"Harry & Meghan" مسلسل وثائقي يعرض حياة الأمير هاري وزوجته الممثلة الأمريكية ميغان ماركل، ويستكشف علاقتهما منذ بداية تعارفهما وصولًا إلى التحديات والمشاكل التي واجهها الطرفان مع العائلة الملكية في المملكة المتحدة، ثم تخليهما عن واجباتهما الملكية وانتقالهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما يلقي أيضًا نظرة على زفافهما في عام 2018، وإنجاب طفلين، وعلاقتهما مع وسائل الإعلام البريطانية والعائلة الملكية.
طرح المسلسل عدة مسائل مهمة، مثل العنصرية، والتاريخ الاستعماري للمملكة المتحدة، والتواطئ الضمني بين المؤسسة الملكية والصحافة
يصور الوثائقي، وهو من إخراج ليز غاربوس وإنتاج شبكة "نتفليكس"، بدايات العلاقة بين هاري وميغان منذ لقاءاتهما الأول كما يعرض الأوقات الممتعة التي أمضياها سويًا وسط الأدغال الأفريقية، إلى جانب لقطات أرشيفية للأميرة ديانا، ومقابلات مع أصدقائهما.
يصف هاري قصته بكونها: "قصة حب عظيمة لا زالت في بدايتها". وعلى غرار أفلام الحب الرومانسية المليئة بالكليشيهات، يتتبع المسلسل الأحداث والتفاصيل الغرامية للثنائي، وصولًا إلى زفافهما الملكي، وانتهاءًا بتخليهما عن واجباتهما الملكية والانتقال إلى خارج المملكة المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن الأمير هاري المولود في العام 1984، هو ابن اللايدي ديانا والأمير تشارلز، وشقيق الأمير ويليام.
نسبة مشاهدات مرتفعة
لاقى المسلسل استحسانًا كبيرًا من المشاهدين تراوحت بين الإعجاب توجيه الانتقادات على اعتبار أن المسلسل يكشف الأرشيف الشخصي غير المروي سابقًا، وبعد رفض أفراد العائلة الملكية التعليق على محتوى السلسلة الوثائقية. واعتبر بعض الصحفيين أن المسلسل عبارة عن حملة دعائية للأمير هاري وزوجته الممثلة الأمريكية ميغان ماركل، سيما وأن قيمة الصفقة مع "نتفليكس" بلغت 112 مليون جنيه إسترليني سيتقاضاها الثنائي مقابل عدد من البرامج.
حصد المسلسل مشاهدات عالية جدًا في الأسبوع الأول من إطلاقه. ووفقًا لصحيفة "الغارديان"، حصد المسلسل 82 مليون ساعة مشاهدة للحلقات الثلاث الأولى عند إطلاقها. كما تم الكشف عن أن أكثر من 28 مليون أسرة شاهدت جزءًا على الأقل من المسلسل، وأنه كان ثاني أكثر المسلسلات الإنجليزية مشاهدة على مستوى العالم في الأسبوع الأول لإطلاقه. ناهيك عن أنه أصبح المسلسل الأكثر مشاهدة في بريطانيا، وثاني أكثر مسلسل مشاهدة في أستراليا، وضمن أكثر عشرة مسلسلات تمت مشاهدتها في 85 بلدًا حول العالم على منصة "نتفليكس".
كيف علقت الصحف البريطانية على الوثائقي؟
يصور الوثائقي وسائل الإعلام بكونها شريرة، ما أثار سخط العاملين في الصحافة والإعلام الذين نالوا من المسلسل، حيث نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالات لاذعة وصفت المسلسل بأنه: "مثيرٌ للتقيؤ". بينما وصفته صحيفة "الدايلي ميل" البريطانية بأنه: "اعتداء على إرث الملكة الراحلة إليزابيث"، ورغبة من الطرفين في "إسقاط الملكية".
أثار المسلسل سخط العاملين في الصحافة والإعلام الذين اعتبروه اعتداءً على إرث الملكة الراحلة إليزابيث
أما صحيفة "التيليغراف"، فقد نقلت عن مصادر ملكية بأن المسلسل: "مروع وغير دقيق لناحية سرد الوقائع"، مشيرةً إلى كونه: "مسيء للغاية" لذكرى الملكة إليزابيث، حيث اعتبرت أن تصريحات الأمير هاري لاذعة بعدما وصف تاريخ بريطانيا الاستعماري بالهيمنة والوحشية.
وعلقت صحيفة "الدايلي ميرور" في عنوانها: "أوقفوا هذا السيرك الملكي"، متهمةً الثنائي هاري وميغان بـ: "إعادة إشعال الحرب داخل العائلة الملكية"، بينما يعاني الناس العاديون من أزمة غلاء المعيشة. أما صحيفة "ميترو"، فاعتبرت أن جملة هاري: "أفراد العائلة الملكية لا يتزوجون عن حب"، هي انتقاد واضح للأمير ويليام والملك تشارلز. فيما اعتبرت صحيفة "الدايلي إكسبرس" بأن الأمير هاري: "أطلق حربًا جديدة على العائلة الملكية". وكتبت صحيفة "ذا صن" البريطانية بأن الأمير ويليام: "مستاء من الحملة التي أشعلها هاري ضد أخيه ويليام وزوجة أخيه كايت ميدلتون"، كما وصفته بأنه: "بغيض".
