15-أغسطس-2024
آليات عسكرية روسية مدمرة

(AP) أوكرانيا تخترق الخطوط الحمراء

أبانت أوكرانيا عن شجاعة "منقطعة النظير" في حدثين أحدهما قديمٌ نسبي والآخر يجري حتى هذه اللحظة. يتعلق الأمر الأول بتفجير خط نورد ستريم عام 2022، حيث أصدرت النيابة الألمانية مذكرة اعتقال بحقّ غواصٍ أوكراني كان ضمن فريق الغواصين ـ يرجح أنهم أوكرانيون جميعًا ـ الذين زرعوا عبوات ناسفة على خطوط أنابيب نورد ستريم. أمّا الأمر الثاني، فيتعلق بالتوغل الذي قامت به القوات الأوكرانية في روسيا، وبالتحديد في كورسك، ضاربةً عرض الحائط بالخطوط الحمراء الغربية، ومقامرةً بكلّ شيء.

وتأتي الخطوة الأوكرانية الأخيرة، حسب صحيفة "التايمز" البريطانية، تعبيرًا عن قناعة زيلينسكي بأن على بلاده أن تقاتل الروس بطريقة مختلفة، لكنها تأتي أيضًا وهذا هو الأهم، بعد أن فهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شيئين مهمين في قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" الأخيرة في واشنطن، أولهما أن أوكرانيا ليست لديها أي فرصة للانضمام إلى الحلف في وقتٍ قريب، وثانيهما أن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي رحب به باعتباره بطة عرجاء، ليس له من الأمر شيء.

وبالتالي، فإنّ التوغل الذي قامت به في روسيا، على الرغم من أنه قصير الأمد، لكنه يظهر أن بلاده سئمت القيود التي يفرضها الغرب عليها.

رسالة زيليسكي لبوتين من التوغل في كورسك الروسية هي أنّ هذه الحرب ليست صفقة محسومة

ويرى مقال التايمز أنه: "لم يكن من الجيد إبقاء أوكرانيا تحت الشروط الغربية لاستخدام المعدات المتبرع بها، بحيث لا تصعيد ولا إطلاق نار داخل الأراضي الروسية، وهي القيود التي يُقصَد بها منع الكرملين من أن يعلن أنه تحت تهديدٍ مباشر من الناتو، مما قد يتسبب في حربٍ عالمية ثالثة".

قدرة لافتة على الانتشار السريع

انتشرت ستة من أفضل الألوية الأوكرانية بشكل سريع، ولمدة أسبوع كامل، عبر كورسك الروسية، حيث تم بالفعل نقل المشاة في مركبات دعم مدرعة قدمها الغرب، واستُخدمت طائرات سترايكر وعربات همفي الأميركية وماردر الألمانية، مع رغبةٍ أوكرانية في استخدام المزيد من المعدات الغربية مع استمرار التوغل.

وقد ترغب كييف، حسب "التايمز"، في استخدام صواريخ "أتاكمز" الأميركية الصنع لضرب المطارات في عمق روسيا، وترى الصحيفة البريطانية أن واشنطن قد تشير إلى موافقتها على ذلك، لكن دون إعطاء نعم صريحة لكسب بعض النفوذ في محادثات السلام المستقبلية. وفي ذات الصدد، ليس من المستبعد أن تطلب كييف من الحكومة البريطانية رفع القيود المفروضة على صواريخ ستورم شادو لكي تستخدمها لضرب الطرق وخطوط السكك الحديدية التي تجلب التعزيزات الروسية.

جرأة وتهور في آن واحد

كان التعتيم المعلوماتي الذي أحاط بالتوغل ملحوظًا لدرء أي تدخلٍ غربي، وتجنب الأسئلة الصعبة حول الكيفية التي يخطط بها زيلينسكي لإنهاء المهمة، وإساءة تقدير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالتالي كانت الرسالة إلى الغرب حسب قراءة "التايمز"، هي: "شكرًا على الأسلحة والنصائح، ولكننا نحدد وتيرة حربنا بأنفسنا، ودعونا نعمل على هذا الأساس في حقبة ما بعد بايدن. أما الرسالة إلى بوتين فهي أن هذه الحرب ليست صفقةً محسومة، وإذا كنت تعتقد أننا سوف ندخل في اتفاق سلام يدعمه المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب ويؤدي إلى تقسيم أوكرانيا، فأعد التفكير".

