غادرت رئيسة الكونغرس الأمريكي، الديموقراطية نانسي بيلوسي، العاصمة التايوانية تايبيه، بعد أن حلت بها يوم الثلاثاء، في زيارة هي الأكثر إثارة للجدل والترقب، كما التراشق الإعلامي بين الصين والولايات المتحدة عن فحواها. خاصة أن بكين ما انفكت تعبر عن رفضها للزيارة، وتهدد بتبعات "لن تحمد عقباها".
"الغارديان" البريطانية: ربما يكون الاستفزاز الجاري قد أدى إلى تسريع الجدول الزمني لمواجهة بين الصين والولايات المتحدة
ومساء الثلاثاء، استدعت الخارجية الصينية السفير الأمريكي لدى بكين نيكولاس بيرنز، على خلفية التطورات الأخيرة، لتبلغه عن طريق نائب وزيرها شي فينغ، بأن زيارة بيلوسي لتايوان "خبيثة للغاية" وأن عواقبها ستكون "وخيمة جدا". كما أعلنت وزارة الدفاع الصينية في وقت سابق من ذلك اليوم أنها ستبدأ "سلسلة عمليات عسكرية محددة" في محيط تايوان.
وخلال الزيارة التي دامت ليوم واحد، وقفت بيلوسي أمام البرلمان التايواني، في خطاب أكّدت فيه بأن "زيارتها للجزيرة توضح بشكل لا لبس فيه أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تايوان"، وأن تضامن واشنطن مع حكومة تايبيه مهم جدًا "الآن أكثر من أي وقت مضى"، نظرًا للتهديدات التي تعرفها. مشددة على أن عزم بلادها "على الحفاظ على الديمقراطية في تايوان وبقية العالم لا يزال صلبًا لا يلين".
وردت الخارجية الصينية على هذا الحديث، على لسان وزيرها وانغ يي، الذي وصف ما حصل بأنه "مهزلة صريحة" وأن "الولايات المتحدة تنتهك سيادة الصين تحت ستار ما يسمى بالديمقراطية". وأردف مهددًا: "لن تزعزع هذه التحركات التراجعية الإجماع الدولي على وحدة الصين، كما لا يمكنها عكس المسار التاريخي لإعادة توحيد تايوان بالبر الرئيسي، أولئك الذين يلعبون بالنار لن تكون نهايتهم جيدة، ومن يسيئ إلى الصين يجب أن يعاقب".
بدوره، فإن الكريملين، حليف الصين الذي يقود حربًا ضد أوكرانيا، صرَّح الأربعاء بأن مستوى التوتر الذي أثارته زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان "لا ينبغي الاستهانة به". وحسب ما نقلته رويترز، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين إنه لا يؤيد استخدام كلمة "الحرب" بخصوص الصين وتايوان لكنه أكد أن الزيارة كانت "استفزازًا". كما نفى التخطيط لإجراء اتصالات إضافية بين الرئيس فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ في ضوء الزيارة.
وفي تقرير لها، كتبت وكالة "الأناضول" التركية، أن زيارة بيلوسي لتايوان فاقمت من التوترات بين الولايات المتحدة والصين. حيث تعد زيارة بيلوسي إلى تايوان الأولى التي يجريها رئيس مجلس نواب أمريكي منذ 25 عامًا، بعد رحلة الجمهوري نيوت غينغريتش عام 1997 للقاء الرئيس التايواني آنذاك لي تنغ هوي. فيما ختمت تقريرها بأنه "دبلوماسيًا، تعترف الولايات المتحدة بسلطة الصين على تايوان، لكن بكين تستاء من العلاقات الوثيقة بين واشنطن والجزيرة".
وكتب رئيس مكتب صحيفة "الغارديان" البريطانية في واشنطن، ديفيد سميث، بأنه "ربما يكون الاستفزاز الجاري قد أدى إلى تسريع الجدول الزمني" لمواجهة بين الصين والولايات المتحدة. ونقل على لسان مدير معهد "الانخراط الآسيوي للأولويات الدفاعية"، لايل غولدشتاين، قوله: "من غير المرجح أن تتسبب هذه الحيلة السياسية الحمقاء في اندلاع حرب، ولكنها ستسرع فقط من السرنمة الحزينة نحو كارثة عالمية ووطنية في وقت غير محدد في المستقبل".
