تقترب الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا من إكمال عام من عمرها، كانت كفيلةً بإغراق العالم بأسره في سلسلة من الأزمات والتحديات الاقتصادية، مخلفةً وراءها أزمة غذاء عالمية حادة، ألقت بظلالها على ملايين المستهلكين.
تقترب الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا من إكمال عام من عمرها، كانت كفيلةً بإغراق العالم بأسره في سلسلة من الأزمات والتحديات الاقتصادية
ووفق تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، عن تداعيات الحرب في اوكرانيا، فإن روسيا وأوكرانيا مسؤولتان معًا عن 14% من إمدادات القمح، و10% من إمدادات الشعير في العالم، و4% من إمدادات الذرة. ويعتمد عليهما نحو 50 بلدًا لتأمين 30% أو أكثر من إمدادات القمح. وبفعل العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على روسيا بسبب الحرب، قامت روسيا بشكل متعمد بتعطيل إمدادات الغذاء العالمية، وفرضت موسكو قيودًا على صادراتها، مما أدى إلى زيادة التكاليف في أماكن أخرى من العالم، والأهم من ذلك أنها أوقفت مبيعات الأسمدة التي تحتاجها الدول الزراعية في العالم، حيث كانت روسيا قبل الحرب أكبر مصدر للأسمدة.
ومنذ الغزو الروسي، صدرت أوكرانيا ما معدله 3,5 مليون طن متري من الحبوب والبذور الزيتية شهريًا، وهو انخفاض حاد عن المعدل الذي كان يتراوح ما بين 5 ملايين إلى 7 ملايين طن متري شهريًا كانت تصدرها قبل بداية الحرب في شباط/ فبراير من العام الماضي، وفقًا لبيانات وزارة السياسة الزراعية والغذاء في أوكرانيا.
وبفعل الحرب، وصلت حالة الأمن الغذائي في العالم إلى مستوى غير مسبوق من الانحدار، حيث ساهمت في انتشار المجاعة والفقر والوفيات المبكرة. كما أن الأزمة تزداد سوءًا، بسبب الجفاف في القرن الأفريقي والطقس القاسي بشكل غير عادي في أجزاء أخرى من العالم.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 345 مليون شخص يعانون أو معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في عام 2019. وتسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار إلى أزمة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا والأمريكتين، وأدى تواصل الحرب إلى حرمان الفقراء في العالم من الطعام.
ومع حلول فصل الشتاء، زادت روسيا من وتيرة هجماتها على البنية التحتية في أوكرانيا، حيث يستهدف الجيش الروسي عمدًا منشآت تخزين الحبوب في أوكرانيا، ويدمر مصانع معالجة القمح. وأرغمت تلك الهجمات المزارعين في أوكرانيا إلى الفرار من أراضيهم، وتضررت البنية التحتية في القطاع الزراعي، التي كانت تنتج وتنقل القمح وزيت عباد الشمس إلى الأسواق الخارجية.
ففي مزرعة تقع على بعد 190 ميلًا جنوب كييف، التحق 40 من 350 موظفًا بالجيش الأوكراني، وأدى ذلك إلى نقص في اليد العاملة بالمزرعة، وقال الشريك الهولندي في المزرعة، إن "الهجمات الروسية على شبكة الطاقة أدت إلى إغلاق مصنع يزود مزرعته وآخرين بالأسمدة النيتروجينية"، وأضاف الشريك الهولندي "لقد انخفض محصول هذا العام بالفعل، وإذا استمر الروس على هذا المنوال، فقد يكون حصاد العام المقبل أسوأ".
بالإضافة لذلك فإن تكاليف النقل ارتفعت بشكل حاد بالنسبة للمزارعين في أوكرانيا، حيث كان المزارعون قبل الحرب يشحنون 95 % من صادرات القمح والحبوب في البلاد عبر البحر الأسود، حيث كانت التكلفة تتراوح ما بين 23 دولارًا إلى 24 دولارًا للطن الواحد لنقل المنتجات إلى الموانئ وعلى متن السفن، لكن التكلفة تضاعفت أكثر، والطريق البديل بالشاحنة إلى رومانيا يكلف 85 دولارًا للطن.
