ما شهده الرّوس في عهد جوزيف ستالين منذ عام 1924 وحتى 1953 لم يكن عاديًا، حيث اتخذ الاتّحاد السوفييتيّ حينها تدابير مرعبة تجاه المعارضين بشتّى انتماءاتهم. ليس وحدهم السياسيون من عانوا الأمرّين، فقد طالت سياط السلطة الفنانين وأصحاب الكلمة، والشعراء.
يقدّر عدد وفيّات معسكرات الأشغال الشاقة حينها بأكثر من 120 ألفًا، واستطاعت قصص بعضهم أن تجد مهربًا من هوّة الجحيم تلك عبر روايات الناجين، وأبرزهم الروائي الروسيّ الراحل فارلام شالاموف الذي وثّق ما شهده في قصصه: قصص كوليما.
استطاع شالاموف في إحدى حكاياته المؤرخة عام 1958 تخليد ساعات الشاعر الروسيّ أوسيب ماندلشتام الأخيرة في قصة عنونها براندي الكرز (Cherry Brandy)، كناية عن قصيدة للشاعر حملت العنوان في متنها، وكأنّها محاولة معجونة بالأسى لإعادة تكوين وتسجيل ما عاشه أحد الشعراء التعساء في عهد ستالين.
ولد ماندلشتام عام 1891 في وارسو، ثم انتقل مع والديه إلى سان بطرسبرغ حيث نشأ ودرس، وحط رحاله لاحقًا في موسكو عام 1922.
في خريف عام 1933، اعتُقل ماندلشتام لأول مرة على خلفية قصيدة ساخرة من ستالين وصف فيها مناخ الرعب السائد حينها. نُفي ماندلشتام بعدها إلى بلدة "تشيردن" وسط روسيا لثلاث سنوات، حاول في بدايتها الانتحار برمي نفسه من النافذة بسبب ما تعرّض له من تعذيب نفسيّ وجسدي أثناء اعتقاله.
عاد ماندلشتام إلى موسكو بعدها، ثم اعتُقل مجددًا واتُّهم بتنفيذ "أنشطة مناهضة للثورة"، وحُكم عليه بالأشغال في "معسكرات الإصلاح". قبل أن يصل إلى هناك، مكث في معسكر عبور "ڤتورايا ريتشكا"، وهو محطة تأتي بعد السجن وقبل المعسكرات: معسكر "ترانزيتكا".
توفّي ماندلشتام في 27 كانون الأول/ديسمبر 1938 بحمّى التيفوئيد، ولم يُدفن إلا بعدها بأشهر في الربيع في قبر جماعيّ، مع كومة الموتى التي راكمها الشتاء.
هنا، ترجمة لقصته.
الشاعر يحتضر.
يداه الكبيرتان المنتفختان من الجوع الشديد مثبتتان على صدره على الرغم من البرد الشديد، بأصابع بيضاء نزح الدم منها، وأظافر طويلة ومعقوفة متسخة. قبل ذلك، كان يضمّ يديه على جسده العاري، لكن جسده الآن لا يملك ذرة من دفء. قفازاته سُرقت منذ وقت طويل، فالسرقة كانت مسألة وقاحة صرفة هنا، واللصوص يعملون في وضح النهار.
المصباح الكهربائي الخافت المغطى بالذباب الميت، والحبيس في قفصٍ دائري، معلّق عاليًا قرابة السقف. الضوء يهبط على قدمي الشاعر.
كان يرقد كما لو أنه في صندوقٍ غرق في عمق ظلام صفّ الأسرّة السفليّ الممتدّ. من حين إلى آخر، تتحرك أصابعه متحسسةً فراغًا أو فتحةً في معطفه تنفذ منها، أو حتى تنفض قليل التراب، مصدرةً صوت طرطقة صنجات موسيقية، قبل أن تقف جامدةً من جديد.
