19-مارس-2024
حوار خاص  أوقفوا تسليح إسرائيل شركات السلاح الفرنسية متورطة في إبادة غزة الترا صوت

(الترا صوت) قضية "وقف تسليح إسرائيل" أصبحت تدخل شيئًا فشيئًا تحت أضواء الإعلام والسياسة

في تصنيفه الأخير، أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، إلى أن فرنسا أصبحت ثاني أكبر مصدِّر للأسلحة في العالم خلال 2023، خلف الولايات المتحدة التي احتلت المرتبة الأولى، بعد أن تراجعت الصادرات الدفاعية الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا. وهو ما يشير إلى الحجم الكبير الذي تحتله صناعات السلاح داخل الاقتصاد الفرنسي، مع التنامي الذي شهدته هذه الصناعة خلال السنوات العشر الأخيرة. 

وفي ظل هذا الواقع، تُعدّ إسرائيل أحد الشركاء المقربين لفرنسا في مجال الصناعات الدفاعية، إذ تورِّد باريس إلى تل أبيب ما معدله 20 مليون يورو سنويًا من العتاد والذخائر، أو 208 مليون إذا ما جمعنا إجمالي حجم تلك المبيعات خلال السنوات العشر الأخيرة. غير أن هذا ليس الوجه الوحيد لهذه الشراكة العسكرية، بل عمدت عدّة شركات فرنسية إلى تطوير أسلحتها بشكل مشترك مع نظيراتها الإسرائيلية، خصوصًا ما يتعلق بالتكنولوجيات الحربية الجديدة؛ كالمُسيّرات وأنظمة التعرف على الوجوه واستخدام الذكاء الاصطناعي.

حراك أوقفوا تسليح إسرائيل في فرنسا: فرنسا متورطة في حرب الإبادة الجارية على غزة، وهناك صمت فرنسي حول الـ4000 مجند فرنسي إسرائيلي يقاتلون الآن في غزة

وتستمر هذه الشراكة إلى اليوم، وهو ما دفع مجموعات من الفرنسيين المعادين للصهيونية إلى التكتل في حركة للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل، وإطلاق حملات احتجاج وتوعية للضغط على شركات السلاح في هذا الصدد، وكان آخرها في الـ11 آذار/مارس، حيث شمل الحراك أكثر من 12 مدينة فرنسية. 

وللحديث عن هذه الاحتجاجات، وعن شبكة العلاقات الاقتصادية والسياسية المعقّدة التي تجعل من فرنسا متورطة في إبادة غزة، نستضيف في "الترا صوت" لويك، ناشط ومؤسس حركة "أوقفوا تسليح إسرائيل" في فرنسا (Stop Arming Israel)، في حوار حصري. 


  • كسؤال أول، يمكن لكم أن توضحوا لنا طبيعة حركة "أوقفوا تسليح إسرائيل"؟

"أوقفوا تسليح إسرائيل" هي حملة دولية تم إطلاقها في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2023، من قبل أزيد من 30 نقابة فلسطينية. وبالتالي هي نداء قامت به مجموعات فلسطينية، تدعو من خلاله إلى إيقاف أي مشاركة في الحرب والامتناع عن تسليح إسرائيل، متوجهًا لكل النشطاء في العالم بالقول: أنتم الذين تعيشون في بلدان تورد الأسلحة لإسرائيل، يمكنكم التحرك من أجل منع تسليم ذلك العتاد العسكري. 

من جانبي أنا، من موقعي كناشط ومدرس، عندما وصلني هذا النداء، قلت هذا ما يجب عليّ القيام به من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني. وهكذا استجبنا في فرنسا لتلك الدعوات، ومنذ إطلاقنا الحركة في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، قمنا بما يتراوح بين 20 و30 احتجاج، في باريس بدرجة أولى. وذلك من أجل التعريف بالحركة والضغط على شركات صناعة السلاح الفرنسية. وفي يوم الإثنين، كان هناك يوم تعبئة دولية، ومن طرفنا قمنا بالاحتجاج في أزيد من 12 مدينة على مستوى التراب الفرنسي، وبالتالي نلاحظ تنامي قوة هذه الحركة، ليس فقط في فرنسا، بل في أوروبا والعالم. 

