07-نوفمبر-2024
الانتخابات الأميركية

(NYT) مواطنون أميركيون يتوجهون نحو مراكز الاقتراع

لا تزال تبعات هزيمة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أمام المرشح الجمهوري، والرئيس الأسبق دونالد ترامب، قائمة حتى هذه اللحظة. فبعد فرز أكثر من 99% من أصوات ولاية ميشيغان، إحدى الولايات المتأرجحة التي تساهم في حسم هوية الرئيس الأميركي الجديد، أظهرت النتائج أن ترامب استطاع حسم هذه الولاية لصالحه، ما يكشف - وفق محللين - عن غضب العرب والمسلمين من إدارة بايدن الذي دفعهم إلى تفضيل ترامب على هاريس. 

هاريس تكسب اليهود وتخسر العرب

حصلت هاريس على أغلب أصوات اليهود الأميركيين، وتأخرت عن الركب لدى الناخبين من أصول عربية ومسلمة. ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات، فازت هاريس بحصة أكبر من أصوات اليهود الأميركيين، مقارنةً بأصوات المسلمين الأميركيين.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن هاريس حصلت على 67% من أصوات اليهود، مقارنةً بـ31% لترامب. أما بين الأميركيين المسلمين، حصلت هاريس على 61% من الأصوات، خلفها ترامب بفارق ضئيل بنسبة 30%. والفارق بظهر حينما نقارن بين أصوات العرب والمسلمين في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2020، حيث حصل جو بايدن وقتها على 69% من أصوات اليهود الأميركيين، بينما حصل ترامب على 31%. كما حصل بايدن على 63% من أصوات المسلمين الأميركيين، مقارنةً بـ25% لترامب.

لعبت أصوات الجاليات العربية والمسلمة دورًا بارزًا في تغيير نتيجة الانتخابات الأميركية، خاصةً في ولاية ميشيغان، إحدى الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين

وتأتي مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان كنموذج واضح على خيارات الأميركيين عربًا ومسلمين، فهي موطن لأكبر عدد من السكان العرب في الولايات المتحدة، وتعتبر مدينة حاسمة في ولاية متأرجحة، وقد فاز فيها ترامب بنسبة 45% من الأصوات، وفق ما ذكرت صحيفة "ذا نيو أراب"، فيما اجتذبت زعيمة حزب الخضر جيل ستاين 15% من أنصار الحزب الديمقراطي السابقين.

ويمثّل ذلك تحوّلًا حادًا في ديربورن، حيث فاز الديمقراطيون بنسبة 88% من الأصوات لصالح بايدن في عام 2020، ويعود ذلك إلى دعم إدارة بايدن غير المشروط للعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.

تَركة بايدن الثقيلة

كان موقف كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، أحد العوامل التي أثرت سلبًا على دعم الحزب الديمقراطي في أوساط الناخبين العرب. ورغم أنها حاولت أن تُظهر تعاطفًا أكبر مع الفلسطينيين، إلا أن استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل خلال حملة الإبادة الجماعية على غزة مثّل نقطة التحول، خصوصًا في مدينة ديربورن، حيث كان من المتوقع أن تكون هاريس أكثر قدرة على جذب الأصوات العربية، لكن مواقفها تسببت في تحجيم دعمها بالأصوات بشكل كبير. واختارت حملتها الانتخابية عدم إجراء تجمعات عامة في المدينة خوفًا من الاحتجاجات.

كانت هاريس غير قادرة، أو ربما غير راغبة، في الهروب من ظل قرارات إدارة بايدن في الشرق الأوسط. وسعت إلى إظهار المزيد من التعاطف مع محنة الفلسطينيين المحاصرين في الصراع، وحاولت اتخاذ نبرة أكثر حزمًا مع إسرائيل، وأصرت في عدة خطابات على أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحاجة إلى اتباع القانون الدولي، لكن ذلك لم يكن ذلك كافيًا لكثير من الناخبين في ديربورن.

