17-سبتمبر-2024
سياسة شق الطرق في غزة

تريد إسرائيل فرض واقع جديد في غزة (الأناضول)

يسعى الاحتلال الإسرائيلي جاهدًا إلى تغيير معالم قطاع غزة وطابعه الجغرافي والديمغرافي، مستخدمًا لتحقيق ذلك الهدف سياسة شق الطرق الجديدة التي تمكنه من قضم الأرض ومصادرتها وتحويلها إلى مشاريع تخدم أهداف الاحتلال العسكرية والسياسية، التي من غير المستبعد أن يكون من ضمنها إقامة مستوطنات دائمة في القطاع، وهو مطلبٌ رئيسي لدى اليمين الديني المتطرف في حكومة نتنياهو، أو المحافظة على وجود عسكري وأمني دائم في القطاع المحاصر.

وتعليقًا على هذه السياسة الاستعمارية، قال رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" إن: "إجراءات إسرائيل تمثل تكريسًا لسياسة قضم الأراضي وطرد السكان".

واعتبر منسق اتحاد بلديات قطاع غزة، حسني مهنا، أنّ الطرق الجديدة أدواتٍ تعمّق الاحتلال وتزيد معاناة الفلسطينيين، ضمن سياسة الإبادة الجماعية ومحاولة تهجير السكان في غزة وفرض واقعٍ جديد على الأرض.

واقع جغرافي جديد

تفصل الطرق العسكرية التي شقتها القوات الإسرائيلية بين المدن والمحافظات في قطاع غزة، فارضةً بذلك واقعًا جغرافيًا جديدًا يعيق حركة المواطنين ويزيد من صعوبات حياتهم اليومية.
ويعدّ محور "نِتْساريم"، حسب المتابعين لهذا الملف، أحد أخطر الطرق التي شقتها إسرائيل مؤخرًا في قطاع غزة، حيث يمتد بطول 7 كيلومترات من منطقة كيبوتس "بئيري" شرقًا وصولًا إلى ساحل البحر المتوسط غربًا.

تخطط حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل لإقامة مستوطنات أو لوجود إٍسرائيلي دائم في غزة من خلال قوات عسكرية

ويفصل هذا المحور مدينة غزة وشمالها عن وسط وجنوب القطاع، مشكّلًا بذلك حاجزًا يقيد حركة الفلسطينيين جغرافيًا ويعرقل تنقل الشاحنات المحملة بالمساعدات والبضائع بين الشمال والجنوب.

ومع توسيع عرض الطريق ليصل في بعض المناطق إلى نحو 2 كيلومتر، يقول حسني مهنا لـ"الأناضول" إن: "الجيش الإسرائيلي صادر مساحاتٍ واسعة من الأراضي الزراعية، ودمّر مربعات سكنية واسعة على جانبي الطريق".

وللتحكم أكثر، أنشأ الجيش الإسرائيلي حاجزين عسكريين، أحدهما عند تقاطع الطريق الجديد مع شارع صلاح الدين شرقًا، والآخر عند تقاطعه مع شارع الرشيد غربًا، يمر من خلالهما النازحون الفلسطينيون الهاربون من جحيم الجوع والعطش والبطش الإسرائيلي.

وتنقل "الأناضول" روايات مريرة للسكان الذين عبروا من حاجز "نتساريم" الغربي على شارع الرشيد الساحلي، حيث يقول أحد هؤلاء إنّ الأمر: "كان مرعبًا، فقد تم توقيفي واحتجازي لساعات عديدة دون أي توضيح، وكان الجنود المختبئون خلف مكعبات إسمنتية وآليات مدرعة، يطرحون أسئلةً تبدو بلا معنى، شعرت وكأنني في منطقة حرب مغلقة".

ويصف شاهد العيان الوجود العسكري الكثيف والمركبات المدرعة في المكان إضافةً للتجهيزات العسكرية، بأنها: "تجعل كل من يحاول العبور يشعر وكأنه في مواجهة دائمة مع الموت، وأن فرص النجاة ضئيلة جدًا".

هذا فيما يتعلّق بمحور نتساريم، أما فيما يخص محور صلاح الدين على الحدود المصرية الفلسطينية جنوب قطاع غزة، والذي يمتد على طول 14 كيلومترًا فيعدّ هو الآخر أبرز الطرق الحدودية التي تستخدمها إسرائيل لعزل القطاع عن العالم الخارجي، خاصةً بعد سيطرتها على معبر رفح منفذ غزة الوحيد إلى مصر.

ويزعم جيش الاحتلال أنه سيطر على محور صلاح الدين بسبب وجود أنفاقٍ أسفله تستخدم لتهريب الأسلحة إلى القطاع، كما زعم الاحتلال في ذات السياق عثوره على عشرات الأنفاق أثناء عمليته العسكرية البرية في مدينة رفح. لكنّ مصر ترفض هذه الاتهامات، وتؤكد في المقابل أنّها دمرت مئات الأنفاق على جانبها من الحدود قبل سنوات، وأنشأت منطقةً عسكرية عازلة لمنع التهريب. ورغم ذلك، تستمر إسرائيل في استخدام الشريط الحدودي ذريعةً لا لمواصلة السيطرة والتدمير، بل لمنع التوصل أيضًا لأي اتفاق لتبادل الأسرى وإنهاء الحرب. 

في حين أنّ هدف الاحتلال من الإصرار على البقاء في محور صلاح الدين هو أساسًا توسع نطاق سيطرته الجغرافية في القطاع لفرض واقع جديد وفرض المزيد من القيود على الفلسطينيين وتهجيرهم.

وهناك طريقٌ أمني آخر شقّه جيش الاحتلال لعزل جنوب غزة عن مصر بشكلٍ كامل، هو طريق ديفيد الذي يمتد من معبر كرم أبو سالم التجاري حتى شارع صلاح الدين.

ومن أجل شق هذا الطريق نسف جيش الاحتلال مئات الوحدات السكنية، الأمر الذي تسبب في تشريد آلاف الفلسطينيين وتهجير عائلات كانت تعيش على هذه الأراضي لعقود.

تداعيات سياسة تغيير المعالم

في الأساس كانت الأراضي التي تمت مصادرتها في محور نيتساريم أراضٍ زراعية ذات أهمية كبيرة للفلسطينيين، لكنها جُرّفت وتحولت إلى ممرات عسكرية تخدم أهداف إسرائيل.

ويقول حسني مهنا: "إن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى تغيير معالم المدن والمحافظات في قطاع غزة بشق هذه الطرق لأهداف عسكرية وسياسية". مضيفًا أنّ: "هذه الخطوات تأتي ضمن سياسة قهر الفلسطينيين نفسيًا وتجريدهم من أملهم في استعادة أراضيهم أو العيش في أمن واستقرار".

أما رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، فيصف إجراءات إسرائيل بأنها: "تكريس لسياسة قضم الأراضي وطرد السكان". ويرى عبده في تصريح لوكالة "الأناضول"، أن شق هذه الطرق ليس مجرد إجراء عسكري مؤقت، بل هو جزء من مخطط أوسع لتغيير الطابع الديموغرافي والجغرافي لقطاع غزة.

ويضيف: "الهدف الرئيسي من وراء هذه السياسات هو إفراغ المناطق من سكانها الأصليين وفرض واقع جديد على الأرض يتوافق مع المخططات الإسرائيلية طويلة الأمد".

ويشير إلى أن هذه السياسات تُمارس تحت غطاء عسكري، لكنها في الواقع تهدف إلى السيطرة الدائمة على الأراضي الفلسطينية وتشويه معالمها الجغرافية والديموغرافية، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية التي تحظر مثل هذه الإجراءات بحق السكان المدنيين تحت الاحتلال.