّ "الإيرانيين في سلاح الجو والدفاعات الجوية مستعدون لمثل هذا السيناريو".
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، نقلت عن 4 مسؤولين إيرانيين، قولهم "إن رد طهران ومستوى قوته يعتمد على ما ستقوم به إسرائيل، إذ قد تُطلق ما يصل إلى ألف صاروخ باليستي على إسرائيل في حال استهدفت منشآتها النفطية والنووية".
لكن ما دام الرد الإسرائيلي جاء محدودًا، فقد يكون من المبالغة وربما المجازفة، أن تُصعّد إيران في أيّ ردٍّ ضد أهداف في إسرائيل.