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن عدم الانفصال الواضح عن بايدن جعل هاريس غير محبوبة بشكل كبير في ديربورن، خصوصًا عندما اختارت عدم السماح لحملتها الانتخابية بعقد تجمعات أو اجتماعات عامة في المدينة، ربما خوفًا من أن يُستقبل أي حدث من هذا القبيل بالاحتجاجات.

ونقلت الصحيفة شهادة لأحد الناخبين في المجتمع العربي الأميركي بمدينة ديربورن في ميشيغان، وهو أمين المضري، الذي يعتبر واحدًا من آلاف العرب الذين انتخبوا بايدن في الانتخابات الرئاسية عام 2020، لكنه انضم إلى الآلاف الآخرين في المدينة الذين صوتوا لترامب بدلًا من هاريس في 2024. وأكد أمين المضري للصحيفة أنه سئم من دعم جو بايدن لإسرائيل وأوكرانيا. وزاد المواطن الأميركي من أصل يمني: "في المرة الأولى التي صوتنا فيها لصالح جو بايدن، لكن ما نراه الآن هو أنه لم يوقف الإبادة الجماعية في غزة".

لم يستجب بايدن طيلة الأشهر الماضية للدعوات المتكررة من المحتجين، من أجل وقف المساعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل، أو تحقيق وقف لإطلاق النار، لذلك حصل على لقب جديد بين في الأوساط العربية الأميركية "جو جينوسايد"، أي "جو الإبادة الجماعية".

عدم الانفصال الواضح عن بايدن، جعل هاريس غير محبوبة بشكل كبير في الأوساط العربية والمسلمة الأميركية

 

وأجرى موقع قناة "فرانس 24" مقابلة مع واحدة من اللواتي ولدن كمواطنات أميركيات، وهي من أصول لبنانية، واسمها زينب شامي، وقالت إنها أميركية بالولادة، لكنها تفهم كيف يكون الاهتمام بالناس في جزء آخر من العالم، وعبّرت عن عدم تحملها وصبرها لسماع تصريحات بايدن ونتنياهو، في وقت تحدث به مجازر في جنوب لبنان، حيث تقيم هناك خالاتها وأعمامها المسنين، الذين فقدوا منازلهم وأماكن عملهم، وتم تهجيرهم.

ترامب نفسه

حسب تقرير لـ"نيويورك تايمز"، فبالنسبة للعديد من الناخبين العرب والمسلمين، نجح ترامب في تقديم حججه لكسب أصوات العرب والمسلمين بمدينة ديربورن، بعكس كامالا هاريس. فبعد أن دعمت المدينة جو بايدن في 2020، منحت فوزًا غير متوقع لدونالد ترامب في 2024، لأنه وعدهم بـ: "إحلال السلام في الشرق الأوسط".

في الواقع، قال ترامب ذلك، حيث تم سماع مشاعر الأميركيين العرب والمسلمين. وخارج مراكز الاقتراع بمدينة "ديربورن"، قال الناخبون الذين يؤيدون ترامب إنهم يريدون منحه فرصة لكبح جماح الحروب في جميع أنحاء العالم، وإحلال السلام في الشرق الأوسط.

ومن هؤلاء كانت نادين الصوفي، وهي فتاة مسلمة هاجرت من اليمن منذ ما يقرب من عقد من الزمان، حيث قالت للصحيفة الأميركية: "أتمنى حقًا أن يكون ما قصده هو ما سيفعله إذا فاز بالرئاسة، هذا هو الشيء الوحيد الذي دفعني حرفيًا للتصويت".

لقد تجاهل العديد من الناخبين التعليقات التي أدلى بها ترامب والتي كانت تنتقد المسلمين، وقال آخرون في المدينة إن السبب الأكبر لدعمهم هو اعتقادهم بأن ترامب كان أفضل في التعامل مع الاقتصاد، كذلك كان أفضل حسب رأي الصحيفة بالنسبة لهم، في التعامل مع مخاوف تتعلق بالمثلية وثنائيي الجنس في المناهج الدراسية للمدارس المحلية.

وقال عبد الله حزام للصحيفة: "إن الناس حاولوا تخويفنا من التصويت لترامب، من خلال الاستشهاد بأشياء مثل القيود التي فرضها السيد ترامب على الهجرة من بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل اليمن"، وهو البلد الذي ينتمي له عبد الله، والذي واصل: "إنها مجرد دعاية من الديمقراطيين لدفع هذا الأمر وإخافتنا".

وأجرت الصحيفة مقابلة مع أحد الناشطين العرب المؤيدين لترامب في حملته الرئاسية واسمه بشارة بحبح، والذي كان يجري رحلات منتظمة من أريزونا إلى ميشيغان من أجل كسب أصوات العرب لترامب، حيث قال: "لقد أطلقت النار على قدمها، لقد كان بإمكان هاريس جذب المزيد من الناخبين الأمريكيين العرب، لو أنها حددت مواقف واضحة، وعقدت اجتماعات بارزة في المنطقة كما فعل ترامب".

"لم نكن نذبح من قبل في عهد ترامب"، هكذا قالت المحامية الأميركية من أصول لبنانية دنيا بزي، في تصريحها لموقع "فرانس 24". وأضافت الفتاة المسلمة والمحجبة: "لقد رأينا إدارة ترامب من قبل، ولن أكذب، فأنا مسلمة بشكل واضح، يمكنك أن ترى ذلك وشعرنا به خلال فترة ترامب، من حيث الكراهية والعنصرية. لكن بصراحة، على الأقل لم نكن نذبح في ذلك الوقت، أليس كذلك؟". وأضافت المحامية الأميركية-اللبنانية مبررةً اختيارها التصويت لدونالد ترامب: "إذا تولى ترامب منصبه، فسوف أتحمل رد الفعل العنيف طوال اليوم، بدلًا من رؤية عائلتي وأصدقائي يُذبحون في الخارج".

ويشعر بعض الناخبين ببصيص من الأمل حول ترامب، وهو ما صرح به الأميركي من أصول عربية ألبرت عباس، الذي قال لموقع "فرانس 24" إن ترامب: "يمنحنا بصيصًا من الأمل. لقد تحدث عن إنهاء الحروب وضمان نهاية الحروب في أول يوم له في منصبه، فيما يتعلق بلبنان وغزة". هذا الرأي الحالم من عباس أتى بعد أن قابل ترامب نفسه قبل أيام من الانتخابات، حيث ذهب المرشح الجمهوري إلى مدينة "ديربورن" والتقى مع الناخبين العرب في أحد المطاعم.

تعامل ترامب مع العرب في مدينة ديربورن كان مناقضًا لما فعلته هاريس في تجمعاته الانتخابية، وهو ما أكده عباس، والذي قال: "يتحدث الساسة طوال الوقت وسيخبرونك بما تريد سماعه. ثم يذهبون ليقولوا شيئًا في مكان آخر عما يريد السكان الآخرون سماعه"، ويقصد بذلك كامالا هاريس، لكن: "ترامب أعطانا بصيص الأمل، تلك الفرصة التي تبلغ واحدًا بالمائة لشعبنا للبقاء على قيد الحياة في غزة ولبنان، كما تعلمون، أجبرونا -الديمقراطيون- على فتح الأبواب أمامه".

مسعد بولس.. الجندي المجهول

هناك دور لا يمكن إنكاره لمسعد بولس، رجل الأعمال الأميركي من أصول لبنانية، الذي تزوج ابنه مايكل بولس بأصغر بنات الرئيس الأميركي المنتخب تيفاني ترامب في عام 2022.

ساهم بولس، حسب صحيفة "العربي الجديد"، في حشد أصوات الناخبين العرب الأميركيين لصالح ترامب، خاصةً في ولاية ميشيغن، وذلك باستغلال استياء العديد منهم تجاه سياسات الحزب الديمقراطي، تحديدًا موقفهم من العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.