مضى وقت طويل والشاعر لم يمت، حتى نسي أنه يحتضر. من حين إلى آخر، كانت فكرة بسيطة تشقّ بقوّة درب الهوس المرضيّ المحسوس في عقله: قطعة الخبز التي وضعها تحت رأسه سُرقت. هذه الفكرة الفظيعة أحرقته إلى الحد الذي جعله يهبّ للعراك والشتم والجدال والبحث، لكنه لم يمتلك القوة لفعل أي من هذا كله، وتفكيره في قطعة خبزه تلاشى بعيدًا.
في ذلك الحين، كان يفكّر في شيءٍ آخر: سيأخذون الجميع إلى البحر، والسفينة تأخرت لسبب ما، وهو المحظوظ لوجوده هنا. تشبه ذات الفكرة الخفيفة التي عبرت رأسه عن وحمة الولادة الضخمة على وجه مسؤول مهجع السجناء.
جلّ ما شغل تفكيره خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة، هي الأحداث التي عاشها هنا. الرؤى والصور التي كان يراها، لم تكن عن طفولةٍ أو شباب ولا حتى عن ذروة عطاء وإنجاز. كان طيلة حياته يمضي مسرعًا ليصل إلى مكانٍ ما، البديع في الأمر الآن أنه لم يعد بحاجة لأن يسرع، وأنه يستطيع التفكير ببطء وعلى مهل. فكّر خلال أوقات الفراغ بروتينية حركات فراش الموت المملة، شيء استطاع الأطباء فهمه ووصفه قبل الفنانين والشعراء بوقت طويل. ملامح أبقراط، قناع موت الرجل، مألوفة لكل طالب طب. هذه الروتينية الغامضة لحركة فراش الموت استفزّت أكثر فرضيات فرويد جرأة. الروتين والتكرار هما قاعدة الأساس للعلم.
ما يميّز الموت، سعى إلى معرفته الشعراء لا الأطباء. كان مريحًا رؤية أنه ما يزال قادرًا على التفكير. اعتاد منذ وقت طويل على الغثيان بسبب الجوع، وكلّ شيء كان على رتبة واحدة: أبقراط، وأظافره المتّسخة، ومسؤول المهجع ذو الوحمة. كانت الحياة تنحسر وتطفو فيه: إنه يموت، لكن الحياة تظهر من جديد، فتُفتح عيناه وتُخلق أفكاره. الرغبات وحدها هي التي فشلت في الظهور. لقد عاش منذ وقت طويل في عالمٍ عادةً ما يُعاد فيه الموتى إلى الحياة، بتنفّس اصطناعي أو محلول غلوكوز أو كافور أو كافيين. الموتى أصبحوا هم الأحياء مجددًا. ولم لا؟
كان يؤمن بالخلود، بالخلود الحقيقي للإنسان. كان يفكّر دائمًا بعدم وجود سبب بيولوجي يمنع الإنسان من العيش إلى الأبد، ببساطة. الكهولة والهرم مجرّد مرضٍ يُعالَج، ولولا سوء الفهم التراجيدي الذي لم يجدوا له حلًا بعد، لأمكنه العيش أبد الدهر، أو على الأقل حتى يتعب من الحياة، وهو الذي لم يختبر الحياة أبدًا، حتى داخل هذا المهجع المؤقت، أو "الترانزيتكا" كما يسميه قاطنوه بحبّ.
معسكر العبور (الترانزيت) هذا كان حجرة انتظار للرعب، لكنه لم يكن الرعب بعينه. بل على العكس تمامًا، كان هناك طيف حرية حيٌّ هنا، والجميع يشعرون به. المعسكرات الحقيقية ستأتي لاحقًا، والسجون غدت من الماضي. كان هذا "السلام في الطريق إلى هناك"، والشاعر وعى وفهم ذلك. هناك ممر آخر إلى الخلود، كما رسمه تشيخوف:
"طوبى لمن عبر خلال هذا العالم
في أكثر لحظاته مصيرية".
