16-أكتوبر-2024
حي المزة

(Getty) حوّلت إسرائيل حي المزة وحي كفرسوسة إلى مسرح لعمليات اغتيالاتها في سوريا

كشفت معطيات خريطة Sam-ir map التي ترصد الهجمات الإسرائيلية على سوريا أنّ الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية خلال العام 2024 كانت هي الأعلى منذ العام 2018، بمعدّل 133 هجمة طالت أهدافًا في محافظات دمشق وريفها، وحمص وحماة وحلب وطرطوس والقنيطرة، ودرعا والسويداء ودير الزور.

لكنّ اللافت للانتباه في تلك الضربات أنّ إسرائيل ركّزت فيها على حيّين من أحياء العاصمة السورية دمشق هما حي المزة وحي كفرسوسة، وذلك لسبب رئيسي هو احتضانهما قادةً عسكريين إيرانيين بارزين في الحرس الثوري الإيراني.

وفي إحدى الضربات الإسرائيلية على العاصمة دمشق، كانت المسافة الفاصلة بين قصر الأسد وموقع القصف 450 مترًا فقط. وأمام كلّ هذه الانتهاكات اكتفى النظام السوري ببيانات إدانة لا تقدّم ولا تؤخّر، بل تُظهر عجزه عن حماية السيادة السورية.

ويثير موقف النظام السوري انتقاداتٍ كثيرة ضدّه، حيث ينتقد سوريون سماح نظام بشار الأسد "لشخصياتٍ إيرانية عسكرية بالتمركز في مناطق مدنية تصبح عرضةً للاستهداف الإسرائيلي"، كما يطرح المنتقدون تساؤلات محرجة عن حجم الاختراق الاستخباراتي الذي يتسبب في استهداف قيادات إيرانية بارزة داخل العاصمة دمشق، مع الإشارة طبعًا إلى ما أوردته صحيفة واشنطن بوست من أنّ انكشاف حزب الله اللبناني استخباريًا كان بسبب نشاطه طيلة السنوات الماضية في سوريا واحتكاكه بأجهزة المخابرات السورية الفاسدة.

تدّعي إسرائيل أنها تستهدف في سوريا مقار عسكرية لإيران وقوات مرتبطة بها، على رأسها حزب الله اللبناني، بهدف منع وصول الأسلحة من سوريا إلى الحزب في لبنان

على إثر تحوّل حيّيْ المزّة وكفرسوسة الواقعين بمقربة من قصر بشار الأسد إلى أهداف مفضّلة للقصف الإسرائيلي، بات الحيّان الراقيان مصدر تهديدٍ كبير على سكانهما، خاصةً بعد سقوط مدنيين في أكثر من قصف، ما اضطر البعض إلى التفكير في بيع منازلهم في كلٍّ من حي المزة وحي كفر سوسة.

تدّعي إسرائيل أنها تستهدف في سوريا مقار عسكرية لإيران وقوات مرتبطة بها، على رأسها حزب الله اللبناني، بهدف منع وصول الأسلحة من سوريا إلى الحزب في لبنان، لكنّ إسرائيل تستهدف أيضًا مواقع عسكرية تابعة لنظام الأسد، مع الإشارة إلى أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تتبنى دائمًا بشكل واضح الضربات التي تنفذها في سوريا.

ومع العدوان على غزة ولبنان كثّفت إسرائيل من ضرباتها على الأراضي السورية، بل وصل بإسرائيل الأمر ـ  وفق معلومات وكالة الأناضول ـ إلى أن تجتاز بدبابتين الخط الحدودي الفاصل مع سوريا، حيث تمركزتا في قرية كودنة بالريف الجنوبي لمحافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا، وكان ذلك يوم السبت 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

حي المزّة هدف للصواريخ الإسرائيلية

يعدّ حي المزّة أحد أشهر أحياء دمشق، وهو يقع وسط العاصمة ولا يبعد عن قصر بشار الأسد سوى 500 متر، فضلًا عن ذلك يضم الحي عددًا كبيرًا من المباني الرسمية من إدارات وسفارات من بينها السفارة الإيرانية التي تعرض مبنًى تابع لها للقصف نيسان/إبريل الماضي، كما يوجد في الحي مطار المزة العسكري الذي تتمركز فيه قوات الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وترتبط هذه الفرقة بعلاقات قوية مع إيران والمليشيات المدعومة من طرفها .ونتيجةً لكلّ هذه العوامل يحظى حي المزة بطبيعة خاصة تميزه عن بقية أحياء العاصمة.

وازدادت تلك الخصوصية بعد تدخل إيران إلى جانب النظام لقمع الاحتجاجات، حيث حوّلت طهران حي المزة إلى "مركزٍ لوفود الشخصيات الإيرانية السياسية والعسكرية التابعة للحرس الثوري".

ويفسّر بعض المتابعين اختيار إيران حي المزّة لإقامة قادتها العسكريين في ظل تزايد وتيرة القصف الإسرائيلي على سوريا، باعتقادها أنّ وجود قادتها في مناطق سكنية مكتظة ومليئة بأمن النظام، وتحيط بها سفارات الدول الأجنبية وقريبة من القصر الرئاسي، قد يجنبهم خطر الاستهداف من قبل إسرائيل، لكن تبيّن أنّ حسابات الإيرانيين كانت خاطئة.

فقد تعرّض حي المزة منذ العام 2016 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2024، إلى ما لا يقل عن 10 ضربات إسرائيلية، 5 منها وقعت خلال العام 2024 لوحده، وشهد شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري تعرض الحي لثلاث ضربات إسرائيلية.

وقد أدّى القصف الذي طال مبنى تابعًا للسفارة الإيرانية في حي المزة فاتح نيسان/إبريل الماضي إلى مقتل 7 ضباط بارزين من قادة الحرس الثوري الإيراني، بينهم القيادي في فيلق القدس وقائد العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان، العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد رحيمي، وحسين أمين الله، رئيس هيئة الأركان العامة لـ"فيلق القدس" في لبنان وسوريا.

وسبقت تلك الضربة ضربة أخرى نفذتها إسرائيل في الحي ذاته كانون الثاني/يناير واعترفت على إثرها إيران بمقتل 5 مستشارين في الحرس الثوري كانوا يوجدون في مبنى يقع وسط منطقة سكنية مكتظة، ومحاط في الآن نفسه بعدد من مباني سفارات دول أجنبية مثل سفارة لبنان، وفنزويلا، وجنوب إفريقيا.

وكانت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مبنًى في حي المزة في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الجاري هي الضربة الأقرب إلى قصر الرئاسة، حيث لم تبعد عنه سوى نحو 450 مترًا. وبما أنّ "موقع القصر يقع على تلّةٍ تُطل على أحياء دمشق، فإن القصف الذي يطال حيَّي المزة وكفرسوسة المجاور له، يمكن مشاهدة آثاره من داخل القصر الرئاسي"، مع الإشارة إلى أن ضربة الثامن من تشرين الأول/أكتوبر تسببت في سقوط 7 قتلى مدنيين وإصابة 11 آخرين.

حي كفرسوسة

غير بعيد من حي المزة يقع حي كفرسوسة على نحو 200 متر إلى جنوب السفارة الإيرانية في دمشق ولا يبعد سوى حوالي 2 كلم من قصر بشار الأسد. وكما نال حي المزة نصيبه من الضربات الإسرائيلية تعرض حي كفرسوسة الذي يعد هو الآخر من أبرز أحياء دمشق إلى الضربات الإسرائيلية التي تستهدف قيادات عسكرية إيرانية.

ويتقاطع حي كفرسوسة مع حي المزة في وجود عدد من المباني الإدارية المهمة فيه، على غرار مبنى وزارة خارجية النظام ومجلس وزراء النظام، لكنّ ميزة هذا الحي أنه يضم مربعًا أمنيًا لأقوى فروع المخابرات التابعة للنظام السوري، إضافة إلى مقرات عسكرية واستخباراتية أخرى قريبة منه، وهو ما يجعله مكانًا مفضلًا لدى المسؤولين الإيرانيين الذين يقصدونه".

يذكر أنّ عماد مغنية، القيادي في حزب الله اللبناني، اغتيل في حي كفرسوسة عام 2008 في تفجير سيارة، وقد تبنت إسرائيل حينها على لسان إيهود أولمرت تنفيذ عملية الاغتيال.

أمّا أحدث العمليات العسكرية في هذا الحي وأقواها، فنذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر الهجوم الصاروخي شباط/فبراير 2023 الذي دمّر قبو أحد الأبنية كان يضمّ، حسب وكالة رويترز، "اجتماعًا لخبراء إيرانيين وسوريين معنيين بتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ".

وفي العام الحالي تعرض الحي أيضا في شباط/فبراير لضربة إسرائيلية أدت إلى وفاة 13 شخصًا ودمار العديد من المنازل، وتكرر ذات السيناريو في تموز/يوليو الماضي دون ذكر أعداد القتلى.