لا يبدو أن صناع المسلسل البوليسي "الكاتب"، قد نجحوا في تصدير دراما عربية بمعايير فنية وتقنية تتناسب مع أعمال المنصات الرقمية العالمية الرائجة حاليًا، فضاع العمل في غياهب الإطالة غير اللازمة، والسهوات التي رافقت السيناريو، أو حتى اعتماد شركة "إيغل فيلمز" للإنتاج الفني، على تجربتها السابقة مع الثنائي باسل خياط ودانييلا رحمة، اللذين لعبا دور البطولة في مسلسل "تانغو" مع رامي حنا، ولاقى يومها العمل أصداءً إيجابية من قبل متابعي الدراما العربية.
لا يبدو أن صناع مسلسل "الكاتب" البوليسي، نجحوا في تصدير دراما عربية بمعايير فنية وتقنية تناسب أعمال المنصات الرقمية العالمية
شخصيات تائهة
تبدأ قصة الكاتب الذي كتبت نصه السيناريست السورية ريم حنا بجريمة قتل، عندما تكتشف جثة طالبة التمثيل تمارا في محيط المنزل السري لكاتب القصص البوليسية يونس جبران (باسل خياط).
اقرأ/ي أيضًا: الدراما السورية في رمضان 2019.. المكتوب الواضح من عنوانه
خلال الحلقات الأربعة الأولى حاولت حنا أن تدخل عنصري التشويق والإثارة بإضافتها شخصيات جديدة متهمة بارتكاب الجريمة لدوافع مختلفة، لكنها مع بدء الحلقة الخامسة بدأت تعطي العمل بعدًا ثقيلًا في تطور الأحداث.
الملاحظة الأهم في العمل، تمثلت في إظهار الأمن اللبناني الذي يشرف على التحقيق حول الجريمة بظهورهم كشخصيات ثانوية، واعتمادهم على جلب المعلومات لتكوين صورة واضحة عن مرتكب الجريمة عن طريق الصدفة، رغم أنه يجب أن تكون شخصية المحقق مع مساعده من الشخصيات الرئيسية التي تلعب دورًا مهمًا في تصاعد الأحداث التي تمهد لاكتشاف الفاعل.
غير أنها في المسلسل بدت تائهة غير متمكنة من تفاصيل الجريمة، ويسهل التلاعب بها في كثير من الأحيان، ما جعل الحبكة الدرامية في مشاهد التحقيق مبالغ فيها على حساب الواقعية المفترضة.
افتقاد التشويق والإثارة
هذا ويعتبر الكاتب أول عمل درامي بوليسي تكتبه حنا بعد مجموعة من الأعمال المتميزة التي قدمتها للشاشة الصغيرة، وأصبحت من الأعمال الكلاسيكية في ذاكرة الدراما السورية، مثل "رسائل الحب والحرب" و"الفصول الأربعة" بجزأيه الأول والثاني، مع "ذكريات الزمن القادم".
إلا أن حنا لم تكن موفقة في خياراتها الدرامية مع عمل بحجم "الكاتب"، يحتاج عنصري التشويق والإثارة التي افتقدهما تدريجيًا، فكان على المتفرج الانتظار حتى الحلقة الـ20 لنعرف أن يونس جبران ليس كاتب روايته الأولى "حارس القمر" التي قدمته للمشهد الروائي ككاتب قصص بوليسية، إنما صديقه سيد حلمي الذي حوله لشخصية رئيسية في باقي روايته.
في مقابل ذلك نجحت حنا في تقديم شخصيتي إيلي نجيم (الصحفي رائد)، وغبريال يمّين (أبو سعيد) الناشر الخاص لأعمال جبران. تقديم شخصية الصحفي كان مميزًا عبر اختيارها السوشيال ميديا فضاءً لتقديمه كمدون، مع سوقه ادعاءات على أنه صحفي، والتي أظهر أبو سعيد فيها استخفافًا عندما عرف في أحد الحوارات مع رائد أنه مدون على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك.
