23-يونيو-2024
مركز للجالية اليهودية في تايوان (رويترز)

مركز للجالية اليهودية في تايوان (رويترز)

تسعى تايوان وإسرائيل، منذ عقود، إلى تشكيل علاقةٍ نموذجية، يدعمها من جهة تشابه الظروف الخاصة بنشأتيهما من جهة (تأسست إسرائيل 1948 وتايوان 1949)، ومن جهة ثانية يدعمها ارتباطهما الوثيق بالولايات المتحدة الأميركية.

وعادت علاقة تايوان وإسرائيل إلى الواجهة مع قيام وفدٍ برلمانيٍ إسرائيلي أواخر نيسان/إبريل الماضي بزيارة تايبيه، وكانت هذه الزيارة هي الثانية التي يجريها وفدٌ إسرائيلي من مختلف الأحزاب الإسرائيلية خلال عامٍ واحدٍ لتايوان، في مؤشرٍ على متانة العلاقة بين الطرفين، وذلك على الرغم من عدم مجازفة إسرائيل لحد اللحظة بالاعتراف بتايوان وإقامة علاقات دبلوماسية كاملةٍ معها.

ويلاحظ المتابعون للعلاقات التايوانية الإسرائيلية أنّها تحسنت بشكلٍ ملحوظٍ منذ الهجوم الذي قادته حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر  على إسرائيل.

وقعت إسرائيل وتايوان عشرات الاتفاقيات لتعزيز العلاقات الثنائية. وفي عام 2022، وصلت تجارة إسرائيل مع تايوان إلى أكثر من 2.67 مليار دولار

عقب هذا الهجوم، تبرعت تايبيه بأكثر من نصف مليون دولار لإسرائيل لمساعدة الجنود وعائلاتهم وتمويل الخدمات البلدية. كما دانت تايبيه هجوم "حماس" وعبرت عن دعمها وتعاطفها القوي مع إسرائيل.

واحتفاءً منها بموقف تايبه، أشادت المبعوثة الإسرائيلية لدى تايوان، مايا يارون، بالدعم القوي الذي تقدمه حكومة تايبه وعلى رأسها الرئيسة، تساي إنج وين، قائلةً إن "تايوان صديقةٌ حميمةٌ بحق لإسرائيل ونحن نقدر بالفعل كل شيء يصلنا منها".

في المقابل أكدت يارون خيبة أمل الحكومة الإسرائيلية بسبب عدم تنديد بكين بهجمات حماس على المدنيين، وفق تعبيرها، وكانت بكين نددت بالعنف والهجمات على المدنيين في الصراع بين إسرائيل وحماس، لكن وزير خارجيتها، وانغ يي، وصف أفعال إسرائيل بأنها “تتجاوز حد الدفاع عن النفس”، بينما لم يشر لحماس في تصريحاته.

ويشار ههنا إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة أودى بحياة أكثر من 37 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 100 ألف جريحٍ بالإضافة لانهيار المنظومة الصحية والبنية التحتية المدنية للقطاع، مما أدى إلى اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.

لكن هذا لم يزعج هذا تايوان، الجزيرة المدعومة من الولايات المتحدة والتي تسعى إلى تأكيد هويتها كأمة، وذلك ما تحول بينها معه مطالبة الصين بها باعتبارها مقاطعةً انفصالية، وتلوّح بكين بضمّها عسكريًا.

خلفية تاريخية لتطور علاقات تايوان مع إسرائيل

سبق لماو تسي تونغ أن قال إن "إسرائيل وتايوان قاعدتان لعمليات الإمبريالية في آسيا. لقد خلقوا إسرائيل للعرب وتايوان لنا. كلاهما لهما نفس الهدف".

ويرى الخبير في الشؤون الصينية، أرنود برتراند، أنه "بشكلٍ تلقائيٍ تقريبًا، إذا دعمت الصين جانبًا، فإن تايوان ستدعم الجانب الآخر". وهذا ما يفسر بالنسبة إليه انحياز تايوان إلى إسرائيل مبكّرًا.

وفي حديثه لموقع ميديل إيست أي قال أرنولد برتراند: "إن الصين كانت تاريخيًا داعمة للقضية الفلسطينية، الأمر الذي أثار استياء إسرائيل". ويشار ههنا إلى ما قاله ممثل الصين لدى محكمة العدل الدولية شباط/فبراير الماضي من أنّ "استخدام الفلسطينيين للكفاح المسلح للحصول على الاستقلال عن الحكم الأجنبي والاستعماري أمرٌ مشروع ومبنيٌ على أسسٍ متينة في القانون الدولي".

وعلى هذه الخلفية، وجدت تايوان وإسرائيل قضية مشتركةً. وعلى مدار الخمسين عامًا الماضية من علاقتهما غير الرسمية، وقعتا عشرات الاتفاقيات لتعزيز العلاقات الثنائية. وفي عام 2022، وصلت تجارة إسرائيل مع تايوان إلى أكثر من 2.67 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الغراء الذي تخندقهما معًا يعتمد "بشكل كامل تقريبًا على الدعم الإمبريالي الأمريكي"، وفق تصريحات برتراند لميدل إيست آي.

