16-أغسطس-2024
جنود عائدون من كورسك

(AP) جنود أوكرانيون داخل مدرعة في كورسك قرب الحدود الأوكرانية

حذر النائب في البرلمان الروسي، ميخائيل شيريميت، من أن التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك الحدودية مع أوكرانيا قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، في الوقت الذي أكد فيه مسؤول أوكراني أن القوات الأوكرانية أسرت أكثر من 100 جندي روسي في عملية وصفها بـ"المعقدة".

وبدأت القوات الأوكرانية هجومًا مفاجئًا على مقاطعة كورسك الحدودية في السادس من أب/أغسطس الجاري، والذي وصف بأنه أكبر هجوم تتعرض له الأراضي الروسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتقول كييف إن الهدف من الهجوم الضغط على موسكو في مفاوضات السلام.

أسر 102 جندي من وحدة "أخمات"

وفي التفاصيل، قال رئيس جهاز الأمن الأوكراني، فاسيل ماليوك، إن كييف أسرت مجموعة تضم أكثر من 100 جندي روسي، وفقًا لما نقلت وكالة "رويترز". وأضاف ماليوك على "تلغرام" موضحًا: "نفذنا عملية معقّدة أسفرت عن أسر 102 روسي. نحن نفكر بالفعل في كيفية تحقيق أقصى استفادة من هذا لإعادة المدافعين (الجنود الأوكرانيين) عنا إلى الوطن".

تقول كييف إنها تفكر في كيفية تحقيق أقصى استفادة من الأسرى الروس لإعادة جنودها إلى الوطن

وأفاد جهاز الأمن الأوكراني بأن الجنود الأسرى هم من فوج البنادق الآلية التابع للحرس الروسي 488، ووحدة "أخمات" التابعة له، لافتًا إلى أن هذا العدد الأكبر من الجنود الذين يتم أسرهم دفعة واحدة منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في شباط/فبراير 2022.

وأشار جهاز الأمن إلى أن القوات الأوكرانية: "سيطرت على مركز قيادة رئيسي محصن بالخرسانة وواسع النطاق من جميع الجوانب، مع اتصالات تحت الأرض، وثكنات للأفراد، ومطبخًا وأسلحة".

وقال قائد الجيش الأوكراني، أولكسندر سيرسكي، أمس الخميس، خلال اجتماع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي: "تقدمت قواتنا بالإجمال بعمق 35 كم منذ بدء العمليات في منطقة كورسك"، مؤكدًا أن الجيش يسيطر الآن في منطقة كورسك على 1150 كم، و85 بلدة.

من جانبه، أعلن زيلينسكي أن القوات الأوكرانية "حررت" بالكامل مدينة سودجا الروسية الواقعة على مسافة 10 كم تقريبًا من الحدود، والبالغ عدد سكانها 5500 نسمة، في أكبر انتصار للقوات الأوكرانية منذ بدء هجومها.

إلى ذلك، أعلن سيرسكي تشكيل إدارة عسكرية في كورسك تتولى شؤون المنطقة وضمان الأمن فيها، وتشرف على المسائل اللوجستية للقوات الأوكرانية، وهو ما يشير إلى أن كييف تريد ترسيخ وجودها في المنطقة الروسية.

وتقول السلطات الأوكرانية إن الهدف من هذا التوغل هو إرغام موسكو على سحب قواتها من قطاعات أخرى من الجبهة، وإقامة “منطقة عازلة” داخل الأراضي الروسية لحماية أوكرانيا من القصف، واستخدام الأراضي التي تتم السيطرة عليها لمبادلتها في مفاوضات محتملة.

العالم على شفا حرب عالمية ثالثة

ولمواجهة الهجوم الأوكراني المفاجئ، أعلن الجيش الروسي حشد تعزيزات عسكرية مؤكدًا، أمس الخميس، استعادة السيطرة على قرية كروبيتس في كورسك.

وأفاد وزير الدفاع الروسي، أندريي بيلوسوف، بأنه تم "تخصيص قوات ووسائل إضافية" لمنطقة بيلغورود المجاورة لكورسك، حيث يخيم وضع "متوتر للغاية"، بحسب حاكم المنطقة، فياتشيسلاف غلادكوف.

ووفقًا لما نقلت "رويترز" عن وسائل إعلام روسية، فإن البرلماني الروسي، شيريميت، صرح قائلًا: "بالنظر إلى وجود عتاد عسكري غربي مع استخدام ذخيرة وصواريخ غربية في الهجمات على البنية التحتية المدنية، فضلًا عن الدليل الدامغ على مشاركة أجانب في الهجوم على الأراضي الروسية، فإنه يمكن أن نستنتج أن العالم على شفا حرب عالمية ثالثة".

