تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توترًا جديدًا، في حدثٍ أصبح معتادًا في السنوات الأخيرة، نظرًا للتنافس بين بكين وواشنطن في المجالات الاقتصادية والأمنية، وعلى عدة ساحات وجبهات. وتصاعد هذا التوتر مؤخرًا نتيجة زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي إلى تايوان، بالإضافة إلى القلق الأمريكي من التمدد الصيني في الشرق الأوسط.
تصاعد هذا التوتر مؤخرًا، نتيجة زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي إلى تايوان، بالإضافة إلى القلق الأمريكي من التمدد الصيني في الشرق الأوسط
وعلى الرغم من هذا التوتر، يسعى البلدان إلى الإبقاء على خطوط الاتصال مفتوحةً، وفي هذا الإطار التقت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة دول المنتدى الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "آبيك"، المُنعقد في العاصمة التايلندية بانكوك، وشدد الطرفان على أهمية الحوار بين القوتين المتنافستين. ويأتي اللقاء بعد أقل من أسبوع على لقاءٍ جمع الرئيسين الأمريكي والصيني على هامش مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، سعيا خلاله إلى تخفيف التوتر بين البلدين.
وصرح مسؤول في البيت الأبيض خلال إحاطة صحفية بأن "هاريس أجرت محادثةً قصيرةً مع الرئيس الصيني، أشارت خلالها إلى الرسالة المهمة التي أكدها بايدن خلال اجتماعه في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري مع الرئيس شي، وهي أننا يجب أن نبقي على خطوط الاتصال مفتوحة لإدارة المنافسة بين بلدينا بمسؤولية".
وأمام محاولات التهدئة التي ينتهجها الطرفان، تبرز الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية الشهر القادم، حيث نقلت تقارير إعلامية عن مصادر مطلعة على تفاصيل الزيارة، عن أنه يتم الاستعداد لها منذ شهور، وستبدأ بشكلٍ مبدئي في الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ومن المرجح أن يكون الترحيب بالزعيم الصيني، أشبه بذلك الذي حدث خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمملكة عام 2017.
كما توقعت مصادر عديدة أن تشهد الزيارة انعقاد قمم سعودية صينية، وخليجية صينية، وعربية صينية، دون تحديد تفاصيلها ومدة انعقادها. وتكتسب الزيارة أهمية خاصة، فهي تشير إلى طموحات بكين بالتوسع أكثر بالمنطقة، وتشكل الرياض بالنسبة لها منفذًا رئيسيًا إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط والقارة الإفريقية، ولكن هذا التوسع سيصطدم بنفوذ ومصالح واشنطن في المنطقة. ولن يكون سهلًا على الإدارة الأمريكية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحرك الصيني، على الرغم من تراجع التعاون بينها وبين دول المنطقة خلال العقد الماضي.
وأصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وتعتبر أكبر مشترٍ للنفط السعودي. وبحسب وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، فإن "السعودية تعد الصين شريكًا استراتيجيًا، وإن اللجنة الفرعية لمبادرة الحزام والطريق والاستثمارات الكبرى والطاقة، تسعى إلى تعزيز المُواءمة بين رؤيتي المملكة والصين للمستقبل، خاصة في مجال الطاقة، الذي يشمل عديدًا من أوجه التعاون". وتابع الوزير قائلًا إن "العلاقة التجارية بين البلدين حققت نموًا مستمرًا في الأعوام الخمسة الأخيرة، حيث أصبحت الصين الوجهة الأولى لصادرات المملكة البترولية"، مؤكدًا أن "المملكة ستظل في هذا المجال شريك الصين الموثوق به والمعول عليه".
وفي مثالٍ آخر على التمدد الصيني، أشارت تقارير إعلامية إلى أن الصين تتوسع بشكلٍ كبير في العراق، وهي تستورد 44% من إنتاج النفط العراقي، كما أن العراق هو واحد من شركاء الصين في مبادرة "الحزام والطريق" منذ عام 2019، ويزدهر التبادل التجاري بين بكين وبغداد ووصل إلى 30 مليار دولار في عام 2020. وتقوم الصين الآن في عملية بناء للبنى التحتية في العراق ضمن اتفاقية "الإعمار مقابل النفط". وهذا يأتي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. يشار إلى أن الصين تدرس عقد منتدى الحزام والطريق خلال عام 2023، وذلك بعد توقفه منذ عام 2019 إثر انتشار جائحة كوفيد- 19.
ما يعزز القلق الأمريكي، هو أن الصين التي كانت تركز علاقاتها على الجوانب الاقتصادية والتبادل التجاري، أصبحت من وجهة نظر أمريكية تهديدًا على مستوى النفوذ الاستراتيجي. وهذا ما ظهر في حديث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بقوله إن "الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين، تنص على أن الصين لا تزال تشكل التحدي الأمني الأكبر للولايات المتحدة، ولذا هي تدعو إلى منع هيمنة بكين على مناطق رئيسية".
وفي هذا السياق، نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي تحذير نائب وزير الدفاع الأمريكي ومسؤول السياسة العليا في البنتاغون كولن كال، إلى شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من "التعاون الوثيق مع الصين في القضايا الأمنية"، مشيرًا إلى أن ذلك "قد يضر بتعاونهم مع واشنطن". تصريحات المسؤول الأمريكي نقلت عنه في "حوار المنامة" ضمن فعالية ينظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وكشف كال مخاوف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من تنامي النفوذ الصيني في الخليج العربي والشرق الأوسط.
وأوضح المسؤول الأمريكي بأن الإدارة الأمريكية لا تطلب من دول المنطقة بألّا تكون لديها علاقات مع الصين، لكنها حذرت من أنه إذا "تجاوز التعاون الأمني مع الصين الحد، فإنه سيخلق تهديدات أمنية للولايات المتحدة". وقدم شواهد على خطورة ما تقوم به الصين في المنطقة وإضراره بالولايات المتحدة، مشيرًا إلى "المشاركة الصينية في شبكات الاتصال التي يمكن أن تخلق نقاط ضعف إلكترونية للولايات المتحدة"، بالإضافة إلى "مشاركة الصين في بعض مشاريع البنية التحتية التي يمكن أن تولد مخاطر استخباراتية". وفي هذا الإطار أشار الموقع إلى إيقاف الإمارات بناء منشأة صينية على أراضيها العام الماضي، بعد أن قالت الولايات المتحدة إن بكين "تنوي استخدامها لأغراض عسكرية"، وهي القضية التي أثارت توترات بين أبوظبي وواشنطن.
والولايات المتحدة تخشى من الوجود الصيني في دول معينة بالمنطقة، والذي يسمح لها بفرض مراقبة على القوات الأمريكية "بطريقة تشكل تهديدًا للأمن القومي"، وقد شدد نائب وزير الدفاع الأمريكي على أن رفع عدد من الدول "السقف كثيرًا مع بكين سيؤدي إلى خفض السقف مع واشنطن، ليس لأسباب عقابية ولكن لمصالحنا".
وأضاف كولن كال بأنه "ينبغي أن نكون واضحين بشأن نوايا الصين في المنطقة، ليس لديهم مصلحة في تحالفات متبادلة المنفعة، ليست لديهم النية أو القدرة على دمج البنية الأمنية في المنطقة". بالمقابل فإن نهج الولايات المتحدة حسبه هو دمج المنطقة مع الحفاظ على استقلالية كل بلد، وألمح إلى عدم جدوى ما تقدمه الصين من إغراءات لدول المنطقة، مشيرًا إلى الحلف بين بكين وطهران، والذي سيكون عائقًا لتوفير الأمن وتوحيد المنطقة ضد إيران، على حدّ قوله.
يأتي هذا ضمن محاولة أمريكا لإعادة حضورها في منطقة الشرق الأوسط
يأتي هذا ضمن محاولة أمريكا لإعادة حضورها في منطقة الشرق الأوسط، بعد تقليل مستوى التدخل فيها على مدار السنوات الماضية، دون أن تنسحب كليًا منها، فيما يبدو أنها تتنبه الآن إلى الخسارة التي نتجت عن السلوك الأمريكي وتحاول استدراك الفجوة التي حصلت والحد من النفوذ الصيني.