لكن، وبما أنه لم يكن مقدّرًا له الخلود بهيئته البشرية فيما يبدو، بكيانه الماديّ، فقد حاز الخلود الإبداعي على الأقل. لقد سُمّي بأعظم شاعر روسيّ في القرن العشرين، ولطالما فكّر بأنّ هذا صحيحًا وحقيقيًا، لقد آمن بأبديّة شعره. لم يكن لديه أي تلاميذ، وهل يحتمل الشعراءُ التلاميذ؟
كتب نثرًا سيئًا، ومقالات أيضًا، لكن في الشعر فقط وجد ما كان جديدًا ومهمًّا، كما اعتقد دائمًا. حياته السابقة كلها كانت أدبًا وكتبًا وقصصًا خيالية وأحلامًا. اليوم فقط، هو الحياة الحقيقية. كل هذه الأفكار، أخذت مكانها خفية داخل أعماق ذاته، لا كحوارات. لم يمتلك الشاعر ما يكفي من الشغف للتأمّل.
تملّكت شعابه اللامبالاة، مثل فئرانٍ تحوم وتتخبط باحثةً عن الفتات. كم كان كلّ شيءٍ تافهًا مقارنة بوزن الحياة القاسي.
كان مندهشًا من نفسه. كيف أمكنه التفكير في الشعر بهذه الطريقة وقد تقرر كل شيء، وهو الذي يدرك ذلك، أكثر من أي أحد؟ من يحتاجه هنا، ومن يهتم؟
لكن، لماذا استوجب عليه فهم كل هذا؟ انتظر الشاعر.. ثم فهم.
في اللحظات التي عادت فيها الحياة لتجري في جسده وأبواب عينيه الزجاجيتين نصف مفتوحة، عاد ليرى، بأجفانٍ مرتعشة وأصابع ممسوسة. ثم زارته خواطر لم يفكّر بأنّها ستكون الأخيرة له.
اندفعت الحياة فيه هكذا دون استئذان، كخطى سيّدة بيت واثقة. هو لم يدعُها، لكنّها رغم ذلك سرت في جسده، وفي عقله، على دفقات بهيئة أبيات شعر، بهيئة إلهام. لقد كُشف الغطاء عن هذه الكلمة لأول مرة بمعناها الممتلئ.
كانت أبيات الشعر هي القوة التي تهبه الحياة وتبقيه حيًا، هكذا فقط. هو لم يعش من أجل الشعر، بل عاش به.
بات الأمر جليًا الآن، واضحًا بشكل ملموس، وحيُ الشعر وبعثُ الحياة شيء واحد. على حافة الموت فقط، أتيح له تعلّم أن الحياة هي الإلهام: الإلهام وحده. كان ممتنًا لمعرفة هذه الحقيقة الأخيرة.
كل شيء، العالم بكليّته كان موازيًا ومشابهًا للشعر: العمل، وصوت حوافر الحصان، البيت والطائر، الصخور والحب، الحياة بمجملها وجدت طريقها داخل الشعر، واستقرّت فيه بارتياح مسافر. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، لأن أبيات الشعر، هي الكلمة.
حتى الآن، بُعثَت مقاطع الشعر بخفّة واحدًا تلو الآخر، وعلى الرغم من أنّه لم يكتب أي كلمة منذ زمن ولم يملك القدرة على ذلك، إلا أن الكلمات خرجت من فمه منظومةً بإيقاعٍ كقدرٍ محتّم، وفي كل مناسبة، كان إيقاعًا استثنائيًا.
كان النظم والإيقاع وسيلة بحث، أداة موسيقية لبحثٍ مغناطيسيٍّ عن الكلمات والمفاهيم. كل كلمة كانت قطعة من هذا العالم، وتفاعلت مع الإيقاع، والكون اخترق كل شيءٍ بسرعة آلة كهربائية. كلّ شيءٍ في الدنيا صرخ: "خذني! لا، خذني أنا!". لم يتوجّب عليك حتى البحث عن أي شيء، كان يمكنك الرفض فقط.