الحوارات التي صاغتها حنّا بين الناشر ورائد كانت مميزة بأخذها منحى كوميدي في المشاهد التي تجمع بينهما، أو حتى حوار نجيم مع باقي الشخصيات، إذ استطاع الرجل أن يقدم في العمل أداءً مميزًا عن باقي النجوم بلفت الأنظار.
الإخراج: خيارات فنية ناجحة وأداء باهت
إلى جانب تميز نجيم في العمل، كانت خيارات رامي حنا الفنية ناجحة إخراجيًا، وهو المعروف بـ"غدَا نلتقي"، فجاءت خياراته الفنية ناجحة من جانب الإضاءة والتصوير وحركة الكاميرا، وكذا الأزياء والسينوغرافيا، وقد أعطت العمل بعدًا جماليًا، بالأخص الظلال والإضاء الخفيفة التي تتميز بها الأعمال البوليسية، من حيث طغيان اللون الأسود، سيد الألوان وملكها على النسبة الأكبر من المَشاهد.
لكنه في الطرف الآخر، لم يكن موفقًا بإسناد دور البطولة لدانييلا رحمة (ماجدولين) وباسل خياط، فقد ظهر الأخير كأنه يدور ضمن حلقة مفرغة من مضمونها، أتعب نفسه كثيرًا في محاولته رسم ملامح شخصية الكاتب البوليسي ما أسقطه في إعادة تقمص شخصياته التاريخية التي جسدها سابقًا، لنجده يعيد تكرار نفسه بشخصية كاتب الروايات البوليسية.
وموضوع الشخصيات تحديدًا، لا يقف عند خياط وحده، بل يسير بخط مشترك مع باقي الشخصيات التي لم يكن ظهورها مقنعًا، وهذا يسجل على صناع العمل الذين اختاروا أن يكون الكاتب باكورة تعاونهم مع منصة العرض الرقمي نتفليكس عن الشرق الأوسط، لكن للأسف لا الكاتب وقبله "الهيبة"، أو حتى "بيروت لايف" مع عادل كرم، قد نجحوا في تقديم أعمال متميزة عن المنطقة العربية، وليس معروفًا السبب الذي يدفع نتفليكس لدخول الساحة العربية من بوابة أعمال فشلت في إقناع المتفرج العربي التي تريد جذبه إليها!
حبكة درامية بطيئة
أما عامل الحبكة الدرامية التي أصبحت بطيئة منذ الحلقة الخامسة، فيمكن القول إن هذه المشكلة تواجه غالبية الأعمال الدرامية العربية التي تجهد في ضبط إيقاع حلقات الأعمال الدرامية بحسب أيام الموسم الرمضاني، لتظهر تدخلات ريم حنا في الحبكة الدرامية غير مقنعة على حساب الحوارات الطويلة لإطالة عدد الحلقات، فكان على المتفرج الانتظار حتى الحلقة الـ19 ليدرك أنه أمام قاتل متسلسل.
ربما كان من الجيد تكثيف الأحداث، والتسريع من إيقاع المسلسل، وهذا العامل مهم في الأعمال البوليسية، نظرًا لما تملكه من حساسية في طريقة تعاطيها مع الأحداث التسلسلية أولًا، وإبقاء المتفرج مشدودًا طول العرض حتى لا يشعر بالملل والضجر، وهو ما كان حاضرًا في جميع الحلقات.
الحبكة الدرامية التي أصبحت بطيئة في مسلسلة الكاتب منذ الحلقة الخامسة، هي مشكلة تواجه أغلب الأعمال الدرامية العربية
نهايةً، تجدر الإشارة إلى أن السيناريست السوري خلدون قتلان، اتهم المخرج رامي حنا باستعانته بشخصية جعفر المصاب بالشيزوفرينيا عن سيناريو مسلسل "الخونة" الذي امتنعت شركة كلاكيت مالكة النص عن إنتاجه، مشيرًا إلى أن حنا استعان سابقًا بأحد شخوص "الخونة" في "غدًا نلتقي"، بتقديمه شخصية وردة التي تمتهن تغسيل الأموات المقتبسة عن شخصية تشيهها في سيناريو "الخونة".
اقرأ/ي أيضًا:
مسلسل "دقيقة صمت".. حرب البيانات وسجالات الفيسبوك والحبكة الدرامية أيضًا