12-أغسطس-2024
العلم الإيراني خارج مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية

العلم الإيراني خارج مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية (رويترز)

أظهرت تقييمات جديدة لوكالات الاستخبارات الأميركية أنّ إيران تقوم بأبحاث جعلتها في وضع أفضل لإطلاق برنامجٍ للأسلحة النووية. ومع ذلك، أكد مسؤولون في واشنطن لصحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ طهران لا تسعى حاليًا لامتلاك سلاحٍ نووي على الرغم من انخراطها في أنشطة يمكن أن تساعدها في القيام بذلك.

واعتبرت الصحيفة، في تعليقها على التقييمات الأميركية الأخيرة، أنّ هذا التحول بشأن الجهود النووية الإيرانية يأتي في وقتٍ حرج من وجهة نظر واشنطن، لأنّ إيران أنتجت ما يكفي من الوقود النووي عالي التخصيب لإنتاج بضعة أسلحةٍ نووية. إلّا أنّ مسؤولًا أميركيًا قال للصحيفة إن: "مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يزال يعتقد أن إيران لا تعمل حاليًا على تطوير سلاحٍ نووي".

وكان مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية قد حذّر، في تقرير قدمه إلى الكونغرس في تموز/يوليو الماضي، من أنّ إيران: "قامت بأنشطةٍ تجعلها في وضعٍ أفضل لإنتاج سلاحٍ نووي، إذا اختارت القيام بذلك".

إيران باتت في وضعٍ أفضل لإطلاق برنامجٍ للأسلحة النووية حسب تقييمات استخبارية أميركية

وتكتسي هذه التطورات في الملف النووي الإيراني أهميةً خاصّة بالنظر إلى تصاعد مستوى التوترات في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ حاد منذ أن هدّدت إيران بضرب إسرائيل في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران.

تباين

تصرّ إيران على القول إن برنامجها النووي مخصّصٌ لأغراض مدنية بحتة. وفي المقابل، كرر الرئيس الأميركي جو بايدن أن بلاده لن تسمح لإيران أبدًا بالحصول على سلاح نووي.

ويرى الخبراء أن التغيير في التقييم الاستخباراتي الجديد عائدٌ للعمل البحثي العلمي والهندسي الذي كانت إيران تقوم به على مدار العام الماضي، وهو ما يعتقد مسؤول أميركي أنّه: "قد يُقلص الفجوة المعرفية التي تواجهها طهران في إتقان القدرة على بناء سلاحٍ نووي"، مشيرًا إلى أن بعض هذا العمل الذي لا يزال مستمرًّا كان يُعتبر في الماضي مؤشّرًا على أن طهران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية.

رغم ذلك، تؤكد المخابرات الأميركية أن هذا العمل لن يُقصّر الوقت الذي تحتاجه طهران لصنع سلاح نووي، وقالت متحدثة باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية إن إيران: "لا تمتلك برنامجًا نوويًا عسكريًا نشطًا".

ولم يقدم المسؤولون الأميركيون، حسب "وول ستريت جورنال"، أي تفاصيل بشأن طبيعة العمل الذي يُعتقد أن إيران تقوم به، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين أبدوا، في الأشهر الأخيرة، مخاوف بشأن الأبحاث المتعلقة بالتسليح التي تجريها إيران، مثل النمذجة الحاسوبية وعلم المعادن، وفقًا لأشخاص مطلعين على هذه القضية.

استمرار المحادثات النووية

في الأثناء، وبالتزامن مع انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران، أكّد القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، أنّ طهران مستمرةٌ في إجراء محادثاتٍ نووية غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية عبر سلطنة عمان.

ويأتي هذا الإعلان الإيراني بالتزامن مع تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض، قال فيه إن الإدارة الأميركية غير مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع إيران في عهد الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان الذي تعهد: "باتباع سياسةٍ خارجية عملية، وتخفيف التوتر مع القوى الست الكبرى التي شاركت في المحادثات النووية المتوقفة الآن لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015".

