05-أغسطس-2024
قوات روسية

(AFP) قوات روسية في منطقة عين العرب كوباني

أنشأت القوات الروسية قاعدة عسكرية في منطقة عين العرب، شمال شرقي حلب، ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وذلك غير بعيد من الحدود السورية التركية.

وبهذا الإجراء، تكون موسكو قد رسّخت نفوذها العسكري في منطقة شرق نهر الفرات ذات القيمة الاستراتيجية من جهة، ووجهت رسالة إلى أنقرة بأن خرائط النفوذ في المنطقة المهمة جيوسياسيًا، والتي تشهد تنافسًا ضاريًا، غير قابلة للتغيير سواء في غربي الفرات أو شرقه، من جهة ثانية. علمًا بأنّ تركيا تلوّح بشنّ عملية عسكرية جديدة ضد القوات الكردية منذ عام 2020، وتقوم بين الفينة والأخرى بعمليات استهداف بالطائرات المسيرة لأهداف كردية بالمنطقة.

وفي العام 2022، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسيطرة على منطقة عين العرب رغم الفيتو الأميركي والروسي، إذ تمثل المنطقة بالنسبة لتركيا الحلقة المتبقية لربط مناطق نفوذها في شمال سوريا بشرق الفرات وغربه جغرافيًا.

ولذلك يعدّ الوجود الروسي وتعاظمه بالمنطقة بمثابة قطعٍ للطريق أمام الأهداف والمطامح التركية، ويبدو أنّ "قسد"، فضّلت التنازل للروس والنظام مقابل منع تركيا من تحقيق استراتيجيتها هناك، خاصةً بعد خسارة عفرين  في ريف حلب الشمالي الغربي  غرب نهر الفرات 2018، ومناطق من محافظة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من البلاد. وأيضًا في ظل تراجع اهتمام حليفها الأميركي منذ أن وافق على العملية التركية المعروفة بـ"نبع السلام" في مناطق سيطرتها.

تمثل منطقة عين العرب الحلقة المتبقية لتركيا لربط مناطق نفوذها في شمال سوريا بشرق الفرات وغربه جغرافيًا

وكان نائب مدير "المركز الروسي للمصالحة"، العقيد البحري أوليغ إيغناسيوك، قد قال في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام المحلية نهاية الأسبوع إن: " القوات المسلحة التابعة لروسيا أنجزت بالاشتراك مع قوات النظام السوري، إقامة قاعدة كوباني في المنطقة القريبة من الحدود السورية التركية على أراضي محافظة حلب"، مضيفًا أن إنشاء القاعدة يأتي في إطار الإجراءات المستمرة لـ: "الرقابة على نظام وقف العمليات القتالية بين الأطراف المتنازعة".

وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فإن القاعدة الجديدة المعلن عنها هي ثالث قاعدة أقامها الروس في قريتي بير حسو وجبل الإذاعة غرب عين العرب  (كوباني).

ويشار إلى أنّ المنطقة التي أقيمت فيها القاعدة الروسية الجديدة تقع ضمن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ"قسد"، حيث أبرمت هذه الأخيرة مع الروس أواخر عام 2019 اتفاقيةً عسكريةً تسمح لروسيا بـ: "إقامة قواعد عسكرية شرقي نهر الفرات"، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام الدب الروسي لدخول المنطقة وتعزيز نفوذه ووجوده فيها.

 وجاء الاتفاق المذكور في خضم عملية "نبع السلام" التي قامت بها تركيا حينها شرق الفرات، واستحوذت من خلالها على منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين شمال غربي ريف الحسكة.

وعلى إثرها، اضطرت القوات الكردية لتقديم: "تنازلات ميدانية للروس وقوات النظام السوري لإيقاف العملية العسكرية التركية عند حدود معينة"، خاصةً أن الجانب الأميركي، وهو الداعم الرئيسي للأكراد في سوريا، منح تركيا حينها ضوءً أخضر للتوغل لكن شريطة الابتعاد عن منابع النفط والغاز.

روسيا أكبر المستفيدين

وبما أنّ "مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد"، انتهزت موسكو الفرصة بعد انتهاء العملية التركية وانسحاب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من أكثر من منطقة ضمن التفاهمات التركية الأميركية، لإرساء دعائم قواتها في منطقة شرق نهر الفرات التي أصبحت روسيا الآن فاعلًا رئيسيًا فيه، ورقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في أي حسابات تتعلق بتلك المنطقة الاستراتيجية، التي تعد "الأغنى والأهم في الجغرافيا السورية"، والتي يُنظر إليها بأنها "سوريا المفيدة" بالنظر لما تزخر به من ثروات طاقوية "النفط" وزراعية.

أهداف أخرى

اعتبر المحلّل العسكري يوسف حمود أنّ الخطوة الروسية تأتي: "في سياق محاولات السيطرة على كامل الطريق الدولي إم 4 والذي يمر في منطقة عين العرب"، وهذه المنطقة، حسب المقدّم حمود، من: "المواقع الاستراتيجية التي تهم الجانب التركي في شرقي نهر الفرات"، معتبرًا أنّ: "هذه الخطوة ربما تشير إلى تعثر المفاوضات بين موسكو وأنقرة حول منطقة إدلب شمال غربي سوريا".

وأكّد المقدّم ما كان محللون آخرون قد أكدوه من أنّ القاعدة الروسية: "يمكن أن تعيق أي خطوة تركية باتجاه السيطرة على منطقة عين العرب".

أمّا المحلل السياسي التركي هشام غوناي، فيرى أن الجانب الروسي: "يرعى المفاوضات من أجل إحداث تقاربٍ بين تركيا ونظام الأسد"، مضيفًا القول في تصريح لصحيفة "العربي الجديد" أنّ أنقرة: "أدركت أن زوال هذا النظام يعني تقسيم البلاد ونشوء إقليمٍ كردي في شمال شرقي سوريا ترى أنه تهديد مباشر لأمنها القومي ويهدّد وحدة تركيا جغرافيًا".

وأردف القول: "أنقرة تريد سوريا موحدة حتى لو كانت تحت سيطرة نظام فاسد ودكتاتوري بدل انقسامها إلى كيانات عدة". معتبرًا، بناءً على ما سبق، أنّ: "إنشاء قاعدة روسية في شرقي الفرات هي: "رسالة طمأنة للجانب التركي مفادها بأن روسيا تسيطر على الأوضاع في المنطقة، وأنها ستكون إلى جانبه في مكافحة التنظيمات التي يعتبرها إرهابية" على حد توصيفه.