عاد الشارع السوداني مرة أخرى للمواكب الجماهيرية الهادرة، في تحدٍ لآلة القمع العسكرية، فيما بدا تراكم الغضب الشعبي، يعبر عن نفسه بقوة هائلة، من خلال السلمية، شاهرًا مطالب الثورة المتمثلة في الحكم المدني والقصاص للشهداء، حيث شهدت البلاد اليوم خروج الملايين من السودانيين في أنحاء متفرقة، بدءًا من العاصمة الخرطوم، التي تحولت إلى منصة تغلي بالهتافات، ومشاهد الالتحام بين الرجال والنساء والأطفال أيضًا، تأكيدًا على تلاحم الإرادة الشعبية، وسدت الطرقات بالأمواج البشرية، حتى وقت متأخر من مساء الأحد.
بدا تراكم الغضب الشعبي في السودان، يعبر عن نفسه بقوة هائلة، من خلال السلمية، شاهرًا مطالب الثورة المتمثلة في الحكم المدني والقصاص للشهداء
اقرأ/ي أيضًا: 30 يونيو.. اندفاع موجة ثانية للثورة السودانية
منذ الصباح الباكر بدأ المتظاهرون يتجمعون أمام منازل الشهداء في كل من ضاحية الصحافة وبحري، وبري، وأم درمان وبقية مدن الولاية، دون أن تثنيهم حالة التحفز الأمني، والانتشار الكثيف لقوات الشرطة والأمن والدعم السريع، الذين أغلقوا كافة الجسور المؤدية للخرطوم ومداخل وزارة الدفاع، مقر الاعتصام السابق.
الخرطوم تغلي
خرجت تظاهرة تقدر بالآلاف في مدينة بورتسودان الشرقية، وولاية الجزيرة، ومدينة عطبرة، التي شهدت سقوط قتيل بالرصاص، وفقًا للجنة الأطباء المركزية، كان أول شهداء موكب الثلاثين من حزيران/يونيو، فيما تراجعت الحركة المرورية بشكل لافت، وأغلقت المحال التجارية وسط العاصمة الخرطوم أبوابها، وتوقفت سيارات النقل العام منتصف النهار، بينما توشحت سيارات قوات الدعم السريع بعلم السودان، ربما لتميز بعضها البعض.
بعد التعرض لمواكب ضاحية الصحافة وأركويت، بالهروات والغاز المسيل للدموع، انتقلت الحشود إلى وسط الخرطوم، تحديدًا شارع المطار، والذي شهد أكبر تظاهرة منذ السادس من نيسان/أبريل الماضي، وتدفق الناس من كل حدب وصوب يهتفون بشعارات الثورة الرافضة للحكم العسكري، والمطالبة بالمدنية، رافعين صور الشهداء، كما قامت السلطات بإغلاق شارع النيل، وكبري النيل الأبيض الذي يربط بين الخرطوم ومدينة أم درمان، وكبري الحديد الذي يربط مدينة بحري شمال الخرطوم، فيما احتلت الجموع كذلك ميدان الشهداء وشارع الأربعين بالعاصمة القديمة.
إلى القصر الرئاسي
من جهته دعى تجمع المهنيين السودانيين من وصفهم بالجماهير الثائرة في العاصمة التوجه إلى القصر الرئاسي وسط الخرطوم، ومن مدن وقرى السودان الاتجاه بالمواكب صوب الساحات التي تحددها لجان الميدان، وذلك من أجل المطالبة بالقصاص للشهداء، وتسليم السلطة فورًا للمدنيين دون شرط أو تسويف، على وصف البيان. وأهاب التجمع بجميع المحلات التجارية والشركات في الخرطوم، تزويد المتظاهرين في مناطق شرق النيل وشارع المطار بالمياه في أسرع وقت ممكن، كما ناشد كل الخيرين وأهالي المناطق التي تمر بها المواكب في الخرطوم والأقاليم بتوفير مياه الشرب للثائرات والثوار البواسل، وذلك بسبب سخونة الأجواء، وارتفاع درجات الحرارة في العاصمة السودانية الخرطوم.
وعد البرهان
سبقت هذا اليوم أيضًا تحركات من قبل قادة المجلس العسكري بالعديد من الحشوط في أطراف العاصمة الخرطوم، وخاطب رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان يوم السبت حشدًا من أهالي مدينة أم درمان قائلًا: "نعدكم بأننا مع الإخوة في قوى الحرية والتغيير والأحزاب السياسية الثانية سنصل لاتفاق سريع يحقق طموحاتكم". وأضاف أن السودانيبن "قد تعبوا من الكلام والوعود الكاذبة ونحن معهم وإلى جانبهم". ولفت إلى أن السلطة يجب أن تعود إلى الشعب عبر حكومة منتخبة ليقرر مستقبله بيده، قائلًا: "لا مزيد من الإقصاء في السودان ونحن واقفون مع الشعب الذي خاض الثورة". وهي الوعود التي لا تلاقي أي ثقة من قبل المطالبين بدولة مدنية.
تهدئة الشارع ولكن
من جانبها، دعت اللجنة السياسية بالمجلس العسكري قوى إعلان الحرية والتغيير لتهدئة الشارع وبدء التفاوض، وأبلغ المبعوث الإثيوبي مفاوضًا من قوى التغيير بذلك، حسب ما أشارت تقارير، لكنه رد بالقول إن "كل قادة قوى الحرية والتغيير في الشارع مع المليونية ولا يمكن الرد علي طلبك الآن".
في السياق عينه خاطب نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان حميدتي حشدًا جماهيريًا شرق الخرطوم، تحدث فيه بصورة عجولة عما أسماهم بالقناصة الذين يستهدفون المتظاهرين وقوات الدعم السريع بالقرب من مبنى البرلمان، قائلًا إننا "سوف نتصدى لهم" وأضاف أن مهمتهم حماية الثورة ومحاربة أي شخص يتاجر باسم الناس، وأنهم ليسوا جزءًا من الخلاف. وهو ما يرى مراقبون أنه يتعارض بشكل واضح مع الوقائع القادمة من الشوارع السودانية.
اقرأ/ي أيضًا: محاكمة البشير.. ملهاة فض الاعتصام وإخفاء وجه السلطة العسكرية
انتصار الإرادة الشعبية
وكان المجلس العسكري قد حمل قوى الحرية والتغيير المسؤولية عن أي "روح تزهق في المسيرة أو أي خراب أو ضرر يلحق بالمواطنين أو مؤسسات الدولة جراء تعطيل المرور وإغلاق الطرق وتعطيل المصالح العامة ومعاش الناس"، على حد قوله، لكن ذلك لم يحدث حتى مساء الأحد، حيث لا زالت الحشود تتدفق في الشوارع والأحياء رغم إغلاق الطرق الرئيسية.
أعادت مليونية الأحد في السودان الأمور إلى نصابها الصحيح، وشحنت الشارع بطاقة ثورية، بدا في حاجة لها بعد صدمة فض الاعتصام بكل تلك الدموية التي صاحبتها
وزعم المجلس العسكري بأنه يؤمن بحق التغيير والتظاهر، لكن من مسؤوليته الوطنية والتاريخية أن يُنبه إلى خطورة الأزمة التي تعيشها البلاد. ومع ذلك فإن مليونية الأحد ربما أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، وشحنت الشارع بطاقة ثورية، بدا في حاجة لها بعد صدمة فض الاعتصام بكل تلك الدموية التي صاحبتها، وهو ما سيزيد الضغوط على المجلس العسكري، من أجل التوجه نحو حكومة مدنية.
اقرأ/ي أيضًا: