انطلقت الخميس الانتخابات التشريعية التونسية، خارج تونس، ومن المقرر أن يتم التوجه نحو صناديق الاقتراع داخل البلاد يوم السبت القادم 17 كانون أول/ ديسمبر، لتكون هذه هي المرة الثانية التي يتوجه فيها التونسيون نحو صناديق الاقتراع منذ الانقلاب الذي قاده قيس سعيّد في تموز/ يوليو 2021، حيث جاء الأول قبل نحو 6 أشهر للاستفتاء على دستور جديد ومثير للجدل.
انطلقت اليوم الانتخابات التشريعية التونسية، خارج تونس، ومن المقرر أن يتم التوجه نحو صناديق الاقتراع في تونس يوم السبت القادم 17 كانون أول/ ديسمبر
وجاءت الانتخابات التونسية في الخارج مقدمة للحال التي ستكون عليها يوم السبت في الداخل، فمن بين 10 دوائر انتخابية في الخارج لم يترشح أيّ شخص في 7 منها، وفي الدوائر المتبقية ترشح شخص وحيد في كل دائرة، مما يعني فوزًا بالتزكية.
وانتخابات السبت هي الرابعة منذ الثورة التونسية، لكنها وبحسب منظمات مختصة في مراقبة الانتخابات لم تلق حماسًا كبيرًا، ووصفت الدعاية الانتخابية بـ"الفاترة والباهتة"، بدون أنشطة ميدانية للمرشحين أو استخدام الأماكن المخصصة للدعاية الانتخابية.
أمّا الحدث الأبرز في الانتخابات، فهو مقاطعتها التي تشمل تيارًا واسعًا من الأحزاب السياسية التونسية، التي ترفض نهج قيس سعيّد وترفض التعامل مع إفرازات الانقلاب والاستفتاء الذي لحقه، حيث تقاطع الانتخابات جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف أحزاب يضم حركة النهضة وحركة أمل وحراك تونس الإرادة وائتلاف الكرامة وقلب تونس وحركة البناء المغاربي)، وأحزاب حملة إسقاط الاستفتاء (التيار الديمقراطي وحزب التكتل وحزب العمال والحزب الجمهوري وحزب القطب الديمقراطي)، والحزب الدستوري الحر، وآفاق تونس، والمسار الديمقراطي الاجتماعي، والحزب الاشتراكي، وحركة مشروع تونس.
شعبيًا، تبدو الانتخابات "باهتة"، "دون روح"، "غريبة"، "لا تشبه سابقاتها"، "تذكرني بماض غير بعيد"، حسب مقتطفات من آراء نشطاء سياسيين أو مدنيين استطلعها "الترا تونس". وتتواتر هذه الإجابات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت عند الحديث والنقاش حول الانتخابات، فيما تهيمن على المشهد ذكرى من زمن نظام بن علي، حيث كانت مثل هذه المناسبات بلا معنى لا رهان فيها ولا عليها، ولا ينتظر التونسيون نتائجها. على الأرض فإن الانطباع العام في تونس أنها لا تشبه ما سبقها من انتخابات إبان الثورة، من حيث ضعف الدعاية والتواصل مع المواطنين وكذلك التغطية الإعلامية وخاصة ضعف الاهتمام الشعبي.
اقرأ/ي أيضًا: ما يجب معرفته عن الانتخابات التشريعية 2022 في تونس.. آخر محطات خارطة طريق سعيّد
وكانت حركة النهضة قد طلبت من أعضائها عدم الترشح في الانتخابات، كما نظمت جبهة الخلاص الوطني مسيرةً رفضًا للانتخابات وطالبت برحيل قيس سعيّد عن الحكم قبل أيام. فيما رفضت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية (أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والعمال والتكتل) المشاركة في الانتخابات وقالت إن "أولى مقدمات إنقاذ البلاد من المنظومة الشعبوية هو نزع الشرعية عن مؤسسات نظامها ومقاطعة مهزلتها الانتخابيّة"، في حديثٍ صحفي مطلع الشهر الجاري.
واعتبر أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، أنه "لم ير برنامجًا للرئيس قيس سعيّد، بل مجرّد غوغائية وشعبوية مفرطة ومواصلة في المسار الخاطئ" في تصريحات له الثلاثاء 6 كانون الأول/ ديسمبر 2022.
ومن المقرر أن يتنافس 1055 مرشحًا في الانتخابات التشريعية التونسية، التي تقام وفقًا للدستور الذي صاغه قيس سعيّد والذي يحمل حسب متابعين هدفًا واضحًا لتصفية المعارضة والقضاء على الأحزاب في تونس، وذلك من خلال إلغاء الترشح بالقوائم الحزبية وتحويل الترشح للأفراد، كما قام بإلزام كل مرشح بجمع 400 توقيع من أجل قبول ترشحه والتفرغ للعمل في البرلمان، بالإضافة إلى إلغاء التمويل العام للحملة الانتخابية، ومنع ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات، وإعادة ترتيب الدوائر الانتخابية. والنظام الانتخابي يعبر عن تصورات سعيّد الشخصية، خاصةً أنه سبق وطرح تصوره للانتخابات والنظام الذي يتفرض أن يكون لها في مقابلات صحيفة سابقة سواء قبل توليه الرئاسة أو خلالها، وهو ما عمل على ترجمته في القانون الانتخابي.
اقرأ/ي أيضًا: في محاولة فهم توجه قيس سعيّد في القانون الانتخابي القادم
وينّظر للانتخابات تونسيًا، باعتبارها محاولةً لإيجاد برلمان للمصادقة على مشاريع قوانين الرئيس دون وجود أي تأثير يذكر للنواب، خاصةً أن الدستور الجديد سلب البرلمان دوره في مراقبة الحكومة ومنعه من مساءلتها إلّا في ظروف أقرب للمستحيلة، فيما سيكون البرلمان التونسي القادم منزوع السياسة، وسيساهم في تقديم خطوة أخرى لشرعنة الانقلاب واستكمال حلقة ضمن "خارطة طريق قيس سعيّد"، نظرًا لكون الدستور الذي كتبه سعيّد يركز كافة الصلاحيات في يد السلطات التنفيذية، وتحديدًا في منصب رئيس الجمهورية.
تصميم سعيّد للانتخابات، جاء أيضًا باختيار أعضاء لجنة الانتخابات، التي لم تعد تهتم إلّا في القضايا التقنية والإجرائية
تصميم سعيّد للانتخابات، جاء أيضًا باختيار أعضاء لجنة الانتخابات، التي لم تعد تهتم إلّا في القضايا التقنية والإجرائية، وتحديدًا مواعيد الانتخابات، دون الاهتمام بالقانون الذي ستقوم عليه العميلة، والإشكاليات التي تشوبه والرفض الحزبي له. والذي ينعكس بوضوح في مدى التفاعل الشعبي مع الانتخابات.