شهوة الكاميرا
الوسائل الإعلامية لديها شهوة لتصوير العائلة الملكية وتتبع نشاطاتها حتى في حياتها الخاصة، ويومياتها، وتفاصليها الصغيرة والكبيرة منها. وهذا يشكل ضغطًا كبيرًا على أفراد هذه العائلة وكل من يدور في فلكهم. اختبر الأمير هاري هذا الأمر، وعرف بأن حياته ستكون مفتوحة للعموم، وبأن الميديا سوف تنسف كل مجهود يضعه في بناء علاقة صحية وسليمة، فليس هينًا تتبع عدسات الكاميرا لشخص ما حتى داخل منزله إذا أمكن ونشر كل خصوصياته.. من سيتحمل هذا العبء ويوافق أن يرتبط مع فرد من أفراد العائلة الملكية؟
التجربة ذاتها عاشتها الأميرة ديانا، ولذلك قرر الأمير هاري عدم إعادة التجربة مرة أخرى. فمن يمكنه تحمل عيش حياة في السر! لكن أيضًا هناك الكثير من التظلم الذي يقوم به الثنائي، حيث يلعبان دور الضحية باستمرار خلال عرضهما للوقائع في الوثائقي، على الرغم من العنصرية التي واجتهتها ميغان.
لكن، على المقلب الأخر، يرى بعض النقاد أنه من: "الغريب مشاهدة شخصان يطالبان بخصوصيتهما وبالتحرر من مضايقة الوسائل الإعلامية ويتوسلان أن تتركهما الصحافة وشأنهما، ثم يقدمون وثائقي على منصة "نتفليكس" عارضين كل تفاصيل حياتهما وزواجهما وأطفالهما ومنزلهما، ومع إصدار خطابات أشعلت الرأي العام البريطاني ووسائل الإعلام واستدعت استياءًا عارمًا من القصر الملكي!". ويتساءل هؤلاء: "أليس هناك تناقض بين ما يطلبانه وبين ما قاما به؟ فبدلًا من الابتعاد عن الحياة العامة الملكية بهدوء، نجد أنهما قررا تحويل نفسيهما إلى علامة تجارية باهظة الثمن". ويشير أخرون "لقد ترك هاري النظام الملكي وانضم إلى الأوليغارشية".
طروحات ناجحة
لكن، بعيدًا عن الصحافة الصفراء "التابلويد" كما يشار إليها في بريطانيا، ورأيهم في الوثائقي، فإن صنّاع المسلسل نجحوا نجاحًا واضحًا في طرح عدة مسائل أهمها: العنصرية التي لاحقت ميغان بسبب عرقها المختلط ولون بشرتها، وتحديدًا لون بشرة والدتها. ثانيًا، ومن الناحية السياسية التاريخية، انتقاد المؤسسة الملكية وتاريخها الإستعماري وعلاقتها مع الشعوب المستعمرة. ثالثًا، كسب التعاطف الشعبي بعد كشف السلوك البشع للصحافة الصفراء، وانتهاكهم للمعايير الأخلاقية بغية الحصول على خبر وقصة، حتى لو كلف ذلك إلحاق الأذية بالأخرين!
رابعًا، تصوير معنى حالة "السقوط الإنساني"، الذي أظهره الوثائقي حين شاهدنا كيف قام والد ميغان ماركل بالتواطؤ مع الصحافة الصفراء وفبركة الأخبار لقاء مبالغ مالية. خامسًا، نجح المسلسل في إظهار الأثار النفسية الهائلة التي لحقت بالثنائي، لا سيما الزوجة، بفعل فبركة الأخبار.
يعرض المسلسل حياة الأمير هاري وزوجته الممثلة ميغان ماركل ويستكشف علاقتهما منذ بداية تعارفهما وصولًا إلى تخليهما عن واجباتهما الملكية
سادسًا: كشف "التواطؤ الضمني" بين المؤسسة الملكية والصحافة، حيث أن كل طرف من الطرفين يتغذى من الأخر (المؤسسة الملكية يتم تمويلها من قبل دافعي الضرائب وبحاجة دائمًا لأن تحظى بشعبية 80% من المواطنين، والصحافة الصفراء بحاجة إلى نقل قصص أفراد العائلة المالكة لزيادة مبيعاتها، وبدورها تساهم في صياغة صورة المؤسسة الملكية وإكسابها الإهتمام الدائم، فكل طرف بحاجة إلى الطرف الأخر).
سابعًا، التأكيد على انحياز المؤسسة الملