يتوجه اليونانيون إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى غدًا الأحد، في انتخابات عامة جديدة لاختيار ممثليهم، بعد شهر من إجراء انتخابات لم يتحصل فيها أي حزب على الأغلبية المطلقة، التي تمكنه من حسم الانتخابات.
يتوجه اليونانيون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم
نظام انتخابي خاص
وتجرى الانتخابات في اليونان وفق نظام انتخابي خاص، إذ يحتاج الحزب الذي يتقدم في النتائج إلى نحو 46% من الأصوات ليؤمن فوزًا مباشرًا، وإذا لم يحقق أي حزب هذه النتيجة، فيتم اللجوء إلى إعادة الانتخابات، وفي حال تقدمه مرة أخرى يمنحه الدستور الجديد ما يصل إلى 50 مقعدًا إضافيًا لتحقيق الأغلبية المطلقة.
تقدم لليمين
وحقق حزب الديمقراطية الجديدة اليميني المحافظ، بزعامة رئيس الوزراء السابق كيرياكوس ميتسوتاكيس فوزًا كبيرًا في الانتخابات التي جرت في 21 أيار/مايو الماضي، بعد حصوله على 40.8% من الأصوات، حيث تقدم على خصمه الرئيسي، ائتلاف اليسار الراديكالي "سيريزا" بزعامة ألكسيس تسيبراس، الذي تحصل على 20% من الأصوات، في حين حل الحزب الاشتراكي اليوناني "باسوك" الاشتراكي ثالثًا بحصوله على 11.5% من الأصوات.
واعتبرت نتائج انتخابات 21 أيار/مايو، زلزالًا سياسيًا، على الرغم أنها لم تمنح حزب الديمقراطية المحافظ سوى 146 مقعدًا من أصل 300 مقعد في مجلس النواب، ولتحقيق الأغلبية المطلقة كان عليه الفوز بـ151 مقعدًا لتشكيل الحكومة دون الحاجة لعقد تحالفات.
وبعدما شهدت فترة حكمه تحقيقًا لنمو اقتصادي في مرحلة من عدم الاستقرار على المستوى العالمي، تعهد ميتسوتاكيس بخفض الضرائب بشكل إضافي وزيادة الأجور وتعزيز الانفاق على الصحة، وقال خلال تجمع لمناصريه: "لدينا خبرة أكبر وزخم أقوى، لذلك أشدد على أن حزب الديموقراطية الجديدة هو الطريق الوحيد الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى يونان أقوى".
رفض التحالف
وفي بلد التجاذب السياسي فيه محتدم، والانقسام حاد، تغيب فرص البحث عن تسويات، لذا استبعد ميتسوتاكيس تشكيل ائتلاف حكومي، وطالب بإجراء انتخابات جديدة.
وكانت الأحزاب التي تحصلت على المراتب الثلاثة الأولى، قد أعلنت بصريح العبارة، أنها لا ترغب في تشكيل ائتلاف والعمل مع بعضها البعض.
وتظهر استطلاعات الرأي تقدمًا مريحًا لحزب الديمقراطية الجديدة، إذ من المتوقع أن ينال ما بين 40 إلى 45% من الأصوات، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كان الحزب سيتمكن من الفوز بالغالبية المطلقة في البرلمان، كما حدث في انتخابات عام 2019، في حين ينال ائتلاف اليسار الراديكالي ما بين 16.8 و20%.
وفي هذا الإطار، لوح رئيس الوزراء السابق، بانتخابات ثالثة تجرى في آب/أغسطس القادم، إذا لم يتمكن حزبه من الفوز بالأغلبية المطلقة، وهو ما اعتبرته قوى المعارضة، ووسائل الإعلام محاولة "ابتزاز" للناخبين، ونددت بتصريح ميتسوتاكيس.
مأزق اليسار
في المقابل، حذّر الزعيم اليساري تسيبراس، الذي خسر أربع مواجهات سابقة مع ميتسوتاكيس، من أن منح المحافظين غالبية مطلقة، سيقدم لهم "شيكًا على بياض، لتمرير أجندة خفية من سياسات لا تخدم مصالح المجتمع"، وهاجم تسيبراس، ميتسوتاكيس، الذي وصفه بأنه "لا يريد أن يصبح فقط رئيسًا للوزراء، بل يريد أن يصبح ملكًا".
وفي المقابل، فشل تحالف اليسار الراديكالي، في جلب الأصوات له، وأظهرت نتائج الانتخابات ابتعاد الأصوات عنه، نظرًا لحكمه خلال سنوات الأزمة المالية الحادة، وخطط الإنقاذ، التي أرهقت اليونان بما تضمنته من شروط قاسية، حيث دفعت بالعديد من سكان اليونان إلى خط الفقر، ويذكر في هذا السياق الاستقالة التي قدمها وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، رفضًا لخطة التقشف التي أرادت الحكومة اليسارية في ذلك الوقت اعتمادها، واعتبرها "إذلالًا لليونانيين".
وأمام هذا الإرث السلبي، يواجه زعيم الائتلاف اليساري تحدٍ لخروجه من المشهد السياسي في حال الهزيمة بالانتخابات، على الرغم من الخط الوسطي الذي انتهجه في السنوات الأخيرة بعد خروجه حزبه من الحكم.
تقدم اليمين المتطرف
وبالتوازي مع تقدم حزب اليمين المحافظ، حقق حزب نصر "نيكي" اليميني المتطرف والمعروف بمعاداة الأجانب، والقريب من الجناح المحافظ في الكنيسة الأرثوذكسية، والذي تربطه علاقات مع روسيا، نتائج غير متوقعة، فقد حصل في انتخابات 21 أيار/مايو، على 2.9% من أصوات الناخبين، في حين يحتاج الحزب إلى 3% لعبور مرشحيه إلى البرلمان، كما منحت استطلاعات الرأي نحو 2% لحزب قومي جديد هو "سبارتياتس"، المدعوم من إلياس كاسيدياريس، المتحدث السابق باسم حزب "الفجر الذهبي" المحسوب على النازيين الجدد، والموقوف في السجن حاليًا.
وقد هاجم رئيس الوزراء السابق، قوى اليمين المتطرف، خلال مهرجان انتخابي في مناطق الشمال اليوناني، التي تعتبر معقلًا للتيارات اليمينية، وقال ميتسوتاكيس، إن "العديد من الأصوات المتطرفة في البرلمان لا تعني بالضرورة التعددية، بل ربما على العكس، تؤدي الى تنافر ديموقراطي"، محذرًا من التصويب للأحزاب اليمينية المتطرفة.
الورقة التركية
هذا وشكل موضوع الخلافات مع تركيا، وسياسة الهجرة، أوراقًا في الحملة الانتخابية. ونددت أحزاب اليمين، بما اعتبرته تدخلًا من قبل القنصلية التركية في دائرة رودوبي في منطقة تراقيا الواقعة في شمال شرق البلاد، حيث تعيش أقلية مسلمة كبيرة من أصل تركي، وهي الدائرة الوحيدة التي فاز فيها ائتلاف اليسار الراديكالي، واتهم حزب رئيس الوزراء السابق، الائتلاف اليساري بأنه دعم مرشحًا مقربًا من القنصلية التركية.
مأساة قارب المهاجرين
تعقد الانتخابات بعد أيامٍ من كارثة غرق مركب يقل مهاجرين قبالة السواحل اليونانية، وأدى الحادث إلى مصرع العشرات من المهاجرين وفقدان المئات، وقد طرد حزب الديمقراطية الجديدة المرشح للفوز بالانتخابات، من صفوفه أحد نوابه، بعد تعليقات عنصرية بشأن غرق مركب المهاجرين.
واعتبر النائب عن حزب الديموقراطية الجديدة سبيليوس كريكيتوس في مقابلة على يوتيوب، أن "الخسارة مأسوية في الأرواح، بما في ذلك الأطفال"، لكنه أضاف أن "اليونان لا تستطيع تحمل مزيد من المهاجرين" الذين اتهمهم بالسرقة.
وقال الحزب في بيان: "مثل هذه الآراء التي عبر عنها سبيليوس كريكيتوس لا مكان لها في حزبنا"، وأضاف أن "تصريحات الكراهية والعنصرية ليست جزءًا من قيمنا".
أظهرت نتائج الانتخابات أن الناخبين اليونانيين، أحجموا عن تأييدهم لائتلاف اليسار الراديكالي، حيث أنهم أرادوا قلب صفحة سنوات الأزمة المالية الحادة، خلال فترة حكم اليسار الراديكالي، وخطط الإنقاذ، التي أرهقت المواطنين بما تضمنته من شروط قاسية، دفعت بالعديد منهم إلى خط الفقر
واتبعت حكومة ميتسوتاكيس اليمينية المحافظة، التي تولت السلطة من عام 2019 إلى 2023 وتمكنت من الفوز في انتخابات أيار/مايو الماضية، سياسة متشددة لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، إذ شددت على التعامل الأمني مع الملف، وأغلقت حدودها أمام اللاجئين.
وتتهم وسائل إعلام يونانية ومنظمات غير حكومية، أثينا بتنفيذ عمليات "طرد قسرية، وغير قانونية" للمهاجرين في بحر إيجة.