  • هل يمكن أن تتحدث عن الأشكال الاحتجاجية التي قمتم بها في تعبئة يوم الـ 11 آذار/مارس؟ 

لقد كان يوم تعبئة دولية، بالتالي كانت هناك احتجاجات في العالم أكمله، في برلين وميونيخ وكوبنهاغن… إلى آخره.. وفي فرنسا، تحركنا في 12 مدينة؛ في باريس، قمنا بوقفة احتجاجية أمام مقر شركة "سافران ديفانس"، التي تنتج معدات عسكرية وأسلحة هجومية. وقام رفاقنا في ليون بالاحتجاج أمام مركز الصناعة والتجارة بالمدينة، حيث يجتمع لوبي الصناعات العسكرية كله. وفي مرسيليا، أقيمت وقفة احتجاجية أمام مكتب التمثيلية الاتحاد الأوروبي، من أجل مطالبته بقطع العلاقات مع إسرائيل. وفي سان-نازير، تم التظاهر أمام مصنع شركة "إكسيليا"، وهو مصنع صغير لقطع غيار المقاتلات الحربية مثل إف-35، ويبيع تلك القطع للولايات المتحدة وإسرائيل. وفي تولوز، تجمهر المحتجون أمام مقر شركة "تاليس" ونواحيها.

بالتالي، كان هناك أكثر من 12 احتجاجًا في فرنسا، وتضمنت أيضًا توزيع منشورات تعريفية. وهذا مؤشر على نجاح ملحوظ للحركة، بما أن عددًا كبيرًا من الناس أصبحوا يعرفون القضية، ويطالبون بالذهاب مباشرة إلى مقرات هذه الشركات والحديث مع مسؤوليها من أجل إيقاف إنتاج الأسلحة الموجهة لإسرائيل، لأن هؤلاء المسؤولين هم وحدهم الذين يستطيعون وقف تصنيع تلك الأسلحة. 

والحراك أصبح يثير غضب إدارات مجموعة من تلك الشركات، بالمقابل يلقى الكثير من التعاطف من العاملين في هذه الشركات. فمثلًا أثناء توزيع المنشورات أمام أحد شركات الصناعة الدفاعية في مدينة كورباي، نزل مسؤولو الشركة إلى رفاقنا في الشارع وحاولوا منعهم، بل واتصلوا بالشرطة من أجل إرغامنا على إيقاف العملية التعريفية للعمال. بالتالي، هناك امتعاض لدى الشركات، التي لا تريد لعمالها التفكير بما يمكن أن يترتب على عملهم، ومساءلة سياسة الشركة في بيع السلاح لإسرائيل.

  • هل يمكننا الحديث عن تورط الصناعة الدفاعية الفرنسية في حرب الإبادة في غزة؟ وكيف ذلك؟ 

بطبيعة الحال هناك تورط، هناك شراكات وثيقة بين معظم مصنّعي السلاح الفرنسيين وإسرائيل، ومعظمهم يبيعها الأسلحة. وبالرغم من أن ماكرون ينفي وجود هذا الارتباط، أو يقول إن الأمر يتعلق فقط بتوريد أسلحة دفاعية، فذلك غير صحيح إذا ما نظرنا مثلًا لشركة "تاليس"، وعلاقاتها بالاحتلال الإسرائيلي. 

وفي العموم هناك أنواع مختلفة من العلاقات التجارية بين مصنعي السلاح في فرنسا وإسرائيل؛ هناك عمليات البيع المباشرة وتقدر بنحو 20 مليون يورو سنويًا. وهناك عمليات بيع عبر الفروع والوسطاء، مثل فرع "تاليس" في بريطانيا الذي يبيع شركة "إلبيت" الإسرائيلية قطعًا تدخل في تركيب مُسيّرة "هرميس 450" الإسرائيلية، وهنا فرع شركة "نيكستر" في إيطاليا الذي يبيع صواريخ لإسرائيل، وهناك فرع شركة "MBDA" في ألمانيا الذي يتعاون مع شركة إسرائيلية… إلخ. 

