09-يونيو-2024
(AFP) ناخب يدلي بصوته في الانتخابات الأوروبية في بروكسل

(AFP) ناخب يدلي بصوته في الانتخابات الأوروبية في بروكسل

تُختتم اليوم، الأحد 9 حزيران/يونيو، انتخابات البرلمان الأوروبي التي استمرت 4 أيام، وأُجريت في 21 دولة بالاتحاد. وبحسب استطلاعات رأيٍ مختلفة فإن أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية تتجه لحصد ما لا يقل عن ربع المقاعد في البرلمان. الأمر الذي أعاد تنشيط الجدل حول تداعيات توجه البرلمان الأوروبي نحو اليمين، ويتعلق الجدل ههنا أساسا بسياسات الاتحاد في قضايا البيئة واللجوء والهجرة من جهة، وسياساته المتعلقة بالتوسع من جهة أخرى، وذلك بضم المزيد من الدول المجاورة مثل أوكرانيا وجورجيا ودول غرب البلقان، وبشكل خاص كوسوفو وصربيا. هذا بالإضافة أيضا إلى تحديات أخرى تتعلق بالمنافسة الصناعية المتعاظمة من الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي التفاصيل، توجّه اليوم الأحد الناخبون الأوروبيون في أغلب بلدان الاتحاد الأوروبي لاختيار ممثليهم في البرلمان الأوروبي، ودشّنت اليونان عملية التصويت في اليوم الأخير من الانتخابات إلى جانب ألمانيا وفرنسا أكبر قوتين اقتصاديتين في النادي الأوروبي الكبير. كما فتحت مكاتب التصويت أبوابها أمام الناخبين في بولندا وإسبانيا وإيطاليا التي تشهد يوما ثانيا للتصويت.

وتبلغ الكتلة التصويتية في هذه الانتخابات أزيد من 360 مليون ناخب تم استدعاؤهم للإدلاء بأصواتهم، وذلك لاختيار 720 برلمانيا أوروبيا. مع الإشارة إلى أنّ إجمالي عدد المواطنين في الاتحاد الأوروبي يبلغ 450 مليون مواطنا.

تبلغ الكتلة التصويتية في هذه الانتخابات أزيد من 360 مليون ناخب تم استدعاؤهم للإدلاء بأصواتهم، وذلك لاختيار 720 برلمانيا أوروبيا

وكانت عمليات الاقتراع قد بدأت الخميس الماضي في هولندا، واستمرت طيلة يومي الجمعة والخميس في بلدان أخرى من الاتحاد، لكنّ أغلبية المصوتين يدلون بأصواتهم اليوم الأحد الأخير من أيام السباق الانتخابي الأوروبي الذي يتوقع المتابعون أن يعيد رسم خريطة التوازنات من جديد لصالح قوى اليمين والقوميين المشككين في الاتحاد.

وفي هذا الصدد أكّدت إحصائيات جمعتها صحيفة فايننشال تايمز أنّ جيل الألفية والناخبين لأول مرة من جيل "Z “ أكثر ميلا نحو التصويت لليمين، كما تشير ذات الإحصائيات إلى أنّ " نحو ثلث الناخبين الفرنسيين الشباب والهولنديين تحت سن الخامسة والعشرين، و22 في المئة من الناخبين الألمان الشباب، يفضلون اليمين المتطرف في بلادهم، وهذه زيادة كبيرة منذ انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة في عام 2019".

 وتعني هذه المعطيات، على سبيل المثال لا الحصر صعود "حزب من أجل الحرية" بزعامة اليميني المتطرف خيرت فيلدرز في هولندا، كما تعني أيضا توجه حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، إلى إلحاق الهزيمة بحزب النهضة المصنف ضمن يمين الوسط بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون.

وبالمجمل تؤكد جلّ التقديرات أن اليمين المتطرف سيحصد ما لا يقل عن ربع إجمالي المقاعد في البرلمان الأوروبي المقبل. وسيكون ذلك على حساب أغلبية يمين الوسط ويسار الوسط، لكنّ تأثيره البالغ هو على حساب رصيد الليبراليين والخضر الذين تشير التقديرات إلى تعرضهم لخسارة فادحة.

تتنوع أسباب هذه النتائج المتوقعة، لكن تقع في صدارتها أزمة تكلفة المعيشة بالتأكيد، إضافة إلى المخاوف الأمنية ذات الصلة بالحرب في أوكرانيا وسلوك روسيا العسكري ضد أي محاولة للتوسع الأوروبي على حدودها، ويضاف إلى هذا التخوف ذي الطابع الجيو سياسي تخوفات أخرى تنتاب الناخب الأوروبي بين الفينة والأخرى ويغذيها اليمين المتطرف حول الهجرة واللاجئين، والتكاليف المرتفعة لما يسمى التحول الأخضر.

ويبدو أن دعاية اليمين المتطرف نجحت في اجتذاب جمهور عريض من الناخبين الأوروبيين، وكان ذلك بالدرجة الأولى على حساب الليبرالين وحزب الخضر الأوروبي الذي ترجح الاستطلاعات تعرضه لخسارة كبيرة نظرا لسهام النقد الحادة التي وجهت إليه من طرف اليمين المتطرف، الأمر الذي أسفر عن ردة فعل عنيفة ضده من "الأسر والمزارعين وقطاع الزراعة الذي يعاني من ضغوط شديدة بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي باهظة التكاليف التي تحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون". ويشار في هذا السياق إلى الاحتجاجات الأخيرة التي نظمها المزارعون، حيث استخدموا الجرارات للتظاهر في بروكسل وأمام البرلمان الأوروبي، منددين بالقوانين البيئية والبيروقراطية التي تعطّل عملهم.

وقد نجح اليمين المتطرف في هولندا وفرنسا وبولندا في استغلال هذه المظاهرات بتقديم نفسه ممثلا "للناس العاديين" أمام النخب الليبرالية والخضراء المعزولة حسب اليمين المتطرف عن واقع الناس.

الانعكاسات

قد يكون من المبالغة الحديث عن أضرار بالغة ستلحق بسياسات الاتحاد الأوروبي جراء الصعود المرتقب لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلا أنّ من شأن هذا السيناريو إن حصل أن يعقد جهود إقرار أي قوانين جديدة فضلا عن عرقلة تعزيز مستوى التكامل الأوروبي.

ومن المفروغ منه أنّ اليمين المتطرف سيعمل في العهدة البرلمانية الأوروبية القادمة على التصدي للسياسات الخضراء، وبالفعل تراجع الاتحاد الأوروبي من قبل عن العديد من القواعد البيئية الرئيسية، بما فيها قواعد تنظيمية صارمة بشأن استخدام المبيدات الحشرية، وحدث ذلك تحت ضغط احتجاجات المزارعين.

الجبهة الأخرى التي سيعمل عليها اليمين المتطرف تتعلق بالتكامل الأوروبي، فالأصوات المنادية بتعزيز السيادة الوطنية في ارتفاع، وفي هذا السياق يتحدث اليمينيون المتطرفون، خاصة من الأحزاب القومية، عن اتحاد أوروبي مختلف يمنح المزيد من السلطة للدول القومية، ويحدّ من تدخل "بروكسل" في الحياة اليومية.

وترجّح أوساط صحفية أوروبية أنّ اليمين المتطرف إذا واصل رفع صوته بقضية السيادة الوطنية تحت قبة البرلمان الجديد فسيدفع ذلك إلى تعقيد "حصول المفوضية الأوروبية على صلاحيات أكثر من الحكومات الوطنية، مثل السياسة الصحية".

سيعمل  اليمين المتطرف على التكامل الأوروبي، فالأصوات المنادية بتعزيز السيادة الوطنية في ارتفاع، خاصة في الأحزاب القومية التي تتحدث عن اتحاد أوروبي مختلف

أما بخصوص قضية اللجوء والهجرة، فسيعرقل اليمين المتطرف اللجوء بالعمل على استصدار تشريعات أكثر صرامة حول الهجرة، ونذكّر في هذا السياق بما وعد به اليميني المتطرف خيرت فيلدرز  باستصدار "أقوى قانون للهجرة على الإطلاق"، مع العلم أنّ الاتحاد الأوروبي أصلا تبنى سياسات صارمة قوامها إبعاد أكبر قدر من المهاجرين وطالبي اللجوء، ويشار في هذا الصدد إلى الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد مع تونس والمغرب وليبيا وموريتانيا وتركيا لإبعاد المهاجرين، وهي اتفاقيات أثارت الكثير من الانتقادات الحقوقية ضدّ الاتحاد وضدّ الدول التي وقعتها.

وبشأن مساعي التوسع الرامية إلى ضم المزيد من الدول للاتحاد الأوروبي يبدي اليمين القومي المتطرف انزعاجا من تلك الاستراتيجية، مبررا موقفه بتكلفة التوسع أمنيا واقتصاديا، فالأمر يتعلق بدول فقيرة من ناحية وتعدّ مجالا حيويا لموسكو من ناحية أخرى.

ومع ذلك ثمة شبه إجماع في الاتحاد والبرلمان الأوروبي على منح الدفاع أولوية، وذلك من خلال رفع مستوى الإنفاق الدفاعي، بسبب التحديات الأمنية واحتمال عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض وهو المعروف بمواقفه السلبية من دفاع بلاده عن الأوروبيين دون مقابل مالي واقتصادي حقيقي.