خلال الحملة الانتخابية، ساعد بولس ترامب في التواصل مع الجاليات العربية والمسلمة، وخصوصًا في مدينة ديربورن بولاية ميشيغن، حيث تعهد ترامب بوقف الحرب في غزة وحماية استقرار الشرق الأوسط، كما قطع وعودًا للمجتمع اليمني بعدم امتداد الحرب إلى اليمن. وقد لاقت هذه الوعود ترحيبًا من بعض قيادات الجالية، كذلك كانت هناك بعض الأهداف المشتركة بين الطرفين، فيما تخص القيم الأسرية والمجتمعية.

لا هذا ولا ذاك

مثّلت زعيمة حزب الخضر "جيل ستاين" عاملًا هامًا في حرمان هاريس من العديد من الأصوات الانتخابية، فحسب صحيفة "ذا نيو أراب"، شهدت الانتخابات انقسامًا أكبر داخل المجتمع العربي الأميركي في بعض المناطق، وهنا اختار العديد من الناخبين دعم مرشحة حزب الخضر، جيل ستاين، بدلًا من دعم أي من المرشحين الرئيسيين.

بعض الناخبين اعتبروا أن الانتخابات بين الحزبين الرئيسيين لا تمثل خيارات حقيقية، خاصةً في ظل موقف الحزبين تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، ومنهم ماجد جوده، وهو مواطن أميركي من أصل فلسطيني، والذي قال إنه كان يرفض دعم أي من الحزبين الرئيسيين بسبب موقفهما من فلسطين، واختار التصويت لحزب الخضر: "دائمًا نفس اللون، نفس النظام".

وقالت ميساء حمدان، وهي فلسطينية أمريكية مقيمة في "ديربورن "، إن: "فشل كامالا هاريس في إبعاد نفسها عن سياسات الرئيس جو بايدن المؤيدة لإسرائيل أدى إلى هزيمتها". وأضافت ميساء التي صوتت لمرشحة حزب الخضر: "إدارة كامالا هي التي فشلت، كان بإمكانها أن تفعل ما هو أفضل، وكان بإمكانها أن تنأى بنفسها عن بايدن، وتقول إنها ستفعل الأشياء بشكل مختلف، لكنها لم تفعل.، وفعلت جيل ستاين ذلك، حتى ترامب فعل ذلك، على الرغم من كذبه، ففي أحد التجمعات كان يقول أنا مع الإسرائيليين، وفي تجمع آخر يقول أنا مع العرب".

ونقلت صحيفة "الغارديان" عن الأميركي من أصل فلسطيني، ماجد دوده، والذي قابلته أثناء خروجه من مركز الاقتراع في نيوجيرسي، أنه لم يرغب في التصويت في الانتخابات الأمريكية في البداية، فقد أصبح منفرًا تمامًا من كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين، بسبب دعمهما للإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان، وقال في إشارة إلى الجمهوريين والديمقراطيين: "دائمًا نفس اللون، نفس النظام، سيكون الأمر دائمًا نفسه، وخاصةً ما يحدث في فلسطين".

ومثله مثل العديد من الناخبين العرب والمسلمين في ذاك المركز بنيوجيرسي، قرر جود التصويت لجيل ستاين من حزب الخضر، لأنها كانت حازمة في إدانة الإبادة الجماعية في غزة، ودعت في برنامجها الانتخابي إلى وقف إطلاق النار الفوري، وإنهاء حصار غزة، وفتح المعابر لمرور المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الرهائن والسجناء السياسيين.

جيل ستاين تعرضت لانتقادات بعد فوز ترامب وهزيمة هاريس، وتلقت اتهامات بمساهمتها في ترجيح كفة ترامب على هاريس في ولاية ميشيغان، لكنها ردّت على ذلك بكلّ حدّية، حيث قالت في تصريح لمجلة "نيوزويك" إن على كامالا هاريس أن تلوم نفسها على فقدان أصوات المسلمين، حيث دعت ستاين مرارًا إلى وقف الإبادة الجماعي في قطاع غزة، بل شددت في مقابلتها مع الصحيفة على أن فوز دونالد ترامب يوضح أن الديمقراطيين ليسوا حزبًا معارضًا، وأنهم قدموا أنفسهم باعتبارهم الشر الأقل ضررًا بين المحافظين الجدد.