15-يوليو-2024
The Boys

أنتوني ستار وكاميرون كروفيتي في لقطة من المسلسل (برايم فيديو)

يختار الموسم الرابع لسلسلة "The Boys" (الرفاق)، الذي ينتهي عرضه على خدمة برايم فيديو في 17 تموز/يوليو الجاري، موضوعاته من وحي الانقسام السياسي – الثقافي الذي تعيشه الولايات المتحدة. منذ الموسم الأول (2019)، سخَّر الكاتب الرئيسي للمسلسل، إريك كريبكي، جهدًا كبيرًا لتقديم الأبطال والبطلات الخارقين كأشرارٍ يزيفون إنقاذ البشرية بالاعتماد على سيناريوهات معدّة مسبقًا هدفها تحقيق المشاهدات على السوشيال ميديا، ممهدًا الطريق للوصول في قصته إلى السخرية من تعليقات الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والتقليل من شأنها.

المسلسل مزيج من نقد لاذع وحاد لتعليقات المؤثرين والقادة الجمهوريين على منصات السوشيال ميديا، ومحاكاة ساخرة لاقتحام أنصار الرئيس السابق الناجي من محاولة الاغتيال. إنه تحذير جاد من مخاطر مشروع 2025 المحافظ، الذي سيبدأ تنفيذه في اليوم التالي من نتائج الانتخابات الأميركية إذا ما فاز ترامب بها.

يستكمل الموسم الرابع أحداث الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث التي انتهت بقتل هوملاندر (أنتوني ستار) بأشعه عينيه الليزرية رجلًا أمام الجمهور. القصة واضحة مع الجمهور المؤيد لهوملاندر، هو بطل خارق أبيض البشرة يمثل الخلاص للأميركيين من "الدولة العميقة، المتحرشين بالأطفال، مناهضي الإجهاض، والاشتراكيين الملحدين"، وما إلى ذلك من التعليقات المحافظة التي تروج لها منافذ اليمين العالمي على أرض الواقع. ترتبط الحلقات الثلاث الأولى أكثر ببراءة هوملاندر من تهمة القتل العمد، لذا ليس غريبًا أن يكون عرضها مزامنًا لمحاكمة ترامب، قبل نحو شهر تقريبًا.

يعيد "The Boys" صياغة تصورات مختلفة لتبدو كما لو أنها تحذير من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة وتوقّع مستقبل قاتم للأميركيين

تصوّرات مختلفة يعيد صياغتها كريبكي، لتبدو كما لو أنها تحذير من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وتوقّع مستقبل قاتم للأميركيين، حيثُ يتم عرضها بصورة مباشرة متجنبًا الالتفاف على الحرب الثقافية العالمية، أو التلميحات غير المباشرة، مختصرًا رسالة المسلسل بأنه: كل شيء واضح أمام الجمهور الأميركي، وما عليه إلا الاختيار. وهذا الوضوح يشبه وضوح خطة "مشروع 2025"، الذي يسعى إلى "تطهير" المؤسسات الأميركية من الديمقراطيين، يحتاج المشروع 180 يومًا لاستبدال الموظفين الديمقراطيين بطاقم جمهوري دُرب في العاصمة واشنطن منذ سنوات عديدة، وضوح الخطة يُفهم أكثر في المسلسل الوثائقي "The Family" الذي أنتجته نتفليكس في عام 2019.

قد يبدو أن "The Boys" أصبح مكررًا ومملًا في الموسم الرابع، وهي مطبات تقع فيها الكثير من السلاسل التلفزيونية مما يفقدها جاذبيتها، لكن ذلك لا يعني عدم وجود بعض التفاصيل الجديدة التي تجعل الجمهور يستمر في المشاهدة على أمل تحوّل أو حدث مفاجئ يعيد للمسلسل شيئًا من متعة الفرجة التي أصبح بعض الجمهور بفتقدها، وهو يستعيدها بالفعل في الحلقتين السادسة والسابعة. تبدو مطبات الملل في الحلقات طبيعية، هي في الأساس لا تنقص من قيمته، لأنها تعمل كرسالة هجاء شديدة اللهجة لسياسات الجمهوريين، وهو نهج اعتمدته الاستديوهات المتخصصة بإنتاج أعمال الأبطال والبطلات الخارقين منذ اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2020.

غالبًا ما صدّرت لنا القصص المصوّرة الشخصيات الخارقة على أنها شخصيات تحارب الشر، وتحاول حماية الولايات المتحدة قبل العالم من الدمار. حاول المخرج زاك سنايدر سابقًا أن يقدم رؤية مختلفة لشخصية سوبرمان – يقابلها هوملاندر في "The Boys" – في عرضه الخاص "Justice League: The Snyder Cut" (تحالف العدالة: نسخة زاك سنايدر)، كان الهدف إظهار الجانب المظلم للشخصية الأيقونية في عالم الأبطال الخارقين، لكن هذه الرؤية قوبلت بالرفض من قبل شركة وارنر براذرز. ديسكفري (وارنر براذرز سابقًا).

وعلى العكس، جاء "The Boys"، المقتبس هو الآخر عن سلسلة القصص المصوّرة بالعنوان ذاته، ليقدم لنا قصة مشابهة بأبطال وبطلات خارقين جدد محكومين بالانصياع لنزواتهم الشخصية، واضطراباتهم النفسية الحادة، ولديهم نظرة دونية للبشر العاديين. كانت هذه الميزة مثيرة للجمهور لكسرها الصورة النمطية للأبطال والبطلات الخارقين. دائمًا ما كانت الفكرة الأساسية لهذه الأعمال، كما الحال مع أعمال مارفل استديو ودي سي استديو، تقوم على زج الشخصيات الشريرة في السجن المشدّد، والتركّيز على سيادة وانتصار القانون. وفجأة وصلنا "The Boys" بهذه النظرة المختلفة معيدًا لأعمال الأبطال والبطلات الخارقين شيئًا من بريقها المفقود، ما جعله يتصدّر قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة على برايم فيديو حتى ظهور مسلسل "Fallout" في وقت سابق من العام الجاري.

يمضي الموسم الرابع في تطوير تحوّلات الشخصيات الرئيسية للقصة، على الرغم من أنها كانت جزء رئيسي من حبكة المواسم السابقة. يتصاعد الصراع بين هوملاندر من طرف، وبيلي بوتشر (كارل أوربان) من طرف آخر، على هوية الأب البيولوجي للطفل رايان (كاميرون كروفيتي)، أول طفل أبيض ولد بشكل طبيعي مع قوى خارقة دون مساعدة لقاح شركة "فوت الدولية".

الأول يريده شخصية سيكوباتية متسلطة مشابهة له باحتقارها البشر العاديين، والثاني يجد في رايان خلاص البشرية من هوملاندر. وفي الحلقة السابعة يتحقق شيء من نبوءة بوتشر. فعليًا رايان هو الشخص الوحيد القادر على هزيمة هوملاندر، وبدأ يكتشف الجانب المظلم من شخصية والده، اكتشاف يخدم فكرة إنتاج موسم خامس وأخير للسلسلة. كذلك يعيش بوتشر أزمة صحية نتيجة تعاطيه عقاقير "فوت الدولية" للحصول على قوى خارقة، مما أدى إلى تآكل أجزاء من دماغه، لذلك يخوض سباقًا مع الزمن للتأكد من موت هوملاندر قبل وفاته، بينما تتضخم الاضطرابات النفسية وجنون العظمة التي يعيشها هوملاندر مع دخوله أزمة منتصف العمر، وفقدانه الثقة بجميع من حوله.   

الانقسام يبلغ ذروته بين مجموعة "الرفاق" من طرف، ومجموعة السبعة للأبطال والبطلات الخارقين الذين يمثلون "فوت الدولية" من طرف آخر، ليظهر توقيت عرض المسلسل في هذه الفترة بأنه غير بريء، حيث تظهر المفاجئات في جميع حلقات المسلسل، تحاكي الحلقة الثالثة تعليقات منصات السوشيال ميديا بشأن محاولة اغتيال ترامب، وتركّز الحلقة الخامسة على نقاشات حق الإجهاض العالمية، كما تتخيّل الحلقة السادسة – بصورة واقعية – مخططات الجمهوريين للانقلاب على الديمقراطية في البيت الأبيض، بينما تستمر الحلقة السابعة في تقديم تصوّرات مباشرة لمحاولة ترامب السيطرة على الحزب الجمهوري عبر هوملاندر.

تضفي هذه التطورات التي يراها الجمهور مملة – مع الأسف – المزيد من الواقعية على المسلسل، فاستمرار العداوة بين الشخصيات يحفاظ على مستوى العنف في مشاهد الرؤس المهشمة، الأجساد المقطّعة، والدماء المتناثرة في كل مكان. أيضًا يرفض المسلسل التخلي عن الكوميديا السوداء التي عرفناها في المواسم السابقة، إضافة لمحاولة ارتباطه بالمسلسل المشتق عنه "Gen V" الذي يدور حول محاولة "فوت الدولية" تطوير فيروس للقضاء على الأبطال والبطلات الخارقين الخارجين عن السيطرة، والهدف الأساسي منه يتمثّل بالقضاء على هوملاندر نفسه.

هكذا، يستمر "The Boys" في سرد قصته على نسق واحد مع بعض التطورات في القصة. على الجانب الأول يحاول "الرفاق" التعامل مع أزماتهم الشخصية المرتبطة بماضيهم. تعمل ستارلايت/آني جانوري (إيرين موريارتي) جاهدةً للتوفيق في وقتها بين أنصارها من جهة، ومساعدة "الرفاق" في منع نجاح المرشحة لنائبة الرئيس فيكتوريا نيومان (كلوديا دوميت)، السياسية الصاعدة والبطلة الخارقة التي يمكنها تفجير الرؤوس بنظرة من عينيها. يعيش هيوي كامبل (جاك كويد) أزمة عائلية تتمثل بظهور والدته المفاجئ في حياته، ودخول والده في غيبوبة. بينما يتوجب على كيميكو مياشيرو (كارين فوكوهارا) وفرينشي (تومر كابون) التعامل مع مشاعرهما تجاه بعضهما البعض، وماضيهما الدموي والعنيف، أما بالنسبة لعميل الاستخبارات وقائد مجموعة "الرفاق" حليب الأم (لازا ألونسو)، فإنه يحاول بكل قوته إنهاء المهمة بالقضاء على هوملاندر.

استمرار العداوة بين "الرفاق" ومجموعة السبعة يحفاظ على مستوى العنف في مشاهد الرؤس المهشمة، الأجساد المقطّعة، والدماء المتناثرة في كل مكان

على الجانب الثاني، تبدو الأمور مثلما كانت في الموسم الثالث مع بعض التطورات الجديدة، تكتشف المديرة التنفيذية لـ"فوت الدولية" أشلي باريت (كولبي مينيفي) أنها شخص بلا قيمة، ومجردة من جميع الصلاحيات، قد تكون محفزًا لدخولها في صراع غير مباشر مع هوملاندر. وتزداد حيرة عميق (تشيس كراوفورد) في رحلة البحث عن الذات التي تجعله أكثر عرضة للتلاعب، أما نوار (ناثان ميتشيل) فإن مهامه مختصرة بكونه إكسسوار لتعويض الشخصية الأصلية التي قتلها هوملاندر في الموسم السابق، تجعله يتحول إلى قاتل بأوامر من هوملاندر، التغير الوحيد يطرأ على شخصية "أي تراين" (جيسي آشر) الذي يسعى إلى تصحيح أخطاء الماضي بالتحرر الحذر من سلطة هوملاندر، وباقي أفراد المجموعة، مما يدفعه نحو إنشاء تحالفات جديدة.

الجديد على مستوى هذه المجموعة المليئة بالاضطرابات النفسيه سيكون بانضمام الأخت سينغ (سوزان هيوارد)، قوتها الخارقة تختصر بأنها حرفيًا أذكى شخص في العالم، فقد تم ضمها للمجموعة من قبل هوملاندر الذي سئم تملق الآخرين، وانصياعهم لرغباته السيكوباتية، هي فعليًا العقل المفكر لمخططاته القذرة للسيطرة على الحكم، ودوافعها الشخصية بالانضمام للمجموعة معروفة، مثل دوافع هوملاندر المهتم باستقطاب مجتمع السود.

ولدينا أيضًا الوافدة الجديدة إلى المجموعة مدونة البودكاست صاحبة الأفكار اليمينية المتطرفة فايركراكر (فالوري كري)، ليس لها قوى خارقة مثل باقي أفراد المجموعة، لكن قيمتها تكمن في كرهها الشديد لستارلايت/آني جانوري (إيرين موريارتي)، والترويج لجميع نظريات المؤامرة التي تؤمن بها حركة "كيو أنون" (QAnon) في الحياة الواقعية.

يحافظ الموسم الرابع لـ"The Boys" على الإثارة التي اعتدنا عليها في المواسم السابقة، وترتفع توقعاتنا تجاه الجزء الأخير مع تطور القصة التي رافقها نوع من الملل في الحلقات الأولى، ودائمًا ما يكسرها مشاهد العنف والدماء، هذه المشاهد هي في الأساس الجزء الرئيسي من هذا العرض المُصنف للبالغين. كما أن الذهاب بالقصة إلى مستوى أكثر تطرفًا في محاكاة الانقسام السياسي بين المعسكرين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة يقدم للجمهور لمحة عن المأزق السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. كذلك، فإن بعض المشاهد التي تجرد الحلقات الأولى من الرسائل السياسية المباشرة تجعلنا نتوقّع تحوّلات مفاجئة في الحلقات القادمة، على الأقل في مستوى تعامل أفراد مجموعة السبعة مع نزوات هوملاندر السيكوباتية للحفاظ على حياتهم.