يُورِد تيد روبرت غير في كتابه "لماذا يتمرّد البشر" بأنّ أحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي بالبشر إلى سلوك طرق الثورة والتمرّد والاحتجاج هو شعورهم بالحرمان النسبي، فالحرمان النسبي بحسب غير هو شعور يتولّد لدى الأفراد ويجعلهم يُدركون لحقيقة الحرمان الذي يُعانون منه، وذلك بعد أن يقوموا بعمل مقارنة بين ما حصلوا عليه من سلع وخدمات وحظوظ في الحياة وما حصل عليه الآخرون الذين يُقيمون معهم في نفس الدولة أو في دول مجاورة، فهذه المقارنة التي توصلهم إلى نتيجة تؤكّد لهم عيشهم في أوضاع ظالمة وغير منصفة، تدفع بهم إلى الشعور بمستويات عالية من السخط والإحباط، وتقودهم نحو الخروج في حركات احتجاجية ثورية يُطالبون فيها بإنصافهم ورفع الظلم عنهم.
أحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي بالبشر إلى سلوك طرق الثورة والتمرّد والاحتجاج هو شعورهم بالحرمان النسبي
ونظرية الحرمان النسبي كنظرية مفسّرة لصعود الحركات الاجتماعية والاحتجاجية هي نظرية فيها العديد من التعقيدات، واللافت في فيلم "الدرجة الثالثة" الذي تمّ إنتاجه في عام 1988، هو أنّه جاء يدور في أفلاك هذه النظرية، ورغمَ الطابع الكوميدي الذي يطغى على أجواء الفيلم، إلا أنّه يجيء محمّلاً بالعديد من الإسقاطات السياسية التي تدور حول البشر ونزوعهم إلى التمرّد عند شعورهم بالحرمان النسبي.
تتمركز أحداث الفيلم في عالم الرياضة وملاعب كرة القدم، وتدور حول الشاب سرور (أحمد زكي)، المشجّع لفريق مجهول الاسم، والذي ينضوي تحت لواء جمهور من المشجعين يُدعى جمهور الدرجة الثالثة، تقوده جمعية تُدعى جمعية حبايب النادي، التي تنقسم فيها الجماهير المشجعّة للنادي، وتأتي في تراتبية معينة، من أعضاء المقصورة التي تضمّ قادة الجمعية ومؤسسيها، إلى جمهور الدرجة الثالثة الذي يضمّ أفراد النادي العاديين الذين ينتمون إلى الطبقة الفقيرة.
يبتدئ الفيلم مشاهده الأولى بالتطرّق نحو أحوال التململ التي كان يشعر بها أفراد جمهور الدرجة الثالثة، وكانت بداية لتولّد مشاعر السخط والإحباط لديهم، فهم كانوا يتعرضون للاعتداءات في كلّ مرة يذهبون فيها لتشجيع الفريق خارج أراضي ملعبهم، وكانت الجمعية لا تُرسل معهم أي حماية لترافقهم في ملعب الخصم، وتكتفي بإرسال الورد لهم أثناء إقامتهم في المشفى كلّما تعرضوا لاعتداء.
ومن أحوال الحرمان التي كان يَشعر بها أفراد جمهور الدرجة الثالثة، وجودهم كمشجعين على مدرجات مكشوفة غير مسقوفة بمظلات كحال المدرجات التي يجلس عليها الأفراد من أعضاء المقصورة في وضع مستريح تُغطيهم مظلات تقيهم حرّ الشمس ومطر الشتاء.
يستعرض الفيلم أشكال الاحتجاج التي بدأ يقوم بها أفراد جمهور الدرجة الثالثة، عبر مقاطعتهم لتشجيع العديد من المباريات التي تجري خارج أرض ملعبهم، ويُبيّن بأنّ خوف أعضاء المقصورة من قادة الجمعية من تصاعد احتجاج جمهور الدرجة الثالثة وتحوّله إلى مقاطعة حضور مباريات الفريق بشكل كلّي، دفع بهم إلى محاولة تسكين هذا الاحتجاج عبر اختيار سرور كممثّل لجمهور الدرجة الثالثة لينضم إليهم في المقصورة، وليبثّ لهم اعتراضات وشكاوى أفراد جمهور الدرجة الثالثة.
يوضّح الفيلم الوعود الكاذبة التي قدّمها أعضاء المقصورة لأفراد جمهور الدرجة الثالثة بتحسين أحوالهم، وكان من ضمنها توفير "برانيط" واسعة مفصّلة من قبل خبير أجنبي تقيهم حرّ الشمس، حيثُ إنّ سرور الشاب الساذج كان يُصدقّها ويُطمئن أفراد الدرجة الثالثة بحسن نوايا أعضاء المقصورة اتجاههم.
تأتي نهاية فيلم "الدرجة الثالثة" مبشّرة للشعوب التي تشعر بالظلم والقهر والحرمان النسبي، بأنّ الثورة هي السبيل الوحيد لتجاوز الشعور بالحرمان، واستعادة كلّ حقّ مسلوب
يأتي موت أحد مشجعي جمهور الدرجة الثالثة بعد تلقيه لضربة شمس قوية في رأسه كنقطة تحوّل رئيسة في الفيلم، تدفع بأفراد الدرجة الثالثة إلى الانتقال من حالة التململ والسخط والاحتجاج البسيط إلى حالة الثورة والتمرّد والاحتجاج العنيف، فموت المشجّع يأتي وكأنّه النقطة التي يتصاعد فيها شعور جمهور الدرجة الثالثة بالحرمان النسبي ويصل إلى أعلى مستوياته.
يَختتم الفيلم أحداثه بتوضيح ردّ فعل أعضاء المقصورة على ثورة وتمرّد جمهور الدرجة الثالثة، سواء بتسليط أمن النادي عليهم لضربهم وقمعهم، أو بمحاولة إزالتهم كجمهور درجة ثالثة من الأساس، بتفجير المدرجات التي يقفون عليها من أجل التشجيع.
ينتهي الفيلم بنجاح أفراد جمهور الدرجة الثالثة بإبطال مخططات أعضاء المقصورة بإزالتهم، وببقائهم كمشجعين على مدرجات الدرجة الثالثة، وتأتي نهايته كمبشّرة للشعوب التي تشعر بالظلم والقهر والحرمان النسبي، بأنّ الثورة هي السبيل الوحيد لتجاوز الشعور بالحرمان، واستعادة كلّ حقّ مسلوب.