قد يستغرب البعض عندما يشاهد على شاشات التلفاز أو عبر الإنترنت، بين الحين والآخر، مشاهد لمقاتلين يمنيين من أطراف مختلفة، يؤدون بعفوية وانتشاء، رقصات على إيقاع الطبول والزوامل والشيلات، رغم أزيز الرصاص ودوي المدافع.
الرقص مشهد متكرر في القرى والمدن اليمنية، في مختلف المناسبات وحتى من غير مناسبة، فالرقص شغف اليمنيين في الحرب كما في السلم
إنه مشهد متكرر في القرى والمدن، في الأعراس وحفلات التخرج، وغير ذلك من المناسبات، وربما في غير مناسبة، من باب الترويح عن النفس، ففي الحرب أو السلم، الرقص لليمنيين شغف له تاريخ.
اقرأ/ي أيضًا: البرع.. رقصة الحرب اليمانية
رقصات الحرب
وهم يحملون في أيديهم "الجنابي" أي الخناجر العربية، يصطف الأطفال أو الرجال لتأدية رقصة "البرع"، خاصة في المناطق الشمالية. وتعبر هذه الرقصة عن القوة والحماسة، إذ تؤدى باستخدام السلاح الأبيض.
والبرع باللهجة الصنعانية، هو العدو الواثب، أو الشخص الذي يستعد للنزال. ورقصة البرع شبيهة بالمبارزات القتالية، وتتضمن كرًا وفرًا في المكان.
تبدأ رقصة البْرع بقرع العازف آلة شعبية تعرف بالطاسة ، وهي إناء نحاسي مغطى بالجلد يصدر نغمات رنانة وقوية، ويساعده شخص آخر بعزف آلة شعبية أخرى تُسمى بـالمرفع.
تحدث "الترا صوت" إلى ملاطف الحميدي، أحد أشهر عازفي رقصة البرع في اليمن، ليقول إن الناس زاد إقبالهم على الرقص خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ويتنافس أبناء القبائل على إتقان الرقصة التي تتعدد طرقها باختلاف المناطق والقبائل، معددًا منها: المطرية والحيمية والهمدانية والحارثية والبيضانية والخولانية.
وفي محافظة حضرموت، شرق اليمن، يستخدمُ الراقصون العصا والترس أثناء تأديتهم لرقصات العدّة والشبواني والزربادي، ففي رقصة العدّة مثلًا تقرع الدفوف ويصطف المشاركون بروح حماسية، في صفين متقابلين، ثم يرددون لحنًا شعبيًا هو "وولا كب وولا كب"، وبعد ذلك، يظهر شاعر في الوسط يلقي بيتين من الشعر، كل بيت يردده أحد الصفين.
أما في مناطق الساحل الغربي فيستخدم الراقصون السيف في تأدية رقصات الحقفة والفرساني والحمرة والشنب والتسييف والمباينة. وفي منطقتي عمران وصعدة، يؤدي يهود اليمن رقصات شبيهة بالبْرع، منها "الشوبعة" و"شيرا".
رقصات المناسبات
وللمناسبات رقصاتها، باختلاف المناسبات تعددة الرقصات، فلدى الفلاحون رقصة الرزحة في أوقات الحصاد. وتؤدى هذه الرقصة بدق الطبول بعد اصطفاف الراقصين في صفين متقابلين كل صف على شكل هلال. ترفع القدم اليمنى وتدق بالأرض، ويقترب الصفان من بعضهما البعض، ثم يعودان إلى موقعهما بنفس الحركة، على نفس الإيقاع.
وعند المقامات والأضرحة، خاصة في مدينة لحج جنوب اليمن، تشتهر رقصة الركلة، إذ يجتمع الراقصون في صفين متقابلين، على إيقاع الطبل وأنغام الناي، وأشعار الشعراء التي يرددها الحاضرون. وتشبه هذه الرقصة، رقصة الدمندم في تعز وإب.
وفي الأعراس تتعدد الرقصات بحسب التوقيت الزماني، ففي ساعات الفجر تؤدى رقصة الحناء ونجيم الصباح، في مناطق عدن ولحج وأبين وشبوه الجنوبية،حيث يجتمع الراقصون متماسكي الأيدي، ويقابلهم أو يتوسطهم شخص يحمل في يدية مبخرة. يتمايل الجميع على أنغام الأغاني اللحجية والعدنية، ويردد الراقصون عبارة "واعالم حنا.. واعالم حنا" حتى شروق الشمس.
وفي ساعات ما بعد الظهيرة تمارس الرقصة الصنعانية المسماه بـالسعاني في كل من صنعاء وذمار وحجه وعمران. وفيها يجتمع رجلين أو أكثر، ويؤدون حركات بالأقدام على إيقاعات آلة العود الموسيقية ولون الغناء الصنعاني.
أما في مناطق الجنوب، فتؤدى في الأعراس رقصة الشرح ذات الإيقاع السريع الفرائحي، وذلك خلال ساعات منتصف اليوم والمساء.
رقصات مشتركة
لا يقتصر الرقص في اليمن على الرجال فقط، فهناك رخصات خاصة للنساء، وأخرى تجمع الرجال والنساء. وفي بعض مناطق حضرموت، تؤدى رقصة الشرمية التي يجتمع فيها الرجال والنساء بخطوات سريعة، على إيقاع الطبول. وتشببها رقصة الزفين.
ومثلما يؤدي اليمنيون رقصات تراثية خاصة بهويتهم، برزت رقصات يشترك في تأديتها مواطنون من دول خليجية وأخرى أفريقية. يرصد نزار غانم في كتاب "الرقصات الأفرو-يمنية"، عددًا كبير من الرقصات اليمنية ذات الطابع والأسلوب الأفريقي، مثل: رقصة الليو، والبامبيلا، والتي يعتقد أنها قدمت إلى الشحر والمكلا في ثلاثينات القرن الماضي مع البحارة الأفارقة.
وهناك أيضًا رقصات السواحيلي وشرح العبيد والدحيفة والدربوكة، ورقصات أخرى يشترك فيها اليمنيون مع دول خليجية، مثل رقصة الحجور والميدان.
ووفقًا لعلي المحمدي، مدير عام الفنون الشعبية بوزارة الثقافة اليمنية، في حديث لـ"الترا صوت"، فإن عددًا من الرقصات المؤداه عربيًا، وخاصة في دول الخليج، تعود أصولها لليمن.
ويلفت المحمدي إلى مشكلة عدم التوثيق، قائلًا: "مشكلة اليمنيين هو عدم وجود توثيق لتراثهم"، مفسرًا: "لأن الحروب والنزاعات وحالة عدم الاستقرار، هي السمة الغالبة على البلاد".
العديد من الرقصات المؤداه خليجيًا، يعود أصلها لليمن، غير أن المشكلة اليمنية هي عدم وجود توثيق للتراث الفني
نفسها الحرب، كانت سببًا في توقف نشاط الفرقة الوطنية للرقض بشكل كامل، وهي الفرقة الرسمية التي تمثل التراث اليمني في محافل تُلقى عليها الأضواء.
اقرأ/ي أيضًا:
الفنانون في جنوب اليمن.. حرمان من الفن ومن الحياة
بعد 700 عام على التواشيح الدينية في اليمن.. إنشاد على إيقاع الحرب