02-نوفمبر-2023
دمار هائل في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 27 يومًا

يغطّي قطع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة على فظائع الاحتلال بحق سكانه (Getty)

في الليلة التي قُطعت فيها الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة، وفيما القطاع غارق في ظلام دامس نتيجة انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود في ظل الحصار الإسرائيلي؛ أضاءت غارات الاحتلال الإسرائيلي وقذائفه المدفعية سماء مدينة غزة التي انقطعت أخبارها شأنها شأن كامل القطاع المحاصر.

عَزلَ الاحتلال قطاع غزة عن العالم ليخفي جرائمه ووحشيته تجاه أهلها. ولمدة 34 ساعة، لم يكن لدى الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع، ويزيد عددهم عن مليوني نسمة، أي وسيلة للوصول إلى العالم الخارجي، أو حتى التواصل مع بعضهم البعض. كما لم يكن لديهم أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان أحبتهم على قيد الحياة أم استُشهدوا. توقفت حينها خطوط هواتف الطوارئ عن الرنين، وحاول المسعفون المُرهقون اليائسون إنقاذ الناس عبر التوجه نحو صوت الانفجارات، لكن الأمر كان بالغ الصعوبة، فاستُشهد العديد من الجرحى في الشوارع.

يشكّل قطع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الرقمية، ويوفّر للاحتلال غطاءً للتعتيم على جرائمه بحق أهله

"جيش الاحتلال قطع الاتصالات ومعظم الإنترنت بالكامل لارتكاب المجازر، ويقوم بقصف جوي وبري دموي انتقامي هو الأعنف منذ بدء الحرب على مدينة غزة، ومخيم الشاطئ، وكافة مناطق شمال القطاع. إسرائيل تقوم بقطع الاتصالات تمهيدًا لارتكاب مزيد من المجازر بعيدًا عن أعين العالم". هذا ما قاله المكتب الإعلامي في غزّة يوم الجمعة الماضي،27 أكتوبر 2023 .

ومن جانبها، أعلنت شركة الاتصالات الخليوية الفلسطينية "جوّال" انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت بشكل كامل في قطاع غزة، وانعزاله عن العالم، عبر حسابها في موقع "فيسبوك" في بيانٍ قالت فيه: "أهلنا الكرام في الوطن الحبيب، نأسف للإعلان عن انقطاع كامل لكافة خدمات الاتصالات والإنترنت مع قطاع غزة في ظل العدوان المتواصل".

فيما قال مرصد "نت بلوكس" المعني برصد الوصول إلى شبكة الإنترنت، إن الاتصال بالإنترنت في قطاع غزة قد انهار. وأضاف أن: "البيانات المباشرة تظهر انهيار الاتصال بالشبكة في قطاع غزة وسط أنباء عن قصف كثيف".

يُشار إلى أن استهداف البنية المُتعمّد من قبل الاحتلال الإسرائيلي لم تبدأ يوم 27 أكتوبر، فمع حلول اليوم العاشر من الحرب، كانت شركة الاتصالات الفلسطينية "جوّال" قد أصدرت ورقة حقائق تُظهر أن حجم الخسائر في الشبكات والبنى التحتية للشركة بلغ 50 بالمئة كنسبة ضرر.

تنديدات أممية

وفي سياق الانتهاكات الإسرائيلية، أدانت منظمات حقوقية قطع الإنترنت عن غزة، إذ حذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن انقطاع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة قد يغطي على فظائع واسعة ضد المدنيين في القطاع.

وقالت ديبرا براون، باحثة أولى في التكنولوجيا وحقوق الإنسان في المنظمة، إن: "الانقطاع شبه الكامل للاتصالات في غزة يقطع 2.2 مليون شخص عن العالم ويمنع الناس داخل غزة من التواصل مع أحبتهم والحصول على خدمات منقذة للحياة وخدمات أساسية أخرى".

وأكدت براون، في بيان مقتضب نُشر على حساب المنظمة في منصة "إكس"، أن: "هذا التعتيم على المعلومات قد يوفّر غطاءً لفظائع جماعية ويساهم في الإفلات من العقاب على الانتهاكات الحقوقية".

