تجددت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أماكن متفرقةٍ من السودان، بينها جنوب العاصمة الخرطوم، والفاشر عاصمة إقليم دارفور، ومدينة الفولة حاضرة ولاية غرب كردفان.
وتتزامن هذه المواجهات الدامية مع عقد جلستين في الأمم المتحدة حول الأوضاع في السودان، كانت الأولى على مستوى مجلس الأمن وتخللتها ملاسناتٌ بين مندوب السودان ومندوب الإمارات، حيث اتهم المندوب السوداني الإمارات بتزويد الدعم السريع بالأسلحة والعتاد عبر مطارات أم جرس ومخازن اللواء (106) في ليبيا، ضمن نطاق سيطرة اللواء خليفة حفتر، داعيًا حكّام أبوظبي إلى رفع اليد عن السودان.
أما الجلسة الثانية فكانت على مستوى مجلس حقوق الإنسان بالشراكة مع مجلس التعاون الخليجي، ودعت فيها دولٌ عربيةٌ وأطرافٌ دوليةٌ إلى وقف الحرب المستمرة منذ أكثر من عامٍ والعودة إلى طاولة الحوار.
وفي آخر التطورات الميدانية للحرب أكدت مصادر سودانية، نقلًا عن أطباء بلا حدود، مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 27 شخصًا في قصفٍ مدفعي استهدف مستشفى النو في أم درمان.
وتقصف قوات الدعم السريع، المتمركزة في مدينة بحري، مناطق أم درمان التي يسيطر عليها الجيش السوداني بشكلٍ متكرر. ما أسفر في الشهر الماضي عن مقتل أكثر من 50 من المدنيين.
أكملت الحرب في السودان عامًا كاملًا دون تمكن أي طرف من الحسم، ما فاقم التكلفة الإنسانية، حيث قتل الآلاف وتهجير أكثر من 9 ملايين شخص
وفي جنوب الخرطوم اندلعت مواجهات قتاليةٍ وصفت بالضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وبحسب مصادر محلية استخدمت أسلحةٌ ثقيلةٌ في عمليات القصف في محيط سلاح المدرعات جنوبي العاصمة الخرطوم.
وذكر بيانٌ للجيش السوداني أنّ "قوات العمل الخاص بمنطقة الشجرة العسكرية كبّدت مليشيا الدعم السريع خسائر كبيرةً في الأرواح جنوبي الخرطوم".
وأضاف بيان الجيش أن قوات العمل الخاص "استولت على عتادٍ عسكريٍ من قوات الدعم السريع".
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مدينة الفاشر عرفت هي الأخرى تصاعدًا في حدة العمليات، وفقًا لما بيّنه تحليلٌ لصور أقمار صناعية ومقاطع فيديو حصلت عليها الصحيفة الأميركية.
يشار إلى أنّ مختبر ييل للأبحاث الإنسانية قال إن أكثر من 40 قريةً قرب الفاشر أحرقت منذ نيسان/إبريل الماضي، وأكد تقرير المختبر أن بعض تلك القرى دمر عمدًا، كما تم تدمير أكثر من 20 ألف مبنى منذ سيطرة قوات الدعم السريع على الأحياء الشرقية لمدينة الفاشر.
على الطرف الآخر، اتهمت قوات الدعم السريع، في بيانٍ، نشرته على منصة إكس ما سمته "مليشيا البرهان الإرهابية وكتائب الحركة الإسلامية المتطرفة بتصفية 50 مواطنًا على أساسٍ عنصريٍ في القرية 32 في محافظة أم القرى بولاية الجزيرة وسط السودان".
أقرأ/ي أيضًا: اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بالفولة
أقرأ/ي أيضًا: مداخلات ساخنة من مندوب السودان بالأمم المتحدة تجدد الاتهامات ضد الإمارات
وقالت قوات الدعم السريع إنّها تشجب ما وصفتها "الجريمة العنصرية التي تم ارتكابها على أساسٍ عرقيٍ حيث ينحدر معظم الضحايا من مناطق بعينها في السودان".
وأردف بيان الدعم السريع أنّ ما حدث "يكشف بجلاء مخطط إشعال الفتنة ودفع البلاد للحرب الأهلية".
يشار إلى أنّ الجيش لم يصدر بعد ردًّا على البيان الاتهامي الصادر عن قوات الدعم السريع.
وكانت الأمم المتحدة قد أدرجت كلًا من الدعم السريع والجيش السوداني في قائمتها السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال. وتقوم بعثةٌ أممية بالتحقيق في جرائم الحرب في السودان، بما فيها القتل على أساسٍ عرقي والاستعباد الجنسي الذي يشمل حالات الاغتصاب الجماعي والزواج القسري.
وفي هذا الصدد نقلت وكالة الصحافة الفرنسي عن رئيس البعثة الأممية محمد شاندي، قوله إن البعثة تلقت "تقارير ذات صدقيةٍ عن العديد من حالات العنف الجنسي التي ترتكبها الفصائل المتحاربة".
وأكّد محمد شاندي في تصريحه أن "نساءً وفتياتٍ تعرضن، وما زلن، لعمليات اغتصابٍ واغتصابٍ جماعيٍ ولخطفٍ وزواجٍ قسريٍ". لافتًا النظر إلى أن فريقه الأممي يتحقق من "تقارير عن استعبادٍ جنسيٍ وتعذيبٍ جنسيٍ في مراكز احتجازٍ، بما في ذلك لرجال وفتيان".
وأعرب رئيس البعثة الأممية عن "قلقٍ بالغٍ إزاء استمرار القتال مع عواقب مأساويةٍ ومعاناةٍ هائلةٍ للسكان المدنيين".
مجازر ضدّ المدنيين
دقت البعثة الأممية في السودان ناقوس الخطر من ارتكاب قوات الدعم السريع مجزرةً داميةً في مدينة الفاشر، التي تشهد قتالًا عنيفًا وتحاصرها قوات الدعم السريع، مع العلم أن مدينة الفاشر هي الوحيدة في إقليم دارفور الخارجة عن سيطرة ميليشيا الدعم.
الفريق الأممي يحقق حاليًا في هجمات واسعة النطاق ضد مدنيين في مناطق مختلفة من دارفور وولاية الجزيرة وسط السودان، الانتهاكات تشمل القتل والاغتصاب، وأشكال أخرى من العنف الجنسي والتعذيب والنهب
ويحقق الفريق الأممي حاليًا في "هجماتٍ سابقةٍ واسعة النطاق ضد مدنيين على أساس انتمائهم العرقي في مناطق أخرى من دارفور ومن ولاية الجزيرة وسط السودان"، حسب رئيس البعثة محمد شاندي، وتشمل الانتهاكات المرتكبة في تلك المناطق: "القتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والتشريد القسري والنهب".
يذكر أنّ عشرات الآلاف من القتلى سقطوا منذ اندلاع عمليات القتال بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، كما أسفر النزاع عن تهجير أكثر من تسعة ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.
وبعد 6 أشهرٍ من اندلاع الحرب، أنشأ مجلس الأمن بعثة تقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكاتٍ يشتبه بارتكابها.
وبدأت لجنة التحقيق عملها كانون الأول/ديسمبر 2023، وأجرت حتى الآن نحو 80 مقابلةً مع ضحايا وشهود على انتهاكات.
دعوات لوقف الحرب
تواصلت الدعوات العربية والدولية لإنهاء الحرب، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المستمرة منذ أكثر من عام.
وفي هذا السياق طالبت الدول المجتمعة في مجلس حقوق الانسان أمس الأربعاء بعودة الفرقاء السودانيين إلى الحوار ووقف إطلاق النار.
حيث عبر المندوب السعودي الدائم في الأمم المتحدة عبد المحسن خثيلة عن "قلق المملكة حيال استمرار العمليات العسكرية في السودان، والمعاناة الناجمة عنها"، وجدد المندوب السعودي الدعوة إلى "ضرورة العودة للحوار تمهيدًا للتوصل إلي حل سياسي يجنب الأشقاء ويلات الحروب".
كما أكدت جوهرة السويدي، نائب المندوب الدائم لقطر في جنيف، نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي الذي ترأسه حاليًا الدوحة، "على أهمية الانخراط الجاد والفعال من قوات الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع مع مبادرات تسوية الأزمة".
بدوره ناشد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس طرفي الصراع بضرورة "وقف إطلاق النار في السودان".
ودعا غيبريسوس إلى "اتخاذ إجراءاتٍ عاجلةٍ لاحتواء الكارثة الإنسانية التي تتكشف في السودان".