وأضاف شيريميت، العضو في لجنة الدفاع بالبرلمان الروسي، أن دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) أعطت الضوء الأخضر لتنفيذ خطط التوغل، وهو اتهام نفته الولايات المتحدة.

واتهم نيكولاي باتروشيف، وهو مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الغرب بالوقوف وراء الهجوم، وذلك في مقابلة مع صحيفة "إزفيستيا"، مشيرًا إلى أن "الناتو" وأجهزة الاستخبارات الغربية ضالعة في التخطيط لعملية كورسك، لكنه لم يقدم أي دليل.

وكانت وسائل إعلام بريطانية قد أكدت، أمس الخميس، أن الجيش الأوكراني كان يستخدم دبابات من طراز "تشالنجر 2" الثقيلة التي زودته بها المملكة المتحدة خلال هجومه في روسيا.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مستشار الرئاسة الأوكرانية، ميخايلو بودولياك، أمس الخميس، قوله إن "التغييرات الأخيرة على خط الجبهة" أظهرت أن كييف تستخدم "بشكل فعال المساعدات العسكرية والمالية" التي تلقتها من الخارج، دون أن يتم تأكيد هذه المعلومات.

وأعلنت موسكو الخميس السيطرة على قرية إيفانيفكا على مسافة حوالى 15 كم  من مدينة بوكروفسك التي تمثل مركزًا لوجستيًا مهمًا.

الأهداف الشاملة لكييف غير واضحة

وفي السياق، أشار مسؤولون أميركيون في حديث لـ"رويترز" إلى أن الأهداف الشاملة لكييف لا تزال غير واضحة. ونقلت الوكالة عن مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن: "الأمر يتعقّد كلما تقدموا إلى روسيا دون شروط محددة".

وأضاف المسؤول أن أوكرانيا بدأت في الاستيلاء على قرى وأهداف غير عسكرية أخرى باستخدام أسلحة ومركبات أميركية، فإن هذا قد يثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك ضمن القيود التي فرضتها واشنطن.

وقال مسؤول ثانٍ إن الإدارة الأميركية لم تتخذ بعد موقفًا عامًا لدعم أو معارضة الهجوم، مشيرًا إلى أنه لم يتضح أي الأسلحة أو المعدات الأميركية الصنع التي استخدمتها القوات الأوكرانية في التوغل.

من جانبه، صرح المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، لشبكة "MSNBC"، أمس الخميس، بالقول: "لقد كنا واضحين للغاية ومتسقين في أننا نريد حقًا أن نرى أوكرانيا تركز على الدفاع عن نفسها ضد هذا العدوان داخل حدودها بالطبع".

وأضاف "نحن لا نشجع ولا نمكّن من شن هجمات خارج أوكرانيا إلا في تلك الظروف الملحة حيث نعتقد أنهم يواجهون بعض التهديدات الوشيكة عبر الحدود".

التوغل غير مسار الصراع

في قراءة قدمتها حول التطورات الأخيرة التي تشهد الحرب الأوكرانية – الروسية، رأت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أنه مع توسع القوات الأوكرانية في منطقة سيطرتها بكورسك الروسية في الأسبوع الثاني من توغلها، فمن الواضح أنها سوف تضطر في نهاية المطاف إلى العودة إلى حدودها.

وأضافت المجلة أنه في نهاية المطاف، يشكل مبدأ استقلال الأراضي جوهر معركة أوكرانيا ورد الفعل الدولي الحازم على محاولة روسيا تغيير حدود أوروبا من خلال الغزو، موضحة أن التوغل الأوكراني أظهر بوضوح ضعفًا كبيرًا في دفاعات روسيا الحدودية، وأثار ارتباكًا في القيادة في موسكو، وأثبت قدرة أوكرانيا المستمرة في التحركات المفاجئة.

واعتبرت المجلة أن توغل أوكرانيا في كورسك غير مسار الصراع بشكل أساسي، مشيرةً إلى أنه كما لو كانت صاعقة من السماء، جاءت عملية كورسك، فدمرت ما كان بوتين يحاول أن يبنيه.

ووفقًا لـ"فورين بوليسي"، فإنه إلى أن الآن هناك كل الأسباب التي تدفع الغرب إلى تكثيف دعمه لأوكرانيا، إذ إن المسألة ليست مسألة تقدم الجيش الأوكراني إلى ضواحي موسكو، وهو أمر من الواضح أنه لن يحدث، بل إرغام القيادة السياسية الروسية على إدراك أنه لا توجد ببساطة أي وسيلة يمكنها من خلالها الفوز بهذه الحرب المجنونة.