بدورها، قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" إن المدنيين في قطاع غزة يتعرضون لخطر غير مسبوق وسط تكثيف "إسرائيل" لقصفها على القطاع، وقطعها للاتصالات والإنترنت عنه.

يُعد الوصول إلى الإنترنت حقًا من حقوق الإنسان، ويشكّل قطعه عن المشتركين انتهاكًا للقوانين الدولية

وتعقيبًا على الأنباء التي تفيد بانقطاع الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، قالت إريكا جيفارا روساس، مديرة البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات والحملات في المنظمة، إن: "إنّ المدنيين الفلسطينيين محاصرون بالفعل في قطاع غزة المحتل ويعيشون الآن حالة تعتيم مطبق في ظل انقطاع كامل للاتصالات، حيث تفيد البيانات الواردة من شبكات مراقبة عمل الإنترنت بأن إشارات الاتصالات ما لبثت أن انقطعت مع تكثيف الضربات الجوية والبرية، ولا سيما في الجزء الشمالي والأوسط من القطاع".

ودعت روساس "إسرائيل" إلى: "وضع حد فوري للهجمات غير المميِّزة بين العسكريين والمدنيين وغير المتناسبة التي سبق أن أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين، بمن فيهم أكثر من 3000 طفل، كما يجب استعادة البنية التحتية للإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية على وجه السرعة، للسماح بعمليات الإنقاذ وسط الغارات الجوية الإسرائيلية وتوسيع العمليات البرية".

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس مدير "منظمة الصحة العالمية" في منشور على منصة إكس، إن: "انقطاع الكهرباء في غزة يجعل من المستحيل وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى"، مضيفا أنه: "لا يمكن إجلاء المرضى في مثل هذه الظروف أو العثور على ملجأ آمن".

وفي إدانة أخرى، قالت لين هاستينغز، منسقة الشؤون الإنسانية في "أوتشا" إن العمليات الإنسانية وأنشطة المستشفيات: "لا يمكن أن تستمر بلا اتصالات".

بدوره، أعلن "الهلال الأحمر الفلسطيني" على إكس، أنه "فقد الاتصال بمركز عملياته وبكل فرقه في قطاع غزة، بسبب قطع السلطات الإسرائيلية الاتصالات اللاسلكية والخلوية والإنترنت".

وقد جمع موقع "ميديا بارت" الفرنسي بعض العناصر التي شهدها تطور العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الأيام القليلة الماضية، مبرزًا ما قالته المديرة العامة لمنظمة "أطباء بلا حدود" كلير ماغوني بأن ما يجري هو نوع من المجازر خلف الأبواب المغلقة التي: "ستتكشف حقيقتها المروعة لاحقا". وقد ركّزت ماغوني في تصريحها لقناة "بي إف إم تي في" على مصير المدنيين، محذرةً من أن مَن يكتوون بنار هذه الحرب هم: "أناس بلحمهم ودمهم. إنهم جميعهم بشر، مثلنا".

تُجمع المُنظّمات الحقوقية والهيئات الإنسانية على أن مسألة قطع الإنترنت يُشكّل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الرقمية، ويهدف الإحتلال من خلاله التعتيم على جرائمه ضد الإنسانية.

ما هي حقوق الإنسان الرقمية

تُعد الحقوق الرقمية من حقوق الإنسان الأساسية، علمًا أن "الأمم المتحدة" أعلنت، في تقرير لها، أن الوصول إلى الإنترنت يُعتبر حقًا من حقوق الإنسان، وقطع هذه الخدمة عن المشتركين يشكّل انتهاكًا للقوانين الدولية التي ترعى حقوق الإنسان.

ويمكن تعريف الحقوق الرقمية بأنها الحقوق التي تسمح للفرد بالوصول إلى شبكات الإنترنت والإعلام الرقمي واستخدامه وإنشائه ونشره. أو الوصول إلى أجهزة الحاسوب وغيرها من الأجهزة الإلكترونية أو شبكات الاتصال واستخدامها. ويرتبط هذا المصطلح بشكل خاص بحماية الحقوق المقرّرة، مثل الحق في السرية أو حرية التعبير في سياق التقنيات الرقمية الجديدة، وخصوصًا شبكة الإنترنت، ويتم اعتبار الوصول إلى شبكة الإنترنت حقًا تكفله قوانين الدول المتعددة.

الترا فلسطين

وقد حذّر التقرير الصادر عن "مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان"، في العام المنصرم، من أنّ حظر الإنترنت الذي تفرضه مختلف الحكومات يتسبب بأضرار جسيمة تلحق بالحياة اليومية وحقوق الإنسان لملايين الأشخاص.

وحول مسألة الأبعاد القانونية لقطع الإنترنت عن قطاع غزّة خلال العدوان الحالي، يقول مدير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملةنديم ناشف، في مقابلته مع "ألترا صوت": "نحن نتحدث عن انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والحقوق الرقمية. إن الحق في التواصل والوصول إلى الإنترنت والمعلومة هو من أهم الحقوق الرقمية، والحرمان من الوصول إلى الانترنت والتمتع بالحق في الاتصال يعطل الحياة الطبيعية، فمن المؤكد أنه يهدد حياة الأفراد ويشكل خطورة هائلة عليهم في حالة الحرب والكوارث، ويصعب التواصل الإنساني في الأزمات مع سيارات الإسعاف والمستشفيات، وبين الطواقم الطبية والحالات الإنسانية الأخرى التي تتطلب تواصل فوري بين الأفراد والمؤسسات".

وفي ما يخص جهود منظّمات الحقوق الرقمية ومدى الإستجابة الدولية لها، يشير نشاف: "هنالك استجابة دولية نتيجة ضغط مؤسسات الحقوق الرقمية، ومؤسسات حقوق الإنسان على المجتمع الدولي، والذي بدوره من المتوقع أن يضغط على الحكومة الإسرائيلية، وخاصة في المطالبات الأخيرة بإعادة وصل الإنترنت إلى قطاع غزة ودعوة الحكومة المصرية للتدخل السريع في إعادة وصل القطاع بشبكات الاتصال والإنترنت، وأيضًا دعوة إيلون مسك وشركته "ستارلنك" لتفعيل التقنيات الفضائية لوصل القطاع، الذي صرح بدوره أنه سوف يقوم بتوفير الإنترنت لمؤسسات الإغاثة الدولية".

وأضاف: "بالطبع هذا لا يكفي، لكنه قد يكون نقطة بداية نستطيع الضغط عليها بشكل أكبر لتوفير الإنترنت من قبل شركة "ستارلنك" لكامل قطاع غزة. وهنالك ضجة إعلامية بسبب تصريحات المؤسسات الحقوقية الدولية حول قطع الانترنت عن قطاع غزة مثل "أمنيستي" و"هيومن رايتس ووتش"، وكتابة الصحافة التقنية المعنية في هذا الشأن على منصاتها، بالإضافة إلى العمل المستمر من بعض المؤسسات التي تحاول إيجاد طرق بديلة لتوصيل الإنترنت الى القطاع".

تداعيات قطع الإنترنت عن أهل غزّة

إضافةً إلى الحصار المُطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة وما ينتج عنه من أزمات إنسانية كارثية، جاء الانتهاك الأخير التمثّل بقطع شبكة الإنترنت، بهدف تكميم الأفواه وتقطيع أواصر الاتصال بين سكّان القطاع.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والباحث والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي المقداد جميل مقداد من غزّة لـ"ألترا صوت" ناقلًا المعاناة التي ترتبت على قطع الإنترنت : "للأسف، من لحظة انقطاع الاتصالات والإنترنت في تمام الساعة 6:30 من مساء يوم الجمعة، دخلت غزّة في وضع خطير ومنعطف سيء للغاية. القصف تم تكثيفه وبشكل كبير جدًا لم نشهد له مثيل. انقطع تواصلنا بين بعض، ولم نكن قادرين على معرفة أخبار الأصدقاء والأهل والأحباب. طبعًا هذا أدى إلى وضع مأساوي، القصف موجود في كل مكان، وغير قادرين على معرفة مكانه ولا من استشهد أو جُرح، أو من دُمّر المنزل فوقه".

أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية "جوّال" أن حجم الخسائر والبنى التحتية للشركة في قطاع غزة بلغ 50 بالمئة جراء العدوان الإسرائيلي

وتابع: "ينطبق الأمر أيضًا حتى على الإنقاذ والإسعاف، إذ كان من الصعب جدًا التواصل مع الإسعاف، أو حتى مستحيل. هذا دفعنا إما إلى المساعدة بأنفسنا أو التوجه لمراكز الإسعاف أو أقرب مستشفى – يبعد حوالي كيلو متر – مشيًا على الأقدام حتى نبلغ عن مكان القصف. أما نهارًا فكنا نتوجه بسيارة مدنية مع أول مصاب كي نحدد مكان القصف".

ويكمل المقداد قائلًا: "هذا الأمر كارثي جدًا، ويعني زيادة في عدد الشهداء وقلة فرص نجاة المصابين. حتّى في بعض الأوقات في الليل كان من الصعب معرفة ومساعدة الجرحى، نظرًا لعدم قدرة أي شخص على التحرك ليلًا. في فجر يوم السبت، استيقظنا على مجزرة راح ضحيتها 45 شخصًا بعد قصف منزل خلال الليل، بالإضافة لتدمير عدة منازل ومساجد".

وكتب الدكتور غسان أبو ستة، جراح التجميل البريطاني الفلسطيني الذي أوقف عيادته في لندن للتطوع في أحد مستشفيات غزة، على منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "يبدو أن الفلسطينيين كانوا يصدرون الكثير من الضجيج أثناء ذبحهم، لقد أساء ذلك إلى الحساسيات المنقحة لمؤيدي إسرائيل الغربيين، لذلك قطعوا كل الاتصالات وأسكتونا".

الحملات والتفاعلات الرقمية المُرافقة للحدث

وجّه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي استغاثة لشركات الاتصالات المصرية للسماح لأهالي غزة باستخدام شبكاتها بعد قطع الكيان الصهيوني كل أسباب الحياة عن القطاع، بما فيها أجهزة الانترنت والاتصالات. علمًا أن قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يعاني في قطاع غزة من العديد من الممارسات القمعية، إذ يمنع الاحتلال إدخال أجهزة الإرسال والتقوية لتشغيل خدمات الجيل الثالث والرابع، حيث لا يزال قطاع غزة يعمل على خدمات الجيل الثاني.

كما دشّن رواد المنصّات الرقمية حملات واسعة لإنقاذ غزة والتضامن معها، سواء بطرح حلول، أو نشر ما يحدث في القطاع من خلال بعض المحيطين به. وكان أبرز ما تصدر مواقع التواصل في حينها هو هاشتاغ "starlinkforgaza#"، الذي يطالب بتوفير الإنترنت الفضائي للقطاع عن طريق الأقمار الصناعية التي يمتلكها رجل الأعمال إيلون ماسك مالك موقع «إكس»، حيث طالب المتابعون بإمداد سكان القطاع بالإنترنت الفضائي، بدلًا من الإنترنت المقطوع عنهم.

وما دفع الناس إلى التفكير في "ستارلينك" كحل بديل، هو تدخّل ماسك بعد مدة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا عندما انقطعت خدمة الإنترنت والاتصالات عن الأوكرانيين، حيث قام حينها بإرسال نحو عشرين ألف مجموعة من أطباق الاستقبال وأجهزة التوجيه إلى أوكرانيا، وكانت القوات الأوكرانية هي من استخدمها.

ورد مالك منصّة "إكس" على تلك المطالبات، حيث كتب فى تغريدة أنه لا يعلم كيف يتواصل مع غزة قائلًا: "ليس من الواضح من الذى يملك سلطة الوصلات الأرضية في غزة، ولم يتواصل معنا أحد فى هذه المنطقة"، وبعدما أوضح له النشطاء الجهات التي يمكن اللجوء إليها، كتب: "ستدعم ستارلينك الاتصال بمنظمات الإغاثة المعترف بها دوليًا في غزة".

وفي إطار الحديث عن الحملات الرقمية الداعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت الناشطة والمخرجة والمصورة القصصية الأردنية آلاء حمدان لـ"ألترا صوت": "بالنسبة للحملات التي بدأت على وسائل التواصل الاجتماعي فقد كانت بسبب تسارع الأحداث، حيث كان في كل يوم أو يومين هناك حملة معيّنة للمطالبة بقضية إنسانية ترتبط بالعدوان الإسرائيلي على غزّة، بدءً من قضية وقف إطلاق النار وبعدها الحملات المُطالبة بفتح المعابر".

يعاني قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في قطاع غزة من الممارسات القمعية الإسرائيلية التي تمنع إدخال أجهزة الإرسال والتقوية إلى القطاع

وتابعت: "لعلّ من أقوى الحملات التي تفاعلت على المنصّات الرقمية هي حملة طلب إعادة خطوط الإنترنت وشبكة الاتصالات إلى قطاع غزّة تحت وسم starlinkforgaza#، إذ بدأت هذه الحملة حوالي الساعة الثامنة مساءً في الوقت المُعتاد للقصف الهمجي على القطاع، بالتزامن مع تفاعلات دولية من خارج المنطقة العربية. وعزّز هذا الأمر تفاعل إيلون ماسك مع الحملة، كونه من أشهر الشخصيات على منصة "إكس" وحتّى على المستوى العالمي. أما بالنسبة للهاشتاغ الثاني الذي انطلق #شبكة_مصر_للغزة و#EgytpInternetForGaza ، فكان الهدف منها رفع الصوت أمام الشركات المصرية لتأمين شبكة اتصالات وإنترنت لأهل غزة، وكان ملفتًا التفاعل الضخم تحديدًا من داخل مصر وهو ليس بالمستغرب، فالشعب المصري ناشط دائمًا في دعمه الرقمي للقضية الفلسطينية، وخلال دقائق وصل التفاعل للآلاف بل الملايين على مختلف المنصّات في إكس، وفيسبوك وإنستغرام" .

وعن مدى تجاوب الشركات المصرية مع الحملات، تقول حمدان :" ردّت إحدى الشركات المصرية بأنّها لا تستطيع قانونيًا وصل الشبكة في الوقت الذي تجاوبت فيه شركة بتعاونها لإنشاء عواميد إرسال على الحدود الفلسطينية، وكان من المُلفت الحضور الرقمي على منصة "إنستغرام" الذي سهّل عملية التواصل المباشر بين المتفاعلين والشركات".

واختتمت حمدان حديثها لـ"ألترا صوت" بقولها إنّ هذه الحملات الرقمية العربية أثبتت فعاليتها، وأنتجت مفاعيل إيجابية لتشكيل رأي عام ضاغط لإعادة شبكة الإنترنت. كما انتقدت المزاعم الأمريكية التي ادّعت أن ضغوطها أسهمت في إعادة الشبكة إلى القطاع، معتبرةً أن النضال الرقمي العربي وما رافقه من تفاعلات غربية جاء بنتائج إيجابية.

ماذا عن البدائل لتأمين الإنترنت للقطاع؟

بعد الحملة التي أطُلقت عالميًا لإعادة تفعيل شبكة الإنترنت في غزة، عرض المختصون والخبراء في مجال الاتصالات بدائل لتأمين إنترنت للقطاع عبر إقتراحين؛ الأول من خلال "ستارلينك"، والثاني عبر شركات الاتصالات المصرية.

ما هي ستارلينك؟

"ستارلينك" هو اسم شبكة الأقمار الاصطناعية التي طوّرتها شركة رحلات الفضاء الخاصة المملوكة لماسك "سبيس أكس"، وتستخدم ستارلينك كوكبة من الأقمار الصناعية ذات مدار أرضي منخفض لتوفير إنترنت عالي السرعة. في المقابل، يتم توصيل الإنترنت العادي عادةً عبر كابلات محورية أو ألياف (أو مزيج من الاثنين معًا)، وتوفر الشبكة إنترنت عالي السرعة ووقتًا أقل لنقل البيانات ذهابًا وإيابًا بين المستخدم والقمر الصناعي للمستخدمين في جميع أنحاء العالم.

أما فيما يخص تأمين الإنترنت عبر الشبكات المصرية، فتعمل في مصر 4 شركات اتصالات كبرى، وهي: "فودافون"، وتستحوذ على الحصة الأكبر وفقًا للبيانات الرسمية لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب المصرية للاتصالات "WE"، وهي المشغل الوطني وتمتلك الحكومة حصة فيها تصل إلى 70%، وتستحوذ على غالبية سوق الهاتف الثابت والإنترنت المنزلي، فضلاً عن شركتي "اتصالات مصر" من "&e" و"أورنج" اللتان تملكان أكثر من 30 مليون عميل بسوق المحمول.

وقال مسؤول بشركة "فودافون مصر"، إن الشركة مستعدة لتوفير أبراج محمول متحركة لإرسالها إلى مدينة رفح المصرية، لتوفير تغطية تصل إلى حدود 10 كيلو مترات داخل قطاع غزة، حال تشغيلها بالطاقة القصوى. وأكد المسؤول أن ذلك لن يتم إلا بعد الانتهاء من التنسيق بين الجانبين المصري والفلسطيني بشأن توفير خدمات الاتصالات لأهالي قطاع غزة لمساعدتهم في الاطمئنان على ذويهم، بحسب المسؤول.

وبشأن البدائل المتوفرة وإمكانية توفرها في قطاع غزّة، يعتبر مدير المحتوى الرقمي لمنظمة "سمكس" للحقوق الرقمية عبد قطايا: "بالنسبة لتأمين الإنترنت عبر الشبكات المصرية وموافقة إيلون ماسك على تأمين خدمة الإنترنت للمنظمات الإغاثية، فهما يتحدّيان قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو أمر جيد. ولكن ثمةّ تحدّيات حول هذين الإقتراحين؛ بخصوص تأمين الإنترنت عبر "ستارلينك"، فهذا الأمر هو مستحيل بحال لم توافق إسرائيل على هذا التدبير لأنّ الإجراء يحتاج إلى تأمين بنية تحتية (أنتانات، ستالايت.. إلخ)، ويمكن لجيش الاحتلال الإسرائيلي قصفها فور وصولها إلى القطاع. وفي حالة موافقة إسرائيل على الأمر، فإنّ حجم الإستفادة ستكون محدودة ومحصورة بالمنظمات الإنسانية المُعترف بها دوليًا بحسب ما جاء في قرار إيلون ماسك، وبالتالي لن يسعف الأمر أهل قطاع غزة ولن يوفر لهم بديلاً يُمكّنهم من التواصل ولو بالحد الأدنى للإطمئنان على بعضهم البعض، واستخدامه للحالات الطارئة".

حذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن انقطاع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة قد يغطي على فظائع واسعة ضد المدنيين في القطاع

أما بخصوص البديل المرتبط بتأمين الإنترنت من مصر، يقول قطايا: "قد تكون الأوفر والأسهل كون الشركات المصرية لا تحتاح لأي إذن ويمكنها مد القطاع بالشبكة عبر عواميد إرسال تنشرها على الحدود، أو توزيع شرائح إلكترونية على شكل هبات ومساعدات لأهل القطاع، إضافة إلى إمكانية البعض من الولوج للشبكة عبر Esim إلاّ أنها محدودة مع الأشخاص المتوفرة لديهم".

ومع مطلع فجر يوم الأحد، 29 أكتوبر، عادت شبكات الاتصال للعمل بشكلٍ جزئي داخل غزة، وظهرت معها فيديوهات وصور الصحفيين والناشطين التي التقطوها داخل القطاع أثناء فترة الانقطاع على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لتتصدر جملة: "احنا لسه أحياء وعايشين"، فيما توالت مشاهد المجازر الإسرائيلية. وعلى الرغم من المجازر التي ارتكبتها آلة القتل الإسرائيلية، إلا أن مقاطع الفيديو كانت مزيجًا بين فرحة عودة التواصل مع العالم وتوثيق المجازر، وبين الألم على فقد مزيد من الشهداء واكتظاظ المستشفيات بالجرحى.

في نهاية المطاف عُزل سكان قطاع غزة ليومين عن العالم الخارجي، وعن بعضهم البعض، وعاش هؤلاء ليلة هي الأصعب عليهم من دون كهرباء واتصالات وإنترنت.