26-أغسطس-2024
الحرب السيبرانية

(تشن الصين حربًا سيبرانية مركبة على تايوان وحلفائها (بوز آلان هاميلتون

توظِّف الصين استراتيجيةً سيبرانيةً مركّبةً ضدّ تايوان، تشمل عمليات التجسس والهجمات السيبرانية التي تستهدف مؤسساتٍ سياسية وصناعية وعسكرية متعددة، بهدف التأثير على السياسة والصناعة والأمن بتايوان.

وتحظى الاستراتيجية الهجومية السيبرانية بأهميةٍ خاصة، في ظلّ استبعاد الاجتياح العسكري، رغم تلويح بكين المستمر به عبر المناورات العسكرية التي تقوم بها حول الجزيرة التي تعتبرها "متمرّدة".

فمع استبعاد الحل العسكري لقضية تايوان ـ على الأقل في الأمد القريب ـ تُركز بكين على استعمال الأسلحة غير الدموية ـ لكن الفتاكة ـ  لتحويل ميزان القوى لصالحها في صراعها مع تايوان وداعميها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.

توظِّف الصين استراتيجيةً سيبرانيةً مركّبةً ضدّ تايوان، تشمل عمليات التجسس والهجمات السيبرانية

وبحسب شركة السياسات والاستشارات الأميركية "بوز آلان هاميلتون"، فإن الصين قد وضعت استراتيجيةً سيبرانية متطورة، ضمن محاولات إعادة تايوان إلى حكمها وفق سياسة "الصين الواحدة"، دون أن تضطر إلى إطلاق رصاصةٍ واحدة.

النتيجة ذاتها قرّرها أيضًا المركز القومي السويدي الصيني، الذي رجّح في تقريرٍ استعرض فيه التوقعات والسيناريوهات المتعلقة بنشوب حرب ضد تايوان، أن تلجأ الصين لاستخدام "نوعٍ ما من القوة ضد تايوان، لكن ليس بالضرورة اللجوء للغزو، على مدى السنوات العشر القادمة".

وبحسب تقرير "بوز آلان هاميلتون" تسعى الصين في استراتيجيتها السيبرانية للتأثير على تايوان "عبر جمع المعلومات الاستخباراتية حولها، وذلك لإثارة الشكوك حول نزاهة العملية السياسية، وغالبًا ما تركز هذه الإستراتيجية على الأفراد والأحزاب ممن يظهرون توجهاتٍ أقل دعمًا لمصالح بكين، خصوصًا خلال الانتخابات".

حيث يواجه الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي ينتمي له الرئيس الحالي لتايوان والمعروف بموقفه من الاستقلال عن الصين، هجماتٍ سيبرانية متكررة، تزداد وتيرتها في فترات الانتخابات الرئاسية.

ففي العام 2016 قامت مجموعة القرصنة المعروفة بـ"إيه بي تي 16" (APT16) باستهداف موظفي الحزب الديمقراطي التقدمي وبعض الصحفيين، بهدف الحصول على معلومات حساسة، ومنها الخطابات غير المنشورة والمقترحات السياسية المنتظرة، وفقًا لأبحاث أجرتها شركة الأمن السيبراني الأميركية "فاير آي" حينها.

وشهدت الفترة بين عامي 2019 و2022، قيام مجموعة قرصنة أخرى سمت نفسها بـ"ريد ألفا" (Red Alpha) بإنشاء واقع مزيفة تحاكي المنصات الحكومية التايوانية بهدف تضليل الشخصيات السياسية، وكان الحزب الديمقراطي التقدمي هدفًا رئيسيا لتلك الهجمات.

وفي شهر حزيران/يونيو من العام الجاري كشفت شركة الأمن السيبراني الأميركية "ريكورديد فيوتشر" عن قيام مجموعة القرصنة "ريدجوليت" (RedJuliett)، وهي مجموعة يُشتبه في دعمها من الصين، باختراق 20 مؤسسةً تايوانية في الفترة ما بين تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي ونيسان/إبريل من هذا العام، وترجح شركة الأمن السيبراني الأميركية أن الهدف هو "دعم جمع المعلومات الاستخباراتية حول العلاقات الدبلوماسية والتطور التقني في تايوان".

وذكرت الشركة في تقريرها: "لاحظنا أن المجموعة استهدفت قطاع التقنية داخل تايوان بصورة ملحوظة، بما في ذلك المؤسسات المتخصصة في مجالات تقنية حساسة. نفذت مجموعة ريدجوليت استكشافًا للثغرات الأمنية أو حاولت استغلالها ضد شركة أشباه الموصلات وشركتين في مجال الطيران متعاقدتين مع الجيش التايواني".

صناعة أشباه الموصلات في مرمى الهجمات السيبرانية الصينية

تهيمن تايوان على صناعة أشباه الموصلات، حيث تنتج نحو 92 بالمئة من أشباه الموصلات الأكثر تطورًا، الأمر الذي وضعها في مركز سلاسل توريد الإلكترونيات العالمية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، ومكّنها من إحراز موطء قدمٍ راسخ في الصراعات الجيوسياسية. ولعلّ هذا من بين الأسباب الرئيسية للصراع الصيني الأميركي على تايوان، فأشباه الموصلات هي شريان الحياة للعصر الرقمي الحديث، لأنها تدخل في صناعة كل الأجهزة الإلكترونية تقريبًا.

وقد دفع ذلك بكين إلى وضع الصناعة في تايوان على سلم أولويات هجماتها السيبرانية متعددة الجوانب، بهدف الحد من الميزة التنافسية التقنية التي تتمتع بها تايوان في هذا المجال، لكن أيضًا بهدف "سرقة الملكية الفكرية لتقنيات صناعة أشباه الموصلات" حسب تقرير "بوز آلان هاميلتون" الذي ذكر أنه بين عاميْ 2018 و2019 استهدفت عمليةٌ عُرفت باسم "سكيلتون كي" (Skeleton Key)، سبع شركات توريد أشباه موصلات على الأقل، تقع في مجمع "سين شو" للعلوم في تايوان الذي يُشار إليه غالبًا باسم "وادي السيليكون" التايواني.

وكان هدف القراصنة، حسب التقرير "سرقة مجموعة متنوعة من البيانات الحساسة، ومنها أكواد المصدر للبرمجيات، وبعض البرامج المتعلقة بتصميم الشرائح، بجانب تصميماتٍ تخص الدوائر الإلكترونية المدمجة، وغيرها من الملكية الفكرية لعدة تقنيات هامة في هذا النطاق، حسبما ذكر تحليل صدر عام 2020 من شركة الأمن السيبراني التايوانية "سايكرافت تكنولوجي".

أدوار للجيش الصيني:

تزعم التقارير الغربية أنّ الجيش الصيني يلعب دورًا محوريا في الحرب السيبرانية على تايوان، إذ يخترق باستمرار الشبكات العسكرية التايوانية، ويركز أنشطته السيبرانية بصورةٍ مكثفة على عدة مكونات أساسية في البنية التحتية الدفاعية لتايوان.

 وشملت الهجمات في هذا المجال مواقع الهيئة الإدارية الرئيسية لوزارة الدفاع، والأكاديمية العسكرية الأولى في تايوان، ووكالة تجنيد المواطنين التابعة للقوات المسلحة، ومرافق الرعاية الصحية لأفراد الجيش، والإدارات التي تشرف على العمليات النفسية والاتصالات العسكرية. وتذكر التقارير في هذا المجال اسم مجموعة القرصنة الشهيرة باسم "تروبيك تروبر" (Tropic Trooper)، فهي المسوؤلة، حسب التقارير، عن جهود اختراق الشبكات العسكرية التايوانية السرية والحساسة للغاية، وفقًا لما ذكرته شركة الأمن السيبراني "ترند مايكرو".

استهداف الشراكات الأميركية التايوانية:

تبذل الصين جهودًا موازيةً من أجل الإضرار بالشراكة الاستراتيجية بين أميركا وتايوان، عبر حملات تأثير سيبرانية تستهدف تشويه سمعة القادة بالولايات المتحدة، وإظهارها إما بوصفها قوةً مزعزعةً للاستقرار أو حليفًا لا يمكن لتايوان الاعتماد عليه.

تبذل الصين جهودًا موازيةً من أجل الإضرار بالشراكة الاستراتيجية بين أميركا وتايوان، عبر حملات تأثير سايبرانية

هذا بالإضافة طبعًا إلى تركيب هجمات سيبرانية بهدف "جمع معلوماتٍ استخباراتية حساسة تتعلق بالسياسات الأميركية التايوانية من أعضاء مؤثرين في الكونغرس الأميركي والسلطة التنفيذية".

ويعد اختراق مجموعة القرصنة التابعة للصين "ستورم-0558175” لحسابات البريد الإلكتروني لأشخاص في أكثر من 25 مؤسسة أميركية، أبرز الأمثلة على الهجمات السيبرانية الصينية المستهدفة للتعاون الأميركي التايواني، فقد كان ضمن قائمة المستهدفين موظفي وزارة الخارجية المعنيين بشؤون شرق آسيا، ووزير التجارة، والعديد من المؤسسات البحثية، الذي وقع اختيارهم بسبب تأثيرهم على العلاقات الأميركية الصينية.

فضلًا عن ذلك تستهدف الهجمات السيبرانية الصينية ـ التي تنسقها على سبيل المثال مجموعة "فولت تايفون" ـ قطاعات البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة، مثل مرافق الطاقة والمياه والموانئ وأنظمة الاتصالات، خاصةً منها تلك المرتبطة بالقواعد العسكرية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ.