12-يوليو-2024
قادة حلف شمال الأطلسي الناتو

قادة حلف شمال الأطلسي الناتو في قمة واشنطن (رويترز)

اختُتمت قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بواشنطن، لكنّ تداعيات مخرجاتها مستمرّةٌ في التفاعل على أكثر من صعيدٍ، خاصةً على مستوى الملف الأوكراني ومواجهة روسيا والصين في أكثر المناطق والقضايا حساسيةً بالنسبة للقوتين النوويتين أولًا، وعلى الرئيس الأميركي، جو بايدن ثانيًا، الذي تخلل مؤتمره الصحفي مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، زلة لسان جديدة، ألحقها بزلة أخرى في مؤتمر منفصل، قد يكون لهما تأثير كبير على حملته الانتخابية للرئاسة الأميركية.

زلة لسان مزدوجة لبايدن في يوم واحد

وسط محاولات التركيز على العلاقة المتأزمة مع روسيا والصين في قمة الحلف التي اختتمت، أمس الخميس، تصدّر بايدن (81 عامًا) المشهد الختامي للقمة، بعدما قدم نظيره الأوكراني زيلينسكي، على أنه "الرئيس بوتين"، لكنها لم تكن الوحيدة، إذا عاد لارتكاب هفوة جديدة عندما قدم نائبته كامالا هاريس باسم "ترامب".

في الهفوة الأولى، قال بايدن خلال مؤتمر صحفي في قمة الحلف: "والآن، أترك الكلام لرئيس أوكرانيا الذي يتمتّع بقدر كبير من الشجاعة والتصميم"، وأضاف "سيداتي، سادتي، إليكم الرئيس بوتين"، لكنه سرعان ما استدرك هفوته بالقول إن زيلينسكي "سيهزم الرئيس بوتين. إن تركيزي منصب بشدة على هزيمة بوتين".

وارتكب بايدن هذا الخطأ قبل مؤتمر صحافي كان من المقرر عقده للحديث عن حملته لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، والذي شهد أيضًا زلة لسان جديدة عندما قدم نائبته هاريس بصفتها "ترامب"، وقال بايدن في المؤتمر الثاني: "لم أكن لأختار نائبة الرئيس ترامب لتكون نائبة للرئيس إذا لم أكن أعتقد منذ البداية أنها مؤهلة لتكون رئيسة (…) لهذا السبب اخترتها".

زلة لسان الرئيس الأميركي في قمة الناتو التي قدم فيها زيلينسكي على أنه "الرئيس بوتين"، قوبلت بتهكم من المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي علقت على الحادثة

زاخاروفا تتهكم.. وماكرون يدافع عن بايدن

زلة لسان الرئيس الأميركي في قمة الناتو التي قدم فيها زيلينسكي على أنه "الرئيس بوتين"، قوبلت بتهكم من المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي سارعت إلى حسابها الخاص على تطبيق تيلغرام للتعليق على الحادثة.

وعلّقت زاخاروفا على الحادثة بالقول: "يبدو لي أنه لم يعد من الممكن إخفاء التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية، فهناك مرشح موال لروسيا تتحكم فيه يد الكرملين"، وأضافت "نبقى في انتظار هستيريا هيلاري كلينتون بشأن الهجوم على الديمقراطية الأميركية"، في إشارة إلى تقارير الاستخبارات الأميركية التي تحدثت عن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة لعام 2016.

لكن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دافع عن زلة لسان نظيره الأميركي، واعتبرها خطأ غير مقصود، وقال في تصريحات صحفية: "جميعنا نخطئ أحيانًا"، مضيفًا في ختام قمة الحلف الأطلسي أن بايدن بدا له حاضرًا ذهنيًا بالكامل.

إنشاء أول مكتب اتصال للحلف في الأردن

وشهدت قمة الحلف الإعلان عن إنشاء مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي في العاصمة الأردنية عمان، وفقًا لما أعلنت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية عبر صفحتها الرسمية على موقع إكس (تويتر) سابقًا.

وقالت الخارجية الأردنية، في بيان مشترك مع "الناتو"، إن افتتاح المكتب يمثل القرار "الذي كان قد تم الإعلان عن النية لإنشائه في البيان الختامي لقمة الناتو في ليتوانيا في تموز/ يوليو عام 2023، علامة فارقة في الشراكة الاستراتيجية العميقة بين الأردن والحلف، حيث يقر الحلف بدور الأردن المحوري في تحقيق الاستقرار إقليميًا ودوليًا، ويشيد بإنجازاته الممتدة في مكافحة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف العنيف".

وأضاف البيان: "سيسهم المكتب، باعتباره مكتب تمثيلٍ للحلف، بتعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حلف الناتو والأردن. وسيعزز المكتب التواصل المستمر بين الأردن والحلف وبما يسهم في تعزيز فهمٍ أعمق للسياقات الوطنية والإقليمية وإحراز التقدم المنشود في تنفيذ برامج وأنشطة الشراكة التي تشمل عقد المؤتمرات والدورات وبرامج التدريب في مجالات مثل التحليل الاستراتيجي، والتخطيط لحالات الطوارئ، والدبلوماسية العامة، والأمن السيبراني، وإدارة تغير المناخ، وإدارة الأزمات والدفاع المدني".