بدا وكأن هناك رجلان هنا: أحدهما ينظم الشعر، ذاته الذي يدفع دوران العجلة بأقصى سرعة، والآخر الذي يقرر إيقاف الآلة التي حرّك الأوّل مفاصلها. بعدما رأى أنه شخصان في واحد، أدرك الشاعر أنه ينظم شعرًا حقيقيًا الآن.
ولماذا على الشعر أن يُكتب؟
التدوين والطباعة غرور محض. أجمل الشعر هو ما لم يُكتب أو يسجّل، الذي ذاب بعد نظمه وتبخّر دون أي أثر. وحدها نشوة الإبداع التي أحسّ بها، والتي لا يمكن الخلط بينها وبين أي شعور آخر، أثبتت خلق الشعر وأن شيئًا عظيمًا تكوّن من العدم. هل يمكن له أن يكون مخطئًا؟ هل كان إبداعه معصومًا؟ لقد تذكّر ضعف ووهن أشعار أليكساندر بلوك الأخيرة، وأنّ أليكساندر لم يكن يدرك ذلك.
أجبر الشاعر نفسه على التوقّف. كان التوقف عن الشعر هنا أسهل من أي مكانٍ في موسكو أو لينينغراد. في هذا المرحلة، أدرك ببرودٍ أنه لم يفّكر في أي شيء منذ وقت وجيز.
كانت الحياة تنسلّ بعيدًا. لساعات طويلة كان يرقد كالصنم، ثمّ رأى فجأةً أمامه ما يشبه هدفَ بندقيّةٍ أو خريطة جغرافية، أيًّا كان ما رآه، فقد كان أصمّ، وجهوده الحثيثة لفهم ما يمثّله ذلك لم تثمر. مضى وقت لا بأس به قبل أن يحلّ شيفرة اللغز، حقيقة أنه كان ينظر إلى رؤوس أصابع، أصابعه هو.
كانت لا تزال تحتفظ بآثارٍ بنيّة اللون من السجائر الرخيصة التي دخّنها، ثم امتصّها حتى آخرها. قطن السجائر خلّف علاماتٍ متصلة تشبه التي تجدها في خرائط الجبال. أصابعه العشرة امتلكت النمط ذاته من الدوائر متحدة المركز، كحلقات الشجر المبتور.
تذكّر ما حصل في وقتٍ ما خلال طفولته، عندما قام رجل صينيّ يعمل في مغسلة داخل قبو المنزل الذي نشأ فيه بإيقافه في الشارع. أخذ الرجل يد الطفل ثم الأخرى بعفوية، قلب الكفّين ثم صرخ بحماسٍ شيئًا بالصينية. اتّضح لاحقًا أن الرجل كان يُعلن للجميع أن الفتى سيكون محظوظًا، ولديه في خطوط راحتيه من البراهين ما يثبت ذلك.
لطالما تذكّر الشاعر علامة الحظ هذه، خاصةً في الوقت الذي طبع فيه كتابه الأول. الآن، هنا، تذكّر الرجل الصينيّ دون أي شعورٍ بائسٍ أو ساخر. هو لم يكترث على أية حال.
المهم الآن أنّ الشاعر لم يمت بعد. لكن مهلًا، ما معنى أن يُقال "مات شاعرًا"؟ لا بدّ أن هناك شيئًا طفوليًا وساذجًا حول موت كهذا. "مات ممثلًا": هذا يحمل بعض المنطق، أمّا "مات شاعرًا"؟ نعم، ساورته شكوك حول مصيرة المنتظر. معسكر العبور أتاح له وقتًا ومساحة لفهم وتوقّع كثير من الأشياء، وكان ممتنًا. ممتنّ بهدوء لحالته المهترئة، وتمنّى فناء حياته.
تذكّر جدالًا قديمًا في السجن: أيهما أسوأ وأكثر رعبًا، السجن أم معسكر الأشغال الشاقة؟ لم يتيقّن أحد من إجابته، فالحجج كانت مبنية على توقعات محضة، وكم كانت قاسية ابتسامة رجل جيء به إلى ذلك السجن من المخيّم. لم ينسَ الشاعر أبدًا ابتسامة الرجل، لدرجة أنه كان يخشى تذكّرها.
