01-أغسطس-2024
إيراني يحمل صورة إسماعيل هنية

(EPA) متظاهر إيراني يحمل صورة إسماعيل هنية

رسمت إسرائيل خطوطًا حمراء جديدة لإيران و"حزب الله" و"حماس" بعد اغتيالها رئيس المكتب السياسي للحركة وسط العاصمة الإيرانية طهران، واستهدافها قبل ذلك بست ساعات القيادي في الحزب فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأمام هذا المعطى الجديد، يتطلع الجميع للكيفية التي ستتعامل بها طهران، بين من يتوقع توسيع نطاق المواجهة مع التحكّم في مستواها، وبين من يرى أنّ إسرائيل تضطرّ "محور المقاومة" لحربٍ شاملة قد لا يكون راغبًا فيها، خاصةً أن إيران "تغاضت" عن اغتيال قاسم سليماني، وإن كان الاغتيال الجديد حدث وسط طهران، ما يجعله أكثر إحراجًا لأنه انتهك السيادة الإيرانية وأبان عن محدودية قدراتها في حماية نطاقاتها الجوية والأرضية، فضلًا أنه طال شخصية سياسية جاءت إلى البلد للتهنئة بمناسبة تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان.

وكان موقع "أكسيوس" الأميركي قد نقل عن مسؤولين إسرائيليين أن إدارة بايدن قلقة من أن اغتيال هنية في طهران قد يجعل تجنب حربٍ إقليمية أكثر صعوبة.

كما اعتبرت "كتائب القسام" أن اغتيال القائد إسماعيل هنية حدث فارق ينقل المعركة إلى أبعاد جديدة، في وقت أعلنت فيه إيران أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، أمر بتوجيه ضربة مباشرة لإسرائيل ردًا على اغتيال إسماعيل هنية.

يتطلع الجميع للكيفية التي ستتعامل بها طهران مع اغتيال "إسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، على أراضيها

وأعلن الحرس الثوري، فجر أمس الأربعاء: "استشهاد هنية وأحد حراسه الشخصيين إثر استهداف مقر إقامتهم في طهران" مؤكدًا، في بیان، أنه سيعلن نتائج التحقيق لاحقًا بعد دراسة أبعاد الحادث، متجنبًا التطرق إلى كيفية وصول "يد الغدر" إليه، رغم تأكيد "حماس" أن هنية قضى: "إثر غارة صهيونية غادرة".

وفي وقت سارعت فيه أعلى الجهات الأمنية في إيران إلى عقد اجتماع طارئ بحضور هرم السلطة وكبار القيادات الأمنية والعسكرية، بدأ الإعلام الإيراني يقطّر المعلومات عن عملية الاغتيال التي تمت قبيل الثانية فجرًا بما قيل إنه "صاروخ" أُطلق من خارج البلاد، واستهدف مقرًا خاصًا لقدامى المحاربين شمالي العاصمة. لكن عددًا من المراقبين شككوا في رواية الصاروخ، خاصةً أن هيئة البث الإسرائيلية روّجت لها بالقول إن: "هنية استُهدف بصاروخ أُطلق من دولة خارج إيران وليس من أجوائها".

ورجّح الباحث السياسي علي رضا تقوي نيا أن تكون ما وصفها بـ: "الخلايا الصهيونية النائمة في إيران قد نفذت العملية بواسطة الطائرات المُسيّرة الصغيرة والتي سبق واستخدمتها في أماكن أخرى"، معتبرًا أن: "عدم تفعيل أي من الرادارات الإيرانية يدحض فرضية إطلاق صاروخ من الخارج"، موضحًا أن المقر الذي كان قد نزل به هنية الليلة الماضية محصّنٌ بالكامل لكنه قابل للاختراق في حال تم إطلاق مُسيّراتٍ صغيرة من مكان قريب، تجعل من كشفها مهمةً عصيةً على المضادات الجوية.

ولا يمكن فصل عملية اغتيال هنية عن اغتيال إسرائيل للقيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر في غارة استهدفت مقرًا كان يتواجد فيه بضاحية بيروت الجنوبية.

ومن المستبعد، حسب المراقبين، أن يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الموافقة على اغتيالات بهذا المستوى دون ضوءٍ أخضر أميركي، رغم نفي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن علم واشنطن المسبق بعملية اغتيال هنية.

ويرى المحللون أن الضوء الأخضر الأميركي الذي سمح لإسرائيل بتنفيذ هذه الاغتيالات هو تمهيد لقبول نتنياهو بخطة وقف إطلاق النار المقترحة من طرف الرئيس الأميركي جو بايدن، وإن كان نتنياهو حرص في آخر جولة مفاوضات في روما على الحيلولة دون التوصل لاتفاق بسبب الشروط الجديدة التي جاء بها وفده للمفاوضات، وهي شروط تفنّن في طرحها عند كل جولة من المفاوضات.

وسيكون نتنياهو، حال قبوله بوقف إطلاق النار الآن، قد قدّم إنجازًا في عدوانه على غزة، يسوق به نفسه للداخل الإسرائيلي. لكن المقاومة ستبدو في موقف حرج حال استمرارها في المفاوضات، حيث ستثبت صحة مزاعم نتنياهو بأن الضغط العسكري عليها هو ما يدفعها للتنازل والتفاوض.

