يمثل دعم ألمانيا لإسرائيل وسيلة للهروب من ماضيها المظلم إبان الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بالهولوكوست، إذ تبذل الحكومة الألمانية جهدًا خاصًا لتكون في طليعة الداعمين للاحتلال، في محاولة لدفع العالم لنسيان تلك المرحلة، وزاد هذا الدعم بقوة مع العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي هذا السياق، يكشف موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، في تقرير، أن الشركة الألمانية العملاقة "AXEL SPRINGER" تقدم دعمًا لامشروطًا لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة. وينبع هذا الدعم من ادعاء ألماني بأن ذلك يحافظ على المصلحة الوطنية الألمانية. لكن الموقع الأمريكي يشير إلى مصالح اقتصادية وتجارية تربط الشركة مع "إسرائيل"، حيث تملك عقودًا ضخمة داخل المستوطنات غير الشرعية، وتجني عبرها ملايين الدولارات.
ويشير التقرير إلى أن شركة "AXEL SPRINGER" تمتلك صحيفة "بليد" المعروفة بمواقفها الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل. كما نشرت صحيفة "Die Welt" المملوكة أيضًا للشركة مقالًا افتتاحيًا بعنوان: "بارك الله بجيش الدفاع الإسرائيلي". بينما كتب الرئيس التنفيذي للشركة على صفحات مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، المملوكة كذلك للشركة، أن هتافات "من النهر إلى البحر.. ستتحرر فلسطين" تُعد بمثابة دعوة "للإبادة الجماعية بحق اليهود". وهذا يتوافق مع إصدار الحكومة الألمانية قرارًا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، يعتبر هذه الهتافات غير قانونية.
وبحسب التقرير، فإن الدفاع عن "إسرائيل" في مواجهة الانتقادات التي تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هو أمر يختلف تمامًا عن التربح من تلك الانتهاكات.
ويبدو أن "AXEL SPRINGER" تقوم بذلك تحديدًا، إذ تقوم منصة "Yad2"، وهي أكبر منصة إعلانات مبوبة في "إسرائيل" والمملوكة للشركة، بنشر إعلانات عقارية في مختلف أنحاء "إسرائيل"، وتشمل الإعلانات شققًا للإيجار والبيع في المستوطنات الإسرائيلية التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي.
الشركة الألمانية العملاقة " AXEL SPRINGER"تقدم دعمًا لامشروطًا لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، وينبع هذا الدعم من الادعاء بأن ذلك يحافظ على المصلحة الوطنية الألمانية
في كانون الأول/ديسمبر، نشرت "Yad2" إعلانًا خاصًا للترويج لبيع شقق باللغة الإنجليزية في صحيفة "The Marker" الإسرائيلية: صورة لخريطة فلسطين المحتلة داخلها إشارات. ولم تكن الخريطة تحتوي على علامات تفصل بين "الحدود الإسرائيلية" المعترف بها دوليًا، على حسب تعبير الموقع الأمريكي، وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأسفل شعار "من النهر إلى البحر" الشهير، ظهرت جملة بالعبرية تقول: "تساعدك منصة Yad2 في التطلع إلى الأمام، وبناء مستقبل في منزلك التالي داخل إسرائيل".
ويلفت الموقع الأمريكي إلى أن الإعلان قد يكون بمثابة إشارة وقحة للخطاب الموالي لإسرائيل، كما رآه العديد من المعلقين، لكنه يشير كذلك إلى الكيفية التي تتربح بها الشركة الألمانية من مشروع الاستيطان الإسرائيلي. وعلى الرغم من إمكانية نشر الإعلانات بالمجان على الموقع، لكن يتعين على المعلنين من بعض الفئات دفع المال مقابل نشر الإعلانات، ومنهم الوسطاء وتجار العقارات.
وكشف التقرير أنه عثر على آلاف العقارات المعروضة للبيع والإيجار داخل المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة. وضمت تلك العقارات أكثر من ألف إعلان مدفوع الأجر من شركات الوساطة. وهذا يعني أن منصة "Yad2" التابعة لشركة "AXEL SPRINGER"، قد جنت المال من تلك الإعلانات. وكانت بعض الإعلانات لمنازل في البؤر الاستيطانية أو المستوطنات التي تُعد غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي، وفقًا للخبير الذي فحص الإعلانات لحساب "ذا إنترسبت"، بينما ظهرت إعلانات أخرى لبيوت مبنية على أراضٍ فلسطينية خاصة استولى عليها الجيش الإسرائيلي لأغراض أمنية، لكن صار يسكنها مستوطنون يهود الآن.
وبعد تأسيسها عام 2005، تحولت منصة "Yad2" إلى أكبر منصة للإعلانات المبوبة في "إسرائيل". ويستطيع المستخدم أن يبحث عن أي شيء في الموقع، بدايةً من الحيوانات ووصولًا إلى الأسلحة. لكن نمو المنصة كان يعتمد على قوة الإعلانات العقارية ومبيعات السيارات المستعملة، ولا تزال هذه الفئات هي الأكثر رواجًا على المنصة حتى الآن.
وتقودك علامة تبويب الشقق المخصصة للبيع إلى عدد ضخم من إعلانات العقارات، بما في ذلك نحو 1300 شقة وعقار تجاري داخل مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة فقط، وذلك حتى منتصف كانون الثاني/يناير. ويستطيع مستخدمو المنصة العثور كذلك على نحو ألف شقة سكنية للإيجار داخل المستوطنات المخصصة لليهود فقط. ومن بين تلك المعروضات، شكّلت الإعلانات مدفوعة الأجرة من الوسطاء أكثر من 800 إعلان بيع، وأكثر من 100 إعلان إيجار، وأكثر من 100 إعلان للعقارات التجارية.
وتضمنت قوائم " Yad2" عقارات معروضة للشراء أو الإيجار في مجموعة من أكثر مستوطنات الضفة الغربية التي يسكنها متطرفون يهود إيديولوجيًا. وضمت قائمة كلًا من مستوطنات كوخاف هشاحر، وكدوميم، وتلمون، وشيلو، وعيلي، وبسجوت، وتكواع، وعتنائيل، وسوسية.
وتستقبل تلك المستوطنات اليهود الإسرائيليين حصرًا، كما هو حال غالبية المشروعات الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية.
يقول عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في منظمة "هيومن رايتس ووتش": "نشر الإعلانات التي تروّج للصفقات العقارية في المستوطنات الإسرائيلية يمثل مساهمةً في انتهاكات حقوق الإنسان"، ويشير إلى أن "الفلسطينيين لا يمكنهم شراء أو استئجار عقارات في المستوطنات المخصصة لليهود فقط".
وتابع شاكر: "الشركات المنخرطة في هذا المجال تستفيد من منظومة تُميّز ضد الفلسطينيين بشكلٍ منهجي وتحرمهم من تراخيص وموارد البناء، وكذلك الطرق والبنية التحتية. وتساعد تلك الشركات أيضًا في جعل المستوطنات أكثر استدامةً من الناحية الاقتصادية، لتساهم بذلك في زيادة ترسيخ السلوك الاستيطاني".
بالنسبة لشاكر، فإن الإعلانات المبوبة للمنازل في المستوطنات الإسرائيلية لا تستفيد من التمييز فحسب، بل تمكن أيضًا مشروع المستوطنات الإسرائيلية بأكمله، من خلال جعل تلك المستوطنات في الضفة الغربية قابلة للحياة.