وقد تم تصميم مغامرة كورسك، حسب "التايمز"، للاستفادة من نقاط القوة التي يتمتع بها الجيش الأوكراني، كالقدرة على الحركة والارتجال وسرعة اتخاذ القرار وإظهار انعدام الأمن لدى الروس. ويتلخص طموح زيلينسكي خلالها في إجبار بوتين على نقل القوات من شرقي أوكرانيا لحراسة كورسك، مما قد يؤدي إلى إحياء حركة مناهضة للحرب بين الشباب، وتفجير فقاعة الرضا عن النفس.

ولأن الغرب ساعد في هيكلة الطريقة الأوكرانية في المعركة، فهو لا يستطيع، حسب "التايمز"، أن يتجاهل التوغل باعتباره عملًا جريئًا لكنه متهور في نهاية المطاف، مع أنه يسمح لزيلينسكي بأن يعوض سنوات حرب الخنادق في دونباس، التي أحبطت معنويات أمته والجهات المانحة لها ومؤيديها في الغرب، بنوع من الحرب الخاطفة.

وخلص قراءة "التايمز" إلى أن السرعة في الحرب تبهر ولكنها لن تكون كافيةً بسبب العمق الإستراتيجي الشاسع لروسيا، وبسبب استخدامها القاسي للقوة الساحقة عندما تكون تحت التهديد، وبالتالي فإن الحقيقة القاسية هي أن عملية كورسك لا يمكن أن تستمر لمدةٍ طويلة، ولكن تكرارها ممكن.

نورد ستريم

غير بعيدٍ عن التوغل في كروسك وإهانة الكبرياء الروسي، كشف جديد التحقيقات الألمانية مسؤولية أوكرانيٍ عن تفجير خط نورد ستريم عام 2022. وفي التفاصيل، أصدرت النيابة العامة الألمانية مذكرة اعتقال بحق أوكراني على خلفية تخريب خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم عام 2022. ووفقًا لقناة "إيه آر دي"، وصحيفتي "داي تسايت" و"زود دويتشه تسايتونغ"، طلبت ألمانيا إصدار مذكرة اعتقال أوروبية بحق الرجل المسمى فولوديمير ز، بعد التأكد  من أنه كان أحد الغواصين الذين زرعوا عبوات ناسفة على خطوط أنابيب نورد ستريم.

وكان آخر عنوان معروف للمشتبه به في بولندا، ولم يتضح بعد، حسب الألمان، سبب عدم تمكن السلطات البولندية من اعتقال المشتبه به، الذي يُعتقَد أنه فرّ إلى أوكرانيا.

وتعليقًا على المعلومات الألمانية، اكتفى مكتب المدعي العام البولندي بالقول لوكالة "فرانس برس" إنه: "تلقى مذكرة اعتقال بحق فولوديمير ز. في  حزيران/يونيو فيما يتعلق بإجراءات ضده في ألمانيا لكن المشتبه به غادر إلى أوكرانيا قبل أن يتم اعتقاله".

وبحسب وسائل إعلام ألمانية، فإن المحققين الألمان: "تعرفوا أيضًا على أوكرانييْن هما رجل وامرأة يعتقدون أنهما كانا من بين الغواصين الذين نفذوا الهجوم، ومع ذلك، لم تصدر أوامر اعتقال بحقهما حتى الآن".

يذكر أنه في أيلول/سبتمبر 2022 عثر على أربعة مواقع تسريب كبيرة للغاز على خطي أنابيب نورد ستريم قبالة جزيرة بورنهولم الدنماركية، بعد أن سجلت معاهد الزلازل انفجارين تحت الماء.

يشار إلى أنّ "خطا الأنابيب المذكورين" كانا في قلب التوتر الجيوسياسي مع قطع روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا في خطوة جاءت للرد على العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو إثر الحرب مع أوكرانيا.