وتابعت الخارجية الأردنية: "يبني إنشاء مكتب اتصال لحلف الناتو في عمّان على ما يقارب ثلاثة عقود من العلاقات الثنائية العميقة، لا سيما من خلال الحوار المتوسطي لحلف شمال الأطلسي، ويهدف إنشاؤه إلى تعزيز الحوار السياسي وتبسيط التعاون العملي بين الحلف والأردن، وهو تطور طبيعي في العلاقة المتنامية بين الأردن والحلف والممتدة منذ عام 1996".

الناتو يتحفّز لمواجهة روسيا عسكريًا

نشر صواريخ في ألمانيا وقاعدة عسكرية في بولندا

أما على المستوى العسكري، وتلخيصًا لأبرز مخرجات قمة "الناتو"، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستبدأ في نشر صواريخ ذات مدًى أطول في ألمانيا خلال عام 2026، وبهذه الخطوة ستكون ترسانة الأسلحة الجديدة التي تعتزم واشنطن نشرها هي الأقوى لها في القارة الأوروبية منذ الحرب الباردة.

بالتزامن مع ذلك أعلن الحلف أيضًا أنّ "قاعدةً أميركيةً جديدة للدفاع الجوي شمال بولندا أصبحت جاهزةً لمهمتها التي تركز على رصد واعتراض الهجمات الصاروخية الباليستية، في إطار دِرع صاروخي أوسع للحلف". وأضاف الناتو أنّ "جاهزية القاعدة خطوةٌ مهمة للأمن عبر الأطلسي في مواجهة التهديد المتزايد الذي تشكله الصواريخ الباليستية".

الكرملين: الناتو أصبح منخرطًا بشكل كامل في النزاع مع أوكرانيا، وندرس تدابير لاحتواء هذا التهديد الخطير

وتأتي هذه الخطوات من حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية لمواجهة ما يصفه حلف شمال الأطلسي "بالتهديد المتزايد الذي تشكله روسيا على أوروبا".

أوكرانيا

بشأن أوكرانيا تعهّد الناتو، في بيانه الختامي، بمنح كييف مساعداتٍ عسكريةً بقيمة 43 مليار دولار خلال العام المقبل، وذلك لمساعدتها في الحرب مع روسيا، وجاء في الإعلان الصادر عن القمة أنه "من خلال مساهمات تناسبية، يعتزم الحلفاء تأمين تمويلٍ أساسي بقيمة 43 مليار دولار بالحد الأدنى خلال العام المقبل، وتوفير مستويات مستدامة من المساعدة الأمنية لأوكرانيا لكي تنتصر".

وكان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ قد حث الأعضاء على الالتزام بالدعم لعدة سنوات، لكن وجهة نظر قادة الحلف كانت الالتزام بالتعهد على أساسٍ سنوي فقط، وفي تعليقه على حزمة المساعدات التي تعهد به الحلف لأوكرانيا قال ستولتنبرغ "إن الدعم العسكري لأوكرانيا لن يجعل الناتو طرفًا في الصراع بل يساعدها على حماية حقها في الدفاع عن النفس" وفق تعبيره.

وبخصو موضوع انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، أكّد بيان الناتو الختامي "دعمه التكامل الأوروبي الأطلسي الكامل، بما في ذلك عضوية الناتو"، وأكد بيان الناتو أن دعوة الانضمام "سترسل إلى أوكرانيا بمجرد موافقة الحلفاء واستيفاء الشروط".

وأعرب بيان "الناتو" عن "تأييده الكامل حق كييف في اختيار ترتيباتها الأمنية وتقرير مستقبلها دون تدخلٍ خارجي"، وحول مستقبل أوكرانيا في الحلف، أوضح البيان الختامي لقمة واشنطن أن "أوكرانيا باتت متكاملةً سياسيًا مع الناتو".

من جهته، طالب زيلينسكي الدول الأعضاء في "الناتو" برفع جميع القيود المفروضة على أوكرانيا لاستهداف الأراضي الروسية بأسلحة غربية، وقال زيلينسكي: "إذا أردنا أن نفوز وندافع عن بلادنا، علينا رفع كل القيود."

الرد الروسي

في تعليقه على خطوات الناتو التي أعلن عنها على هامش قمة الحلف في واشنطن، قال الكرملين إن الناتو أصبح "منخرطًا بشكل كامل" في النزاع مع أوكرانيا، مضيفًا أنه يدرس "تدابير" لاحتواء هذا "التهديد الخطر".

وبشأن انضمام أوكرانيا للناتو قال ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أمس الخميس، "إن روسيا ينبغي أن تعمل ما في وسعها لضمان ألا ينتهي طريق أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي".