التعامل الإيراني

ونقلت "صحيفة نيويورك" تايمز عن مسؤولين إيرانيين أن القادة في طهران يدرسون شنّ هجومٍ بمسيراتٍ وصواريخ على أهداف عسكرية بمحيط تل أبيب وحيفا ردًا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية وسط طهران.

وتحسّبًا لمثل هذا السيناريو، أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية أن مدير "الشاباك" أصدر تعليمات استثنائيةً بشأن نتنياهو والوزراء استعدادًا للرد الإيراني على اغتيال هنية، وأخرى للسفارات الإسرائيلية برفع حالة التأهب والطلب من الدبلوماسيين تجنب الأماكن المزدحمة.

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولٍ في البنتاغون قوله" "حشدنا 12 سفينة حربية في الشرق الأوسط بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر".

كما نقلت "وول ستريت جورنال" عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، يعقوب أميدرور، قوله إن: "إسرائيل تستعد لردود فعلٍ على أراضيها وعلى أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج، وإيران تحاول إيجاد نقطة ضعف في النظام بإسرائيل أو في الخارج لاستخدامها ضدنا".

أما المتابعون في إيران، فيُجمعون على وقوع خرقٍ أمني كبير تتحمل السلطات في طهران مسؤوليته. لكنّ المحللين الإيرانيين يروجون في المقابل لفرضية الاستدراج، بالقول إن إسرائيل تخطط لاستدراج إيران إلى حرب مباشرة تدفع عبرها الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها، وتُفشل بها مساعي حكومة بزشكيان للتقرب من الغرب في يومها الأول. وتروج فرضية الاستدراج، في وجهها الآخر، لعدم إنجرار إيران للفخ الإسرائيلي، والتعامل معه، عكس ذلك، بهدوء!

وهذا بالضبط ما دعا إليه الأكاديمي الإيراني كريمي بور الذي حث مسؤولي بلاده: "على توخي اليقظة والحذر وعدم الوقوع في الفخ الذي نصبته لهم إسرائيل"، مؤكدًا أن تل أبيب: "تسعى من خلال هذه العملية إلى رفع معنويات جيشها"، معتبرًا أن: "إطلاق حربٍ إقليمية ستعني اللعب وفق أهداف إسرائيل الإستراتيجية".

ودعا كريمي بور قيادات بلاده إلى: "التصرف بدم بارد خلال اليوم الأول من رئاسة بزشكيان والقيام بخطوة متقابلة تدفع إسرائيل إلى ورطة داخلية دون الحاجة إلى تبني المسؤولية"، كما حض صانعي القرار في طهران: "على الاعتبار من هذا الحادث لمعالجة التحديات وترميم الخروقات الإستراتيجية" وفق تعبيره.

أمّا الخبير السياسي الإيراني صلاح الدين خديو، فيرى أنّ: "التزامن في اغتيال هنية واستهداف فؤاد شكر واختراق التحصينات الأمنية في بيروت وطهران بفارق 6 ساعات فقط، قد يؤدي إلى تطوراتٍ مصيرية في المنطقة"، معتبرًا أنّ الأجهزة التجسسية في إسرائيل حققت "إنجازًا أمنيًا" خلال سويعات عجزت عن تحقيق مثله في غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى الآن.

وأضاف الخبير الإيراني أنّ العمليتين الإسرائيليتين بمثابة رسمٍ إسرائيلي لخطوطٍ حمراء جديدة لإيران و"حزب الله" و"حماس" للتغطية: "على إخفاقاتها المتتالية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ثم عملية الوعد الصادق الإيرانية قبل أشهر وأخيرًا الحادث في مجدل شمس بالجولان السوري المحتل".

التزامن بين اغتيال هنية واستهداف فؤاد شكر واختراق التحصينات الأمنية في بيروت وطهران قد يؤدي إلى تطورات مصيرية في المنطقة

وبخلاف الرأي القائل بأنّ إسرائيل تدفع إيران وحلفائها دفعًا لخيار المواجهة الشاملة، يرى صلاح الدين خديو أن إسرائيل: "قد تهدف إلى توجيه رسالة غير مباشرة إلى حزب الله لردعه من شن حرب شاملة، وتحذره من أنها تمتلك الإرادة السياسية والقوة الأمنية والعسكرية لاستهداف أمينه العام حسن نصر الله في حال أقدم على مهاجمتها".

كما اعتبر الخبير الإيراني، المحسوب على التيار الإصلاحي، أنّ اغتيال هنيّة في طهران، قبل مغادرة الضيوف الأجانب المشاركين في مراسم أداء الرئيس بزشكيان اليمين الدستورية، بمثابة عملية استفزازية ترمي "لتحقير" طهران ووضع حدٍّ للآمال المعلقة على السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان خلال السنوات المقبلة.

وبخلاف الرأي القائل أيضًا بأن نتنياهو أقدم على عمليتيْ الاغتيال للحفاظ على ماء وجهه قبل الموافقة على صفقة وقف إطلاق النار، يرى خديو أن نتنياهو وافق على العمليتين للحيلولة دون صفقة تبادل الأسرى التي ستعني نهاية حياته السياسية، لذلك نجده: "يسعى لشراء الوقت عبر مثل هذه الاغتيالات حتى رئاسيات أميركا 2024 بانتظار فوز المرشح الجمهوري فيها دونالد ترامب لحسم حربه ضد حماس".