اعتاد اللبنانيون في شهر رمضان المبارك، أن يخصصوا وقتًا طويلًا من ساعات النهار وفي فترة ما بعد الإفطار، لمشاهدة الأعمال والمسلسلات التلفزيونية، التي تعرضها محطات التلفزة اللبنانية بشكل أساسي، بالإضافة إلى المحطات والشبكات الفضائية العربية.
تراجع الحماس في قنوات لبنان نحو الأعمال الرمضانية، لأسباب جلّها اقتصادي وسياسي
تنقسم ذائقة المشاهدين بين من يحب المسلسلات السورية سواء المعاصرة أو تلك التي تدور أحداثها في حارات الشام في النصف الأول من القرن الماضي، وبين من يفضل الأعمال المصرية، بالإضافة إلى الإنتاجات الفنية اللبنانية حديثة العهد في هذا المجال، حيث أصبح هناك نجوم رمضانيون في لبنان إذا صح التعبير، كنادين نجيم، كارين رزق الله، ماغي بو غصن وآخرين، في وقت ازدهرت في السنوات الماضية الأعمال المشتركة، حيث يتقاسم البطولة ممثلون من لبنان وسوريا، وأحيانًا من مصر والأردن، بالأخص بعد الثورة السورية وهجرة الممثلين والمخرجين السوريين إلى دول الجوار.
الوضع المعيشي المتردي يرخي بظلاله
الوضع في لبنان يبدو مختلفًا هذا العام، بسبب عوامل عديدة ومتشابكة، حيث يمكن ملاحظة تراجع الحماسة للأعمال الرمضانية، قلة الإنتاجات الجديدة، وضعف الدعاية والترويج بسبب العوامل نفسها. العامل الأهم في هذا المجال هو مالي واقتصادي، فلبنان يعيش أزمة معيشية خانقة وغير مسبوقة، تتأثر معها شركات الإنتاج بطبيعة الحال، ما يؤدي إلى التراجع في مجال صناعة الدراما.
العامل الثاني المؤثر الآخر، هو تزامن شهر رمضان الذي يبدأ بعد أسبوع تقريبًا، مع فترة الإعداد للانتخابات النيابية التي ستجري منتصف شهر أيار\مايو القادم، والتي تشكل مصدر دخل للمحطات التلفزيونية والمعلنين، فيمكن مثلًا ملاحظة غياب اللوحات الإعلانية في الشوارع والأوتوستردات، التي تروّج للمسلسلات الرمضانية، وتحلّ مكانها صور المرشحين للانتخابات المقبلة.
محطات التلفزة في لبنان اعتادت تعديل برامجها خلال شهر رمضان، وتعليق كافة البرامج الحوارية والسياسية، وتخصيص كامل ساعات البث للمسلسلات والبرامج المرتبطة بشهر رمضان، كبرامج الطبخ والمسابقات والألعاب، لكن الأمر اختلف بشكل واضح هذا العام، حيث ستبقي المحطات على برامجها السياسية، والتي من شأنها أن تؤمن لها مردودًا ماليًا كبيرًا، من خلال الإعلانات ونسب المشاهدة العالية، أو من خلال الحصول على الأموال من المرشحين لقاء إعطائهم الهواء للترويج لحملاتهم الانتخابية.
يتزامن شهر رمضان في لبنان مع الانتخابات النيابية، المحطات ستتجه للترويج لبعض المرشّحين بدلًا من عرض المسلسلات
على سبيل المثال، ستكتفي قناة MTV بعرض مسلسلين فقط، هما " للموت " و"التقينا"، فيما يستمر عرض برامج التوك شو السياسية وفي مقدمتها " صار الوقت " تقديم الإعلامي مارسيل غانم. الأمر نفسه ينسحب على قناة LBC التي ستكتفي هي الأخرى بمسلسلين، في مقابل إطلاق برامج سياسية جديدة، مثلها مثل قناة الجديد، فيما تبقى OTV التابعة للتيار الوطني الحر خارج السباق الرمضاني، وتخصّص الهواء للترويج للحملة الانتخابية للتيار الذي يرأسه جبران باسيل، شانها شأن المحطات التابعة لجهات سياسية كالمنار وNBN.
ربيع فران: الإنتاج التلفزيوني الرمضاني يتأثر سلبًا بالمنصات
للإضاءة أكثر على واقع الأعمال الفنية التلفزيونية في لبنان خلال شهر رمضان القادم، كان لألترا صوت لقاء مع الصحفي الفني المعروف ربيع فران، الذي رأى أن صناعة الدراما في لبنان تراجعت في السنتين الأخيرتين بفعل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها لبنان، إضافة إلى تفشي جائحة كورونا، في المقابل فإن الدراما المشتركة التي ظهرت قبل عشر سنوات تقريبًا لم تتأثر كثيرًا، بفضل التمويل الخليجي عبر المنصات العملاقة مثل "شاهد".
كما أشار فران إلى أن الممثل اللبناني تأثر بسبب تدني الأجر في الأعمال المحلية، حيث يتقاضى بدل أتعابه بالليرة اللبنانية التي تشهد انهيارًا في قيمتها، وبالحديث عن نوعية الأعمال، يعتبر فران أنها تغيب عن الأعمال المشتركة، التي تعوّل على الترويج والقصة التجارية على حساب النوعية، فتغرق في الكليشيهات كقصص الحب والخيانة وما إلى ذلك. يستثني فران بعض الأعمال التي أبدى إعجابه بها، مثل " قيد مجهول" و " لا حكم عليه " مشيدًا بالمجهود الكبير الذي بذله المخرج فيليب أسمر.
ربيع فران: بعض المنتجين باتوا يفضّلون المنصّات الضخمة على عرض مسلسلاتهم تلفزيونيًا في رمضان
تحدث فران عن هجرة شركات الإنتاج إلى المنصات العملاقة، الأمر الذي تسبّب ويتسبب بمشاكل للدراما التلفزيونية الرمضانية، وضرب مثالًا على ذلك شركة الصباح للإنتاج، التي قامت بتأجيل اثنين من أهم أعمالها لما بعد رمضان هي "من إلى " و "بيروت 303 "، ما يشير إلى أن المنتجين باتوا يفضلون المنصات على حساب عرض مسلسلاتهم تلفزيونيًا خلال شهر رمضان.
وعن الأعمال التي يتوقّع لها فران النجاح، وضع " للموت " بجزئه الثاني في المقدمة، بالرغم من انتقاداته للجزء الأول من المسلسل والتي تحدّث عنها في مقالاته، بسبب قلة المنافسة هذا العام، بالإضافة إلى ظهور عوامل جديدة في الجزء الثاني من شأنها أن ترفع من أسهمه، كذلك توقع فران نجاح مسلسل " الظل " بطولة جمال سليمان الذي ستشكل عودته إلى الدراما المشتركة صدمة إيجابية.