عُقد في العاصمة الفرنسية باريس، مطلع الأسبوع الجاري، مؤتمرٌ دولي برعاية فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، بهدف حشد دعم الجهات المانحة لتقديم المساعدات إلى السودان، وفي هذا الصدد تعهد المؤتمر بتقديم مساعدات بقيمة ملياري يورو للسودان، وفوق ذلك يُمنّي رعاة المؤتمر أنفسهم بأن يرسم مؤتمر باريس الدولي الطريق نحو سلامٍ يبدو بعيد المنال، في بلد دمّره الصراع الدموي، لكنّ الفرصة لا تزال قائمةً لإبطاء انزلاقه إلى "الجحيم" بتعبير صحيفة ليبراسيون الفرنسية.
ويعدّ مؤتمر باريس الدولي بادرةً لانخراط أوروبا في المبادرات الرامية إلى حلّ الأزمة في السودان بعدما تعطّلت كل المبادرات، بما فيها المبادرة الأميركية الأخيرة للتفاوض في جنيف، وقبلها مبادرات الاتحاد الإفريقي ومنظمة إيغاد شرق إفريقيا، والجامعة العربية. والسبب في فشل جميع هذه المبادرات حسب، ليبراسيون، هو أن المجموعات المتفاوضة المشاركة بالصراع، "لم تنجح قط في توحيد جهودها لإجبار كلا الطرفين: الجيش وقوات الدعم السريع على الجلوس على نفس الطاولة ووضع حد لهذه الحرب العمياء" على حدّ توصيف الصحيفة الفرنسية.
ومن هذا المنطلق تساءلت ليبراسيون عما إذا كان مؤتمر باريس سيكون أكثر نجاحًا؟ خاصة أن الحكومة الرسمية المعترف بها دوليًا أعلنت عن غضبها لعقد هذا اللقاء، معتبرةً أنه اعتداء على سيادة البلاد، في وقت ينزلق فيه السودان منذ عام إلى "الجحيم".
هناك حاجة إلى 3.8 مليارات يورو لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا في السودان حاليًا جرّاء الحرب
حرب من أجل لا شيء
ذهبت صحيفة ليبراسيون، في تقريرها الذي أعدّته الصحفية ماريا مالاغارديس، إلى القول إن ما يدور في السودان "حربٌ من أجل لا شيء"، معتبرةً أن ثمن هذه الحرب هو"التدمير الذاتي لإحدى أكبر الدول في العالم العربي وإفريقيا، تبلغ مساحتها 1.8 مليون كيلومتر مربع".
إذ خلّفت الحرب الدامية بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، التابعة لمحمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، عشرات الآلاف من القتلى، و6 ملايين نازحٍ داخليًا، و1.7 مليون لاجئ في دول مجاورة، وبنيةً تحتيةً مدمرة، واقتصادًا ينهار بالكامل.
انطلاقًا من هذا التشخيص جاء مؤتمر باريس الدولي، حسب ليبراسيون، لمحاولة التعامل مع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، في وقتٍ تهدد فيه المجاعة أجزاء كبيرة من البلاد، ومن المفترض أن تعمل هذه المبادرة، التي ترعاها فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، لحشد دعم الجهات المانحة، أو حتى رسم الطريق إلى السلام الذي يبدو بعيد المنال.
وفي هذا الصدد تنقل ليبراسيون عن جوستين موزيك بيكيمال المديرة الإقليمية لمنظمة التضامن الدولية، وهي منظمة غير حكومية، قولها إن "هناك حاجةً إلى 3.8 مليارات يورو لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا، وتساءلت: هل سيتمكن المجتمع الدولي من جمعها؟"، مضيفةً القول: "هذه أسوأ وأقذر حرب رأيتها منذ 20 عامًا. حتى في الشيشان وسوريا لم أشاهد مثل هذا الانفجار" وفق تعبيرها.
وتضيف بيكيمال أنّ العاملين بالمجال الإنساني يواجهون عوائق مستمرة، ويحتاجون 300 شاحنة على الأقل للتعامل مع المجاعة التي تلوح في الأفق، وتقول بقلقٍ "نرى الآن النساء يمزقن لحاء الأشجار لإطعام أطفالهن، حيث أنّ 18 مليونًا من بين 48 مليون مواطن يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد".
وكانت الأمم المتحدة ـ كما ألمحت إلى ذلك ليبراسيون ـ قد حذرت من أن السودان، بعد مرور 18 شهرًا على بدء النزاع فيه أصبح مهددًا بالمجاعة والكوليرا.
وفي سياقٍ متصل قررت الأمم المتحدة في 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري تمديد تحقيقاتها في انتهاكات حقوق الإنسان في السودان. وترى صحيفة ليبراسيون في تقريرها أنّ الأطراف المتحاربة ارتكبت انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الهجمات المباشرة من خلال القصف الذي يستهدف المدنيين والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية الحيوية مثل شبكات المياه والكهرباء.
وتوضّح ليبراسيون أن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب أخرى، بما في ذلك الاستعباد الجنسي، والنهب، والتهجير القسري للمدنيين وتجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا، وأشارت ليبراسيون أيضًا إلى الهجمات ضد المجتمعات غير العربية، وخاصةً المساليت غرب دارفور.
وفي هذا السياق أيضًا تنقل ليبراسيون عن بيكيمال قولها إن صورة مريعة لا تزال تطاردها، "ففي حزيران/يونيو ونحن في أدَري على الحدود التشادية، رأينا فجأةً وصول 80 ألف شخص خلال 48 ساعة، سيرًا على الأقدام، وجميعهم مصابون بطلقات نارية، حتى الأطفال والحوامل".
وكان تحقيقٌ أممي أُحيل إلى مجلس الأمن في كانون الثاني/يناير الماضي تحدّث عن مقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص بمدينة الجنينة وحدها،وتحدثت التحقيقات عن الاغتصاب والمضايقة والنهب، مشيرةً بالأصابع إلى قوات الدعم السريع، كما تتحدث الأمم المتحدة الآن عن "إبادةٍ جماعية محتملة" في دارفور.