بالتالي، نرى أن كل شركات السلاح الفرنسية الكبرى سواء تبيع أسلحة إلى إسرائيل، أو تدخل في شراكات من أجل تطوير العتاد العسكري مع شركات إسرائيلية؛ مثل "سافران" التي أعلنت في عام 2010 أنها طورت طائرة مُسيّرة بشراكة مع "إلبيت" الإسرائيلية، ونفس الشركة عملت على إنتاج منظار قتالي مع خاصية تحديد الأهداف للمُسيّرات، وتم تطويره كذلك بالتعاون مع شركات إسرائيلية. وهناك 7 من أصل 10 من أكبر شركات صناعة السلاح الفرنسية، تربطهم إلى حد اللحظة علاقات وطيدة مع إسرائيل. 

وهذا لا يقتصر فقط على الشركات الكبيرة، بل حتى الشركات المتوسطة والصغيرة؛ فلدينا مثلًا شركة "PGM Précision"، المختصة في صنع بنادق القنص، ونعلم أنهم يوردون سنويًا أسلحتهم إلى الجيش الإسرائيلي، بالتالي فمن المحتمل جدًا أنه من بين البنادق التي تقنص الآن الأطفال والنساء بغزة هناك بنادق فرنسية تم توريدها خلال السنوات الأخيرة.

ولدينا شكل ثالث من الروابط التجارية، هي الشركات التي تصنع المكونات التي تدخل في صناعة العتاد العسكري، مثل الدارات الكهربائية أو أجهزة الرصد، والتي يمكن أن تدخل أيضًا في صناعة المعدات الطبية أو معدات الاتصال، ويبرر بيعها لإسرائيل على هذا النحو، لكن نجدها مستخدمة في أسلحة تقتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وهذا ما نسميه "مركَّبات متعددة الاستعمال" أو معدات "ذات الاستخدام المزدوج"، وهي الخطر الأكبر لأن فرنسا تبيعها بشكل أوسع مقارنة بالسلاح. 

بالتالي، ومن كل هذا، يمكننا القول إن فرنسا متورطة في حرب الإبادة الجارية. هذا دون أن نغفل الصمت الفرنسي حول الـ 4000 مجند فرنسي إسرائيلي الذين يقاتلون الآن في غزة، ودون أن نغفل واقع أن الدولة الفرنسية تملك نسبًا في شركات السلاح تلك، بالإضافة إلى معارضة إيمانويل ماكرون قرارات وقف إطلاق النار داخل الأمم المتحدة. لهذا ففرنسا، سواء على مستوى الشركات أو السياسات، فهي متورطة في عدم إيقاف المذبحة الجارية. 

  • كيف نفهم جذور هذا التورط؛ هل هو متعلق بمصالح اقتصادية محضة، أم مصالح استراتيجية وسياسية، أم مزيج بينهما؟ 

لنفهم كيف تساند فرنسا إسرائيل عسكريًا وسياسيًا، علينا أن نفهم بأن هذه المساعدة ليست وليدة اللحظة وليست مقتصرة على فترة حكم ماكرون؛ فمنذ ما بين 1945 و1948، أي مرحلة تأسيس إسرائيل، قام السياسيون الفرنسيون بدعمها عسكريًا. وبالتالي ليس ماكرون وحده الذي قام بهذا، بل اتبع فقط سياسة أسلافه، وعلى رأسهم شارل ديغول الذي دعم بشكل كبير المشروع الصهيوني. 

لكن بخصوص السياسة المتبعة اليوم، فيمكن أن نفهمها على وجهين أساسيين؛ فمن جانب، هناك جهود شركات السلاح الفرنسية لتظل تنافسية، وهو ما يفرض عليها ربط تحالفات مع الشركات الإسرائيلية، لأنها أكثر مواكبة وتقدمًا من حيث التكنولوجيات العسكرية الجديدة، كالمُسيّرات وأشياء أخرى، وبالتالي كل الشركات الفرنسية لها شراكات مع نظيراتها الإسرائيلية، ويطورون بشكل مشترك أسلحة جديدة ومنظومات أقمار صناعية ودفاعية جديدة… إلخ. فهم بحاجة إلى هذه المعرفة الإسرائيلية في تلك المجالات، وهم بحاجة لتملك تلك التكنولوجيات التي أثبتت إسرائيل فعاليتها بتجريبها في قتل الفلسطينيين، كي يظلوا قادرين على تطوير أسلحة جديدة والتنافس داخل سوق السلاح العالمي.