كما اضطرت مصانع الأسمدة الأخرى في أوروبا إلى إيقاف أو إبطاء الإنتاج العام الماضي، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي نتيجة للحرب، ويشكل الغاز الطبيعي عاملًا بالغ الأهمية في إنتاج الأسمدة.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير عن الحرب في أوكرانيا والمجاعة في العالم، إن روسيا تواصل إغلاق 7 من أصل 13 ميناءً تستخدمها أوكرانيا، وبموجب اتفاقية أطلق عليها "مبادرة البحر الأسود" وعقدتها الأمم المتحدة وتركيا وروسيا وأوكرانيا في تموز/ يوليو الماضي، تصدر أوكرانيا الحبوب من 3 موانئ فقط.
وبموجب هذا الترتيب، يجب فحص كل سفينة تغادر أحد الموانئ الأوكرانية المسموح التصدير منها عبر البحر الأسود من قبل فرق مشتركة من الموظفين الأوكرانيين والروس والأتراك والأمم المتحدة بمجرد وصول السفينة إلى اسطنبول.
وكانت الاتفاقية سارية لمدة 4 أشهر فقط، وتم تمديدها في تشرين ثاني/ نوفمبر لمدة 4 أشهر أخرى، لكن نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إيزوبيل كولمان، قالت إنه عندما هددت روسيا بالانسحاب من الاتفاقية في تشرين أول/أكتوبر الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 5 إلى 6 %، وأضافت أن "آثار هذه الحرب مدمرة للغاية"، وتابعت "بوتين يدفع ملايين الناس إلى الفقر".
تتزامن هذه المعطيات عن تأثيرات الحرب في أوكرانيا على أزمة الغذاء العالمي مع الصورة القاتمة التي قدمتها مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، للاقتصاد العالمي عام 2023، حيث رجحت جورجيفا أن يكون العام الحالي أكثر صعوبة على الاقتصاد العالمي من العام الماضي، متوقعة دخول ثلث الاقتصاد العالمي في حالة ركود.
وقالت جورجيفا في حوار تلفزيوني مع قناة "CBS" الأمريكية إن العام الجديد سيكون "أصعب من العام الذي نتركه خلفنا"، مضيفةً: "لماذا؟ لأن الاقتصادات الرئيسية الثلاثة، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، تتباطأ جميعها في وقت واحد". كما أشارت جورجيفا إلى أن "الاقتصادات الناشئة حالها أسوأ، بسبب مستويات الدين وقوة الدولار".
وكشفت مديرة الصندوق الدولي التي سافرت للصين في مهمة لصندوق النقد الدولي أواخر الشهر الماضي، أنه من المرجح أن يكون نمو الصين في عام 2022 مساويًا للنمو العالمي أو دونه، وأضافت أن "الزيادة الكبيرة المتوقعة في الإصابات بفيروس كورونا هناك خلال الأشهر المقبلة ستلحق الضرر بالاقتصاد الصيني على الأرجح هذا العام، وتؤثر على نمو المنطقة والعالم"، وتابعت "كنت في الصين الأسبوع الماضي داخل فقاعة في إحدى المدن الخالية من كوفيد-19، لكن هذا سيتغير بمجرد أن يبدأ الناس في السفر"، وأوضحت أنه "في الشهرين المقبلين، سيكون الأمر صعبًا على الصين، وسيكون التأثير على النمو الصيني، وعلى المنطقة ككل، سلبيًا، كما سيكون سلبيًا على النمو العالمي".
ومع ذلك، تشير تعليقات مديرة الصندوق الدولي إلى أن خفضًا آخر لكل من توقعات النمو في الصين والعالم قد يتم في وقت لاحق من هذا الشهر، عندما يكشف صندوق النقد الدولي عادةً عن توقعاته المحدثة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا.
ويعاني الناس في دول عدة حول العالم من التضخم بمستويات لم تُسجل منذ عقود، مع ارتفاع أسعار سلع وخدمات ضرورية، مثل الطعام والتدفئة والنقل والإقامة، وعلى الرغم من أن ذروة التضخم ربما تلوح في الأفق، فإن آثاره قد تزداد سوءًا.
يعاني الناس في دول عدة حول العالم من التضخم بمستويات لم تُسجل منذ عقود، مع ارتفاع أسعار سلع وخدمات ضرورية
حيث تهيمن مخاوف تكاليف المعيشة على سياسات الدول الغنية، ويزيد ارتفاع أسعار المواد الغذائية من حدة الفقر والمعاناة في البلدان الفقيرة، ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 70 مليونًا آخرين في جميع أنحاء العالم باتوا على شفا المجاعة بسبب الحرب في أوكرانيا، فيما يسميه بـ"تسونامي الجوع".