ونقلت صحيفة "اعتماد ملي" الإيرانية عن باقري كني قوله: "نُجري محادثاتٍ غير مباشرةٍ عبر عمان، لكن عملية التفاوض سرية ولا يمكن الحديث عن تفاصيلها".

وكشف باقري أيضًا أنه يجري على قدمٍ وساق: "بذل جهود من أجل تهيئة الأجواء الملائمة للمفاوضات أمام الحكومة الإيرانية الجديدة التي ستتولى مهامها في الأسابيع القليلة المقبلة".

ولعلّ أحد عناصر التوتر الجديدة في علاقات طهران، المتضررة أصلًا، مع واشنطن، هو: "الحرب الإسرائيلية على غزة، والتصعيد في جنوب لبنان"، حيث فاقمت هذه الأوضاع الخلافات بين إيران والولايات المتحدة، ما يجعل استئناف مفاوضات الاتفاق النووي متعسّرةً، حتى في ظل حكومة رئيسٍ إصلاحي يوصف في الدوائر الإيرانية بالمرن والمعتدل.

ومع ذلك، سبق أن أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الإثنين الماضي، أن القنوات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة "ما زالت مفتوحةً"، وأن الجانبين "يتبادلان الرسائل بطرقٍ مختلفة"، مضيفًا في إحاطته الإعلامية الأسبوعية أن: "المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الأميركي قد أجريت في فتراتٍ زمنية مختلفة، وهي حاليًا مستمرة، وسننشر تفاصيلها لاحقًا إن اقتضت الحاجة".

الإعلان الإيراني عن استمرار إجراء المحادثات النووية غير المباشرة مع واشنطن من شأنه تهيئة الأجواء الملائمة للمفاوضات أمام الحكومة الإيرانية الجديدة

كما شدّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية على أن بلاده: "ملتزمة بالتفاوض، وسعت إلى استغلال المسارات الدبلوماسية على أحسن شكل تأمينًا لمصالحها الوطنية".

ولفت إلى أنّ الحكومة الإيرانية: "تابعت المفاوضات النووية الرامية إلى رفع العقوبات، ولم تدّخر جهدًا في هذا السبيل"، داعيًا في ذات الوقت إلى التريث: "لمعرفة سياسة الحكومة الإيرانية الجديدة التي سيشكلها الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان لاحقًا بشأن المفاوضات النووية".

يشار إلى أن المفاوضات الأميركية الإيرانية غير المباشرة أسفرت في عدة مناسبات عن تحقيق بعض النتائج، حيث قادت في مرحلة من المراحل إلى صفقة تبادل للسجناء، مقابل الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة، وفي مراحل أخرى أدّت إلى تفاهمات جزئية بشأن الملف النووي في ظل صعوبة التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق المبرم عام 2018، قبل أن ينسحب منه ترامب.

ومن آخر ما أعلن عنه من المفاوضات غير المباشرة ما جرى بين كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني وماكغورك، في سلطنة عُمان خلال أيار/مايو 2023، وما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في آذار/مارس الماضي، من: "محادثات سريّة غير مباشرة جمعت الولايات المتحدة وإيران في العاصمة العمانية مسقط في كانون الثاني/يناير الماضي، بشأن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر".

وهذا بالإضافة طبعًا إلى المفاوضات غير المباشرة حاليًا التي تجري أيضًا عبر سلطنة عمان بشأن الملف النووي.

يشار إلى أنه على الرغم من أهمية دور الرئيس الإيراني في السياسات الخارجية، إلا أن المرشد الأعلى علي خامنئي هو من يتخذ القرارات الحاسمة في ملفات السياسة الخارجية، وسبق لخامنئي أن حذّر قبل الانتخابات، من أن: "الشخص الذي يعتقد أنه لا يمكن فعل أي شيء دون رضا أميركا لن يتمكن من إدارة البلاد بشكل جيد".