ومن جانب آخر، فرنسا تبيع أسلحة لإسرائيل، وبالرغم من أن حجم ذلك السوق صغير، لكنه يمثل 20 مليون يورو سنويًا. وبالتالي هناك جهود لتحقيق أرباح اقتصادية من بيع السلاح، ففرنسا في نهاية الأمر لا تجد غضاضة في بيع الأسلحة للدكتاتوريات، وبيعها للأطراف المتحاربة في نزاع واحد… وهناك أيضًا الشركات الفرنسية التي قالت صراحة: "نحن شركات صهيونية!"، كما هو الحال بالنسبة لـ"داسو"، التي اعترفت بدعمها للمشروع الصهيوني بغض النظر عن المكاسب المالية. بالتالي هناك نوع من السيرورة، التي أصبحنا نشهدها على الأقل خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث أصبحت شركات السلاح الفرنسية تعلن دعمها صراحة للمشروع الاستعماري الصهيوني. 

  • كسؤال أخير، كيف تقيمون حركة التضامن مع فلسطين في فرنسا، وبشكل أوسع في أوروبا؟ 

في أوروبا، ومنذ تشرين الأول/أكتوبر إلى اليوم، تطور الحراك التضامني مع فلسطين بشكل كبير، وشهدنا تظاهرات حاشدة مثلًا في بريطانيا حيث خرج الآلاف إلى الشارع للتعبير عن مساندتهم للشعب الفلسطيني ومطالبة بوقف إطلاق النار… أما في فرنسا فالأمور معقدة بعض الشيء، لأنه كان هناك قمع ومنع للتظاهرات. ومن جهة أخرى، فالحراك التضامني هنا ليس موحدًا، بالتالي حال ذلك دون الاتفاق على تنظيم أشكال احتجاجية كبيرة. لكن بحلول كانون الأول/ديسمبر تم رفع المنع عن الاحتجاجات، وهو ما سمح لنا بالتعبير عن موقفنا في الشارع بشكل أكثر حرية، وهذا مهم للغاية. ولاحظنا أيضًا أنه مع استمرار المذابح، فالناس أصبحت تدعم أكثر فأكثر الشعب الفلسطيني، وأصبحوا يعون بأن ما وقع في الـ7 تشرين الاول/أكتوبر لم يعد ذريعة لما يجري الآن في غزة، وأننا الآن أمام 31 ألف قتيل وهو ما لا يمكن نفيه، وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على الحكومة. 

7 من أصل 10 من أكبر شركات صناعة السلاح الفرنسية، تربطهم إلى حد اللحظة علاقات وطيدة مع إسرائيل

بالإضافة إلى كل هذا، هناك أمر مهم للغاية، هو أنه بالتزامن مع المطالبات بوقف إطلاق النار في غزة، أصبحت أوروبا تشهر النضال من أجل وقف تسليح إسرائيلي. وهو ما كان له تأثيرات كبيرة، من بينها أن عددًا من الحكومات الأوروبية أعلنت فعلًا وقف تزويد جيش الاحتلال بالأسلحة، بالرغم من أن بعضًا من تلك الإعلانات هي كاذبة في الحقيقة؛ فمثلًا قرار بلجيكا وقف توريد الذخيرة لإسرائيل هو خبر صحيح. بينما إعلان الحكومة الإسبانية في منتصف شباط/فبراير أنها أوقفت توريد الأسلحة لإسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر، هو في نظري خبر غريب، فلماذا انتظرت مدريد حتى شباط/فبراير لتعلمنا بالقرار، بالتالي فهو تصريح كاذب. ولدينا أيضًا قرار مهم للغاية، هو إعلان اليابان فك أي ارتباط لها مع شركة "إلبيت" الإسرائيلية.

في فرنسا، وبالرغم من أننا كنا نناضل وحدنا على طول الشهور الخمسة الماضي، فقد أصبحنا نلاحظ أن قضية "وقف تسليح إسرائيل" أصبحت تدخل شيئًا فشيئًا تحت أضواء الإعلام والسياسة، وأصبح عدد من السياسيين يتحدثون بطرقهم الخاصة عن ضرورة وقف فرنسا تسليحها لإسرائيل.