11-أغسطس-2024
مأزق فرنسا

متظاهر يحمل علم فرنسا في مظاهرة في بارس الشهر الماضي (رويترز)

تغوص فرنسا من جديد في المأزق السياسي الذي كانت تتخبط فيه قبل أسبوعين، في ظل رفض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مرشحي اليسار لتشكيل الحومة، بعد أن خسر ائتلافه أكثر من ثلث تمثيله البرلماني خلال الانتخابات المبكرة التي دعا إليها قبل نحو شهرين.

والآن، مع انتهاء أولمبياد باريس، يتعيّن على ماكرون في المرحلة الراهنة، وفق وكالة الأنباء الفرنسية، استخلاص العبر من الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليه بصورة مفاجئة في أواخر حزيران/يونيو الماضي.

وأفرزت الانتخابات الأخيرة ثلاث كتل بدون غالبية، هي: تحالف يساري تشكل بصورة مفاجئة تحت تسمية "الجبهة الشعبية الجديدة"، والكتلة الماكرونية المتحالفة مع اليمين الجمهوري، والتجمع الوطني اليمين المتطرف.

من المتوقع أن تدعو الأوساط السياسية ماكرون إلى تنفيذ وعده بتكليف رئيس وزراء تشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف الجاري

وعلى الرغم من استمرار حكومة غابريال بتصريف الأعمال بعد الانتخابات، فإنه من المتوقع أن تدعو الأوساط السياسية ماكرون إلى تنفيذ وعده بتكليف رئيس وزراء تشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف آب/أغسطس، قبل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية نهاية الشهر ذاته.

وقال الخبير السياسي، ستيفان روزيس، إنه: "في بلد يشهد شرخًا مثل فرنسا، الرياضة تقليد يسمح للأمة بأن تجد نفسها بدون ساطة سياسية"، مضيفًا "لكن سرعان ما سنصطدم بالواقع المنبثق من الانتخابات".

وعشية الأولمبياد، رشّحت الجبهة الشعبية الجديدة، لوسي كاستيتس، لشغل منصب رئيس الوزراء الفرنسي، لكن ماكرون اعتبر أن الجمعية الوطنية لن تتأخر في الإطاحة بحكومتها.

ويواصل ماكرون مساعيه لتشكيل غالبية متينة حول الكتلة الوسطية محاولًا ضمّ الاشتراكيين إليها، في حين يتهمه خصومه برفض حكم صناديق الاقتراع، بحسب ما تقول الوكالة الفرنسية، مضيفةً أنه لم تتسرب أي معلومات في باريس عن المشاورات الجارية، واكتفى أحد المقربين من ماكرون بالقول إنه "ما زال يفكر".

وبعدما طرح عقد اجتماع لمجلس الوزراء، غدًا الاثنين، أرجئ إلى وقت لاحق، وعلق أحد أعضاء الحكومة بالقول: "من يقول لكم إن لديه أصداء، فهو إما كاذب وإما متوهم".

ونقلت الوكالة الفرنسية عن مصدر وزاري قوله إن: "الضغط الداخلي سيكون قويًا جدًا لأنه سيتحتم إقرار الموازنة" في أيلول/سبتمبر المقبل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المعسكر الرئاسي اعترف بأن الفرنسيين يجب أن "يشعروا بأن أصواتهم تتحقق"، وتوقع البعض في أوساط ماكرون صدور إعلان بحدود يوم 20 آب/أغسطس الجاري.

وتشير الوكالة الفرنسية إلى وجود أسماء وزراء سابقين مرشحين لشغل منصب رئيس الوزراء، سواء من اليمين أمثال، كزافييه برتران، ميشال بارنييه، وجان لوي بورلو، أو من اليسار المعتدل على غرار، برنار كازنوف.

ووفقًا للوكالة الفرنسية، فإنه إذا كانت دول ديموقراطية أوروبية كثيرة تتعامل منذ عقود مع ائتلافات برلمانية هشة، فإن فرنسا لم تنجح يومًا في ذلك.

وتؤكد أنه لا بد من أن يتمتع رئيس الحكومة المقبل بهيبة معنوية وخبرة سياسية، حتى يضطلع بمهمة جمع فريق متماسك، وإبرام "اتفاق حكومي" من شأنه أن يقنع غالبية من النواب في الجمعية الوطنية، ولو بشأن كل ملف على حدة.

وقد تمكن ماكرون من الخروج لفترة وجيزة من المأزق السياسي الكبير الذي أثاره بحله الجمعية الوطنية، لكن أجواء البهجة التي واكبت الأولمبياد لم تبدل جوهر الوضع في فرنسا، ويرى مراقبون أنه سرعان ما سيضطر ماكرون لمواجهة الواقع المرير الذي نتج من أسوأ قرار اتخذه خلال ولايتيه الرئاسيتين.

يرى مراقبون أنه سرعان ما سيضطر ماكرون لمواجهة الواقع المرير الذي نتج من أسوأ قرار اتخذه خلال ولايتيه الرئاسيتين

ورأى خبير الرأي العام، إيمانويل ريفيير، أن "هذا يبدل الأجواء العامة، لكنه لا يبدل المعطيات السياسية"، لافتًا إلى أن "الوضع لا يزال في مأزق، ويشعر العديد من الناخبين بخيبة أمل.. الفرنسيون يبقون الواقع نصب أعينهم، وما زالوا ناقمين على إيمانويل ماكرون".

وقال مسؤول في المعسكر الرئاسي: "سيكون هناك نوع من التسامح في فترة ما بعد الأولمبياد، لكنه لن يستمر طويلًا"، مضيفًا: "إن كنا التقطنا صور سيلفي أمام المرجل الأولمبي مع نصف باريس، فهذا لا يعني أننا سنشكل فجأة ائتلافًا".

وكانت فرنسا قد سجلت سابقة عندما الرئيس السابق، جاك شيراك، من فوز المنتخب الفرنسي في كأس العالم لكرة القدم في باريس في عام 1998، مما ساهم برفع شعبيته 10 بالمئة متخطيًا 60 بالمئة من الآراء الإيجابية، على عكس ماكرون الذي يحظى بتأييد 27 بالمئة من الفرنسيين.