18-يوليو-2024
صدام حفتر

صدام حفتر (لوموند الفرنسية)

تعمل الحكومة الموازية في بنغازي على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الأنظمة العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، وذلك بالضرورة على حساب الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في طرابلس.

وفي هذا السياق، انتهزت الحكومة التي تتبع للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر في الشرق، تشكيل تحالفٍ كونفدرالي جديد في غرب إفريقيا تحت اسم "تحالف دول الساحل"، بعضوية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لتعزيز نفوذها هناك، خاصةً أن التحالف الجديد يتكون من أنظمة عسكرية انقلابية لعبت روسيا دورًا حيويًا في إعلانه، حيث بادر المشير خليفة حفتر إلى إرسال نجله صدام حفتر  إلى العاصمة البوركينابية واغاداغو في زيارة لم يعلن عنها رسميًا من طرف البلد المضيف.

وتمت الزيارة التي جرت خلسةً، حسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، في التاسع من تموز/يوليو، حيث هبطت طائرة خاصة من طراز غولف ستريم G450، غالبًا ما يستخدمها أقارب المشير خليفة حفتر، في واغادوغو. وكان على متن الطائرة أحد أبناء رجل شرق ليبيا القوي صدام حفتر. ولم تتسرب على شبكات التواصل الاجتماعي سوى صورة يتيمة لصدام حفتر بالزي العسكري إلى جانب الكابتن إبراهيم تراوري، رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو.

توريث وبحث عن الشرعية على الساحة الدولية

توضح زيارة نجل حفتر الطموحات المتزايدة لحكومة بنغازي الموازية في منطقة الساحل. كما تعكس بحثًا عن الشرعية على الساحة الدولية، حيث قام قادة شرق ليبيا، الذين يعارضون "حكومة الوحدة الوطنية" المتمركزة في طرابلس (غرب)، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بتعزيز علاقاتهم الدبلوماسية مع الأنظمة العسكرية في منطقة الساحل في الأشهر الأخيرة.

تقدم روسيا نفسها بوصفها عراب الأنظمة العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، وتلعب دور الوسيط بينهم مع جماعة حفتر التي عززت شراكتها معها في الأشهر الأخيرة

ففي بداية حزيران/يونيو الجاري، زار صدام حفتر نجامينا للقاء الجنرال محمد إدريس ديبي، بعيد انتخابه رئيسًا لتشاد. وكانت هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها نجل حفتر منذ ترقيته من طرف والده إلى منصب رئيس أركان الجيش الوطني الليبي في أيار/مايو الماضي.

وفي هذه الزيارة، استبدل صدام حفتر بذلته العسكرية ببذلة مدنية داكنة، في إشارة واضحة، بحسب الخبير في الشأن الليبي ولفرام لاشر، إلى: "الطموحات السياسية للرجل الذي يتولى الآن دور مبعوث والده خليفة حفتر".

ويضيف ولفرام لاشر أن: "زيارات صدام حفتر لمنطقة الساحل تُظهر سعيه إلى تعزيز مصداقيته على الساحة الدولية في وقت بدأ فيه الاستعداد لخلافة والده، وهي خلافة يمكن أن يطالب بها العديد من إخوته".

محطة نجامينا وواغادوغو

وعلى الرغم من أنه لم يتسرب شيء من المحادثات التي قام بها صدام حفتر مع قادة  نجامينا وواغادوغو، فإن الحكومة التشادية، حسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، ستسعى إلى الحصول من جارتها الليبية على استمرار احتجاز مقاتلي جبهة التناوب والوفاق التشادية المتمردة، التي كانت وراء الهجوم الذي أودى بحياة الرئيس السابق إدريس ديبي.

ويشار إلى أن قوات حفتر قد اعتقلت قائد جبهة التناوب والوفاق التشادية المتمردة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وسلمته لنجامينا التي قصفت مواقع الجماعات المتمردة في جنوب ليبيا بعد ذلك بأسبوعين.

وفيما يخص النيجر، التي لها حدود مشتركة طويلة مع ليبيا، يتعين على الحكام العسكريين الجدد التعامل مع الهجمات المتفرقة التي تنفذها الجماعات المتمردة التي لها فروع في المناطق التي تسيطر عليها قوات حفتر، وبالتالي تعزيز روابطهم مع بنغازي بعد أن أصدروا مذكرة اعتقال بحق محمود صلاح، زعيم جبهة التحرير الوطني، الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم على قسم من خط الأنابيب الذي ينقل النفط النيجري إلى بنين.

وبحسب "لوموند"، فإن الحكومة الموازية في بنغازي تتولى رعاية علاقاتها مع النيجر منذ وصول الجنرال عبد الرحمن تياني إلى السلطة قبل عام تقريبًا، وقد سلمت بالفعل 33 طنًّا من المواد الغذائية إلى نيامي لمساعدة المجلس العسكري في دعم آلاف النازحين الذين فروا من قراهم بسبب عنف الجماعات المسلحة.

وساطة ورعاية روسية

لا شكّ أن النيجر، بحدودها المشتركة الطويلة مع ليبيا، تعدّ شريكًا إستراتيجيًا للسلطات الليبية في بنغازي، التي تستفيد ماليًا من تهريب المهاجرين غير النظاميين الذين يمرون عبر شمال النيجر، إذ ألغت نيامي القانون الذي يجرم المهربين الذين ينقلون المرشحين للهجرة غير النظامية مما صدم العديد من دول الاتحاد الأوروبي.

ويشتبه الأوروبيون، حسب "لوموند"، في أن روسيا هي التي دفعت حليفتها الجديدة النيجر إلى تبني هذا الإجراء في اليوم التالي لطرد الجنود الفرنسيين، كما يرون أن موسكو تتظاهر بأنها الأب الروحي للانقلابيين، وتلعب دور الوسيط بينهم مع جماعة حفتر التي عززت شراكتها معها في الأشهر الأخيرة.

وتعتقد "لوموند" والمحللين في الدوائر الغربية أن الإستراتيجية الإفريقية نوقشت محاورها الرئيسية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخليفة حفتر في موسكو نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، ومن ضمنها استخدام بنغازي، حيث تنتشر مرتزقة فاغنر الروس منذ عام 2019، كمنصة لوجستية تخدم الطموحات العسكرية الروسية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وخلصت "لوموند" إلى أن: "هذه العودة الملحوظة لروسيا إلى ليبيا ليست قليلة الأهمية لأنها جزء من ديناميكية أوسع لبسط نفوذها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل".

يضاف إلى ذلك أنّ الموقع الإستراتيجي لليبيا على طرق الهجرة "جعلها نقطة محورية للإستراتيجية الروسية في أفريقيا" ويمكن استخدامها "كرافعة دبلوماسية أو أمنية في مواجهة روسيا مع الأوروبيين".