تأمّل إحكامه خداع الذين أتوا به إلى هنا لو مات الآن، سيسرق منهم عشر سنواتٍ كاملة. قبل عدة أعوامٍ كان منفيًا، وعلِم حينها رسوخ اسمه بشكل دائم في "قائمة خاصة". بشكل دائم؟ الموازين اختلفت الآن، والكلمات اكتست ثياب معانٍ جديدة.
شعر ببداية دفقة قوّة أخرى، مثل موجة بحر في الأفق. موجة عالية تدوم لساعات، تتبعها أخرى قصيرة وخائرة القوى، لكن البحر لا يتراجع إلى الأبد. ما زال بإمكانه التعافي.
فجأةً، أحسّ بالجوع. لكن جسده نسي معنى الحركة وكان أضعف من ذلك. تذكّر ببطء وصعوبة إعطاءه حصّته من الحساء لجاره، وأنّ كوبًا من الماء المغليّ كان جلّ ما غذّى به قامته خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، إلى جانب الخبز، بالتأكيد. لكنّ الخبز وُزّع قبل وقت طويل، طويل جدًا. وخبز الأمس سُرق، ما يزال أحدهم يمتلك بعض القوّة للسرقة.
ها هو ذا، يرقد بهدوء دون أفكار، حتى أتى الصباح.
ضوء المصباح الكهربائيّ مال للصفرة أكثر، وجاؤوا بالخبز على العربات الخشبية كما يفعلون كل يوم. لكنّ الشاعر لم يعد قلقًا؛ لم يحاول حتى أن يصيب بنظره قطعة خبزٍ بأطراف مقرمشة منتفخة، ولم يعلُ صوت نواحه حين ظفر شخص آخر بها.
أصابعه المرتعشة لم تُقحم قطعة الخبز الموزونة في فمه دفعة واحدة حيث كانت لتذوب ووجوده بأكمله يتحسس طعم الخبز ورائحته الطازجة، حصّته الموزونة لم تعد في فمه، مع أنّ وقت المضغ فاته وفكّه لم يتحرك. قطعة خبز ذابت، اختفت، وهذه معجزة بحقّ. إحدى المعجزات الكثيرة هنا.
لا، لم يكن متوتّرًا كفاية حتى يعيش ذلك. لكنّهم حين وضعوا حصّته اليومية في يديه، غرز الشاعر أصابعه البيضاء الشاحبة فيها وأقحمها في فمه. عضّ عليها بأسنانه المتعفّنة التي تهيّأت للسقوط مع نزيف لثته. لم يشعر بأي ألم. دفع الخبزة في فمه بكلّ قوة، يمتصّها ويمزّقها.
حاول جيرانه إيقافه: "لا تأكلها كلها، من الأفضل لك أكلها بعد حين، لاحقًا".
وفهم الشاعر.
حدّق في من حوله بعيون مفتوحة على مصراعيها، وأصابع متشبّثةٍ بخبز ملطّخٍ بالدم: "ماذا تعنون، لاحقًا؟". ثم أغلق عينيه.
مع حلول المساء، كان ميتًا.
لكنّهم أبلغوا عنه بعد مضيّ يومين كاملين. جيرانه الشجعان استطاعوا أخذ خبز رجلٍ ميت لمدة يومين وقت توزيعه. يد الرجل الميت ارتفعت لتأخذ حصتها، كيد دمية.
لذلك، فقد مات الشاعر قبل تاريخ موته. يا لها من مفارقة مثيرة للاهتمام لكتّاب سيرته الذاتية في المستقبل.
الفراغ
يلطخ شفاهي ولا يترك أثرًا
الضياع
يدفع إصبعا في وجهي
سأقولها لكِ بصراحة،
وللمرة الأخيرة:
إنه براندي كرز جنوني،
يا ملاكي.