كيف تطورت علاقات تايبيه بتل أبيب؟

مع ذلك يشير الخبراء إلى أن العلاقات الدافئة المتزايدة بين تايوان وإسرائيل في العقود الأخيرة لم تكن دائمًا أمرًا مفروغًا منه، على الرغم من اعتمادهما المشترك على الولايات المتحدة.

فقد كانت الحكومة القومية الصينية داعمةً لإسرائيل عندما خرجت من نكبة عام 1948. وبعد أن أجبرت الحرب الأهلية الصينية القوميين على الخروج من البر الرئيسي للصين إلى تايوان، اعترفت إسرائيل بالإدارة الشيوعية الجديدة في بكين في عام 1950.

واستند النهج الإسرائيلي على افتراض أن كونها أول دولة في الشرق الأوسط تعترف ببكين، من شأنه أن يساعد في تشكيل تحالفٍ طويل الأمد مع الصين.

لكن بكين كانت لديها حساباتٌ أخرى، ففي عام 1951، أكَّد وزير الخارجية الصيني، تشو إن لاي، على أن "الصين لن تقيم علاقات مع إسرائيل. لأن إقامة العلاقات مع إسرائيل لن تأتي بأي شيء جوهري، علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي إلى تدهور العلاقات مع دول الجامعة العربية".

وتجنبت تايوان في البداية، على الأقل علنًا، التقرب من إسرائيل. إذ تمتعت تايبيه بعلاقات دبلوماسية كاملة مع تركيا والمملكة العربية السعودية وإيران والكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة.

وبالإضافة إلى المساعدة الدبلوماسية التي قدمتها هذه الدول، توفر دول الخليج العربي أيضًا 99 % من احتياجات تايوان النفطية.

ومع ذلك، فإن هذا الدعم العربي والإسلامي السخي لم يمنع الجانبين التايواني والإسرائيلي من تطوير "التعاون الأمني وتوثيق العلاقة بينهما في الستينيات والثمانينيات" بشكل سري، كما قال مور سوبول، الخبير في علاقات الصين والشرق الأوسط في جامعة تامكانغ في تايوان.

سبق لماو تسي تونغ أن قال إن "إسرائيل وتايوان قاعدتان لعمليات الإمبريالية في آسيا. لقد خلقوا إسرائيل للعرب وتايوان لنا. كلاهما لهما نفس الهدف"

فخلال هذه الفترة، شكلت إسرائيل وتايوان ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ما أسمته صحيفة لوس أنجلوس تايمز في مقال نشر في الثمانينات "تحالف المنبوذين".

لكنّ إسرائيل ظلت حذرةً في علاقاتها مع تايوان، فهي تعترف بسياسة الصين الواحدة، وتقلل دائمًا من حدة لهجة انتقادها للصين، على الرغم من الضغوط الأميركية عليها في هذا المجال. لكن هجوم السابع من أكتوبر وموقف الصين منه والضغط الأميركي المتواصل دفع "بعض الدوائر في إسرائيل - على سبيل المثال، المؤسسة الأمنية والأوساط الأكاديمية – إلى التشكيك في سياسات إسرائيل تجاه بكين"، وبات التساؤل جديًا "عما إذا كان الوقت قد حان للتقرب من تايبيه أكثر؟".

إلا أن علاقة تايوان بإسرائيل لا تزال حساسة، ويبدو أن تايبيه، حسب خبراء، تدرك تمام الإدراك أنها لا تستطيع حرق كل جسورها مع العالم العربي والإسلامي من خلال التحالف الوثيق مع إسرائيل.

وفي أيار/مايو، أعلنت تايوان عن تبرعٍ بقيمة 500 ألف دولار للمساعدة في تزويد الفلسطينيين في غزة بالطعام والمياه النظيفة والملابس والخيام.

وفي الشهر نفسه، نشرت صحيفة "تايوان بلاس"، وهي وسيلة إعلامية عامة، مقطعًا حول سبب تعاطف جزءٍ كبيرٍ من الجمهور التايواني مع إسرائيل بشأن فلسطين على منصة إكس (تويتر سابقًا) ويوتيوب، لكن سرعان ما تم سحب الفيديو.

وعلق برتراند على هذه الواقعة بالقول: "لقد قاموا بسرعة بإلغاء نشره لأنهم ربما أدركوا مدى إضراره بصورتهم وتقويض هدفهم المتمثل في حشد المزيد من الدعم الدولي لقضيتهم".

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تكشف عن تعاطف كبير في الجمهور التايواني  مع إسرائيل، إلّا أنّ أوساطًا تايوانية أخرى تظهر تعاطفًا مع الفلسطينيين، ويتحدث البعض عن إمكانية حدوث تغييرٍ في المواقف الشعبية التايوانية، وفي هذا الصدد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة الرأي العام التايوانية مؤخرًا أن ما يزيد قليلًا عن 35 % من السكان يؤيدون إسرائيل، في حين أن أقل من 15 % يتعاطفون مع الفلسطينيين.