ويضيف سميث في مقاله بأنه كان لهذه الزيارة كذلك أثر داخلي بالنسبة للولايات المتحدة، فـ "حتى مع انهيار الديمقراطية الأمريكية داخليًا، لا يوجد شيء مثل صرخة حاشدة من أجل الديمقراطية في الخارج للجمع بين الأحزاب السياسية الرئيسية. حيث أصدر ستة وعشرون من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بمن فيهم زعيم الأقلية ميتش ماكونيل، بيانًا مشتركًا لدعم زيارة بيلوسي".
بالمقابل كتب ماثيو بروكر، المحرر في وكالة "بولومبورغ"، بأن "بيلوسي تمثل صداع رأس بالنسبة لإدارة بايدن"، واصفًا رحلتها بـ "كابوس السياسة الخارجية لكل من الرئيس جو بايدن وشي، الذي وضعته بيلوسي أيضًا في الزاوية بإجباره على التحدث والتصرف بحزم". ويخلص الكاتب إلى أن "تجاهل بيلوسي لنداءات بايدن بإسقاط تايبيه من خط سير الرحلة ليس إشارة جيدة للرئيس الأمريكي، على الأقل".
ومن جانبه انتقد توماس فريدمان، مدير قسم الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، زيارة بيلوسي، معتبرًا إياها بـ "متهورة تمامًا وخطيرة وغير مسؤولة"، لأسباب "ليس أقلها أن البيت الأبيض قد شارك في مفاوضات دقيقة لمنع الصين من تقديم المساعدة العسكرية لروسيا في أوكرانيا". ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية في شباط/ فبراير الماضي، قادت إدارة بايدن مفاوضات مع الجانب الصيني للإبقاء على الحياد في ما يقع في شرق أوروبا، وأن لا يقدم دعمًا عسكريًا أو اقتصاديًا لنظام بوتين المطوق بالعقوبات الغربية.
وكتب مارك جونجلوف، محرر "بلومبرغ أوبينيون"، بأن زيارة بيلوسي لتايوان تمثل "تشويشًا للعلاقات الأمريكية الصينية". ومع أن الرد الصيني على الزيارة لم يرق إلا إلى "تدريبات عسكرية حول الجزيرة وتهديدًا بقتل العديد من الأسماك بإطلاق بعض الصواريخ التجريبية في البحر، وستتأخر إحدى شركات بطاريات السيارات الكهربائية الصينية عن الإعلان عن مصنع في أمريكا الشمالية لمدة شهر أو شهرين"، فإن بكين ستستمر في "تقويض أمن تايوان من خلال التدريبات العسكرية والهجمات الإلكترونية وغيرها من تكتيكات 'المنطقة الرمادية' ".
وجادلت بوني غلاسر، مديرة برنامج آسيا في "مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني"، بأنه كان من الأفضل على الولايات المتحدة الانتظار إلى ما بعد المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، في وقت لاحق من هذا العام، حيث من المتوقع أن يؤمن شي جين بينغ فترة ولاية ثالثة، كي توضح سياستها تجاه تايوان. بالمقابل، تضيف غلاسر، سيفرض هذا الوضع على شي "دعم الخطوط الحمراء الصينية ومنع المزيد من الانجراف نحو نتيجة غير مقبولة بالنسبة له".
انتقد توماس فريدمان، مدير قسم الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، زيارة بيلوسي، معتبرًا إياها بـ "متهورة تمامًا وخطيرة وغير مسؤولة"
هذا ورسميًا، تدافع الولايات المتحدة على موقفها الثابت باعتبار الصين أرضًا واحدة، كما تتبنى سياسة الغموض الاستراتيجي إزاء دعمها لحكومة تايوان، وطبيعة ردها إذا ما أصرت بكين على ضم الجزيرة بالقوة.