وأضاف ميدفيديف في منشور على منصة إكس أنّ "الاستنتاج واضح. يجب علينا أن نفعل كل شيء حتى لا ينتهي مسار أوكرانيا -الذي لا رجعة فيه- إلى الناتو، إما بزوال أوكرانيا أو باختفاء الحلف، والأفضل باختفائهما معًا"، على حد تعبيره. في إشارةٍ إلى إمكانية لجوء موسكو لاستخدام السلاح النووي في حربها مع أوكرانيا أو مع حلف شمال الأطلسي.

الرد الروسي على مخرجات قمة "الناتو" الأخيرة، لم يتوقف عند تصريحات الرئيس الروسي السابق، إذ تبعه برد آخر جاء على لسان المتحدث الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الذي أكد أن الحلف أصبح طرفًا في الصراع القائم في أوكرانيا.

وقال بيسكوف في تصريح للصحفيين: "نرى إن البنية التحتية العسكرية للناتو تتقدم باستمرار وتدريجيًا نحو حدودنا"، معتبرًا أن الناتو يهدف إلى هزيمة روسيا استراتيجيًا، وأضاف موضحًا أن موسكو ستحلل "بدقة" القرارات المتخذة والقضايا التي تمت مناقشتها في القمة.

اعتبر المتحدث الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في تصريح للصحفيين أن البنية التحتية العسكرية للناتو تتقدم باستمرار وتدريجيًا نحو حدود روسيا 

واعتبر المسؤول الروسي أن "الناتو" تحالف "نشأ لمواصلة الصراعات في عصر الصراعات"، وأضاف: "الحلف يؤدي وظائفه ويزيد التوتر في قارة أوروبا"، ومضى في القول إن بلاده تواجه "تحالفًا قويًا من دول تنتهج سياسة معادية لروسيا ولا تخفيها"، مشددًا على أنه "لا بد أن نوضح أن الناتو منخرط بشكل نشط وكامل في الصراع في أوكرانيا".

خطوات الناتو تثير قلق تركيا

وأثارت خطوات الناتو وردود موسكو قلقًا لدى تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، حيث حذرت من اندلاع صراع بين الناتو وروسيا، وفي هذا الصدد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من واشنطن: "احتمال نشوب صراعٍ مباشر بين الناتو وروسيا أمرٌ مقلق بلا شك". وأضاف: "يجب تجنّب أي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى هذه العاقبة".

ومن الملاحظ أن تركيا، إلى جانب المجر، تتبنى موقفًا حذرًا بشأن روسيا والحرب على أوكرانيا، وأكثر من ذلك يُنظر إلى محاولة انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون بريبة داخل الناتو الذي يعتبر المنظمة، التي تضم روسيا والصين وإيران، منافسًا، لكن تركيا، وعلى لسان أردوغان، كررت أكثر من مرة أنها "لا تعتقد أن منظمة شنغهاي للتعاون تمثل بديلًا عن حلف شمال الأطلسي، كما لا تعتبر بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) بديلًا عن أي هيكل آخر".

الصين في مرمى أهداف الناتو

 اتهم البيان الختامي لقمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن الصين "بأداء دورٍ رئيسي في مساعدة موسكو في الحرب على أوكرانيا، من خلال دعمها للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية". ودعا الحلف بكين إلى "وقف كل دعمٍ مادي أو سياسي للمجهود الحربي الروسي"، كما أعرب الحلف عن قلقه من "العلاقات الروسية الصينية".

لكنّ الأمر لا يتوقف على مجرد مخاوف واتهامات وردت في بيانٍ ختامي، بل تجاوز الأمر ذلك إلى تبني الحلف مقاربةً قائمةً على التوسع شرقًا في المحيطين الهادئ والهندي، لتشدد الخناق على التنين الصيني، عبر تعزيز الشراكات والتعاون الأمني مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، مع عدم استبعاد ضمّ هذه البلدان، التي تحضر بصفة دورية قمم الناتو منذ 2022، إلى حلف شمال الأطلسي مستقبلًا. وهو ما ترى فيه الصين تهديدًا حقيقيًا.

وفي رد بكين على إجراءات واتهامات قمة الناتو بواشنطن، طالبت الصين في بيانٍ لها حلف شمال الأطلسي بالتوقف عما سمته "التحريض على المواجهة"، وقالت البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي في بيان إنه يجب على الناتو أن "يتوقف عن تضخيم ما يسمى تهديدًا صينيًا، وأن يتوقف عن التحريض على المواجهة والتنافس، وأن يساهم بشكل أكبر في السلام والاستقرار في العالم".

وقبل ذلك أصدرت الخارجية الصينية "تحذيرًا صارمًا" قالت فيه إن توسع حلف شمال الأطلسي وخرقه لحدوده، "كانا المصدر الحقيقي للمخاطر التي تهدد السلام والاستقرار العالميين".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في إحاطة إعلامية بالتزامن مع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي بواشنطن إنه "يتعين على حلف الأطلسي أن يظل ضمن دوره تحالفًا دفاعيًا إقليميًا، وأن يتوقف عن خلق التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأن يتوقف عن الترويج لعقلية الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل. ولا ينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يحاول زعزعة استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعدما فعل ذلك في أوروبا" وفق المسؤول الصيني.