النشاط المتزايد لمجموعة فاغنر في أفريقيا، ودورها المحوري في الحرب الروسية بأوكرانيا، وأعمالها الوحشية في عدد من البلدان، دفع بالولايات المتحدة إلى تصنيف المجموعة "منظمةً إجراميةً عابرةً للقارات"، فيما أعلن مكتب المدعي العام لأوكرانيا، يوم الجمعة 3 شباط/ فبراير، رفع قضية جنائية ضد رئيس شركة فاغنر يفغيني بريغوجين، بتهمة شن حرب عدوانية والتعدي على أوكرانيا.
تنشر مجموعة فاغنر عناصرها في دول أفريقية وشرق أوسطية بما في ذلك مالي وليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا
في الوقت نفسه، أصبحت فاغنر ورئيسها، ضمن أبرز العناوين اليومية، نتيجة مشاركته شركته الفاعلة في معارك باخموت ومحيطها شرق أوكرانيا، وهي المعارك الأبرز حاليًا في الغزو الروسي لأوكرانيا، بالإضافة إلى تصدر قواته معارك سوليدار. كما أصبح رئيس الشركة بريغوجين، شخصًا فاعلًا في المجال السياسي الروسي، ويخرج منتقدًا لقيادات الجيش، بالإضافة إلى إعلانه السيطرة على المناطق، قبل أي إعلان رسمي روسي. كل ما سبق كان عاملًا لفتح النقاش العالمي حول شركة فاغنر، كاشفًا معه عن أدوار أخرى للشركة الأمنية الروسية، المسكوت عنها لسنوات، من سوريا إلى أفريقيا.
تنشر مجموعة فاغنر عناصرها في دول أفريقية وشرق أوسطية بما في ذلك مالي وليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا، وتتحدث التقديرات البحثية عن أن هدف فاغنر في أفريقيا هو دعم المصالح الروسية، خاصة بعد الاهتمام العالمي المتزايد بالموارد في القارة الغنية بها.
وبالطبع، لا تعلن فاغنر عن نشاطها الذي أصبح واسعًا بشكلٍ رسمي، لكن وجودها بات ملحوظًا من خلال التقارير والممارسات الإجرامية على الأرض. واتهم خبراء حقوقيون يعملون مع الولايات المتحدة، المجموعة بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية محتملة في مالي ، حيث تقاتل الشركة الأمنية إلى جانب القوات الحكومية.
وبحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، كثفت الولايات المتحدة من جهودها لطرد المجموعة الروسية من ليبيا والسودان، عن طريق تصعيد ضغوطها على حلفائها في الشرق الأوسط.
وأفاد أكثر من عشرة مسؤولين ليبيين وسودانيين ومصريين للوكالة، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، بأن إدارة بايدن تعمل منذ عدة أشهر مع مصر والإمارات للضغط على القادة العسكريين في السودان وليبيا لإنهاء علاقاتهم مع المجموعة الروسية، حيث قال مسؤول حكومي مصري رفيع المستوى على دراية مباشرة بالمحادثات إن "المسؤولين الأمريكيين تنتابهم هواجس من مجموعة فاغنر، إنهم على رأس الحديث في كل اجتماع".
كما قال مسؤولون مصريون إن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن "ناقش دور المجموعة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارته للقاهرة، والتي جرت أواخر الشهر الماضي. وأقر مدير جهاز الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز في كلمة له بجامعة جورج تاون في واشنطن أنه وبعد رحلته الأخيرة لأفريقيا كان قلقًا بشأن تأثير فاغنر المتزايد في القارة.
وطلب بيرنز وبلينكن من حكومة السيسي المساعدة في إقناع عسكر السودان والعسكري خليفة حفتر بإنهاء تعاملاتهم مع فاغنر، حسبما قال مسؤول مصري مطلع على المحادثات.
ففي السودان، ارتبطت المجموعة في الأصل برئيس النظام السابق عمر البشير، وتعمل حاليًا مع القادة العسكريين الذين يحكمون البلاد، وفي ليبيا تشير التقارير إلى أن "فاغنر مرتبطة بالرجل القوي في شرق ليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر".
وقالت الخبيرة في شؤون فاغنر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن كاترينا دوكس، إن "المجموعة تميل إلى استهداف البلدان ذات الموارد الطبيعية التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف موسكو، كمناجم الذهب في السودان على سبيل المثال، حيث يمكن بيع الذهب المستخرج بطرق تتجنب العقوبات الغربية".
وقال مسؤول سوداني كبير إن "القادة العسكريين في البلاد تلقوا رسائل أمريكية متكررة، عبر مصر ودول الخليج، بشأن نفوذ فاغنر المتزايد في الأشهر الأخيرة"، وأضاف أن "مدير المخابرات المصرية عباس كامل نقل مخاوف الغرب في محادثاته في الخرطوم الشهر الماضي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم في السودان الفريق عبد الفتاح برهان"، وتابع أن كامل حث البرهان على إيجاد طريقة للتعامل مع "استخدام فاغنر للسودان كقاعدة للعمليات في دول مجاورة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى".
وانطلق نشاط مجموعة فاغنر في السودان في عام 2017، حيث قدمت التدريب العسكري للمخابرات والقوات الخاصة وللمجموعة شبه العسكرية المعروفة باسم قوات الدعم السريع، التي انبثقت عن ميليشيا الجنجويد، التي يقودها الرجل الثاني في مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي تربطه علاقات وثيقة بالإمارات والسعودية، حيث لديه قوات تقاتل إلى جانب التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن.
وأشار المسؤول السوداني إلى أن مرتزقة فاغنر لا يقومون بدور قتالي في السودان، بل يقدمون تدريبات عسكرية واستخباراتية، فضلًا عن مراقبة وحماية المواقع وكبار المسؤولين.
وبحسب "أسوشيتد برس"، فإنه يبدو أن القادة العسكريين السودانيين منحوا فاغنر السيطرة على مناجم الذهب في مقابل ذلك. حيث أن أنشطة فاغنر تتركز في المناطق الغنية بالذهب، والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور والنيل الأزرق ومحافظات أخرى.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركتين لعملهما كواجهة لأنشطة تعدين لصالح فاغنر، وهما شركة تعدين الذهب السودانية ميروي غولد، التي تمتلكها شركة "إم إنفست" ومقرها روسيا، وعلى الرغم من العقوبات، لا تزال ميروي غولد تعمل في جميع أنحاء السودان.
وساعدت فاغنر، قوات الدعم السريع على تعزيز نفوذها ليس فقط في المناطق النائية بالبلاد، ولكن أيضًا في العاصمة الخرطوم، حيث تقوم المجموعة بإدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مؤيدة لقوات الدعم السريع.
ويقع المعسكر الرئيسي لمجموعة فاغنر في قرية أم دافوق المتنازع عليها، على الحدود بين جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، وفقا لنقابة محامي دارفور، وهي مجموعة قانونية تركز على قضايا حقوق الإنسان.
أمّا في ليبيا، فقد أجرى مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية محادثات في طرابلس مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، كما التقى مع خليفة حفتر في شرقي البلاد، ووفقًا لمسؤولين في معسكر حفتر، اطلعوا على الاجتماع الذي جرى في معسكر الرجمة العسكري، وهو مقر قيادة قوات حفتر، ويقع خارج مدينة بنغازي، فإن موضوع فاغنر كان القضية الرئيسية في النقاش.
ويؤكد خبراء من الأمم المتحدة أن مجموعة فاغنر تنتشر في ليبيا منذ 2018 لمساعدة قوات حفتر في قتالها ضد المعارضة لها في شرقي البلاد، كما شاركت المجموعة أيضًا في الهجوم الفاشل، الذي شنته قوات حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، في نيسان/ أبريل 2019.
وتقدر القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، أن هناك حوالي 2000 مرتزق من فاغنر في ليبيا بين تموز/ يوليو وأيلول/سبتمبر 2020، مجهزين بعربات مدرعة، وأنظمة دفاع جوي، وطائرات مقاتلة، ومعدات أخرى زودتهم بها روسيا. وأضافت القيادة أن المجموعة ربما تتلقى أموالًا من الإمارات، الداعمة الرئيسية لحفتر.
وقال مسؤولون ليبيون إنه منذ وقف إطلاق النار عام 2020، تركزت أنشطة مجموعة فاغنر حول المنشآت النفطية في وسط البلاد، كما واصلوا في تقديم التدريب العسكري لقوات حفتر، وبحسب مسؤول ليبي آخر، فإن المسؤولين الأمريكيين طالبوا بسحب "فاغنر" من المنشآت النفطية.
تقدر القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، أن هناك حوالي 2000 مرتزق من فاغنر في ليبيا بين تموز/ يوليو وأيلول/سبتمبر 2020
لكن الوكالة تشير إلى أن حفتر لم يقدم أي التزامات، لكنه طلب ضمانات بعدم شن تركيا وقوات الحكومة الليبية التي تدعمها في غرب ليبيا، هجومًا على قواته في مدينة سرت الساحلية ومناطق أخرى في وسط ليبيا. كما طالبت مصر، التي تربطها علاقات وثيقة بحفتر، بعدم تمركز فاغنر بالقرب من حدودها، وفقًا للوكالة. وتنقل الوكالة عن مراقبين قولهم بأنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن ضغوط الإدارة الأمريكية أسفرت عن نتائج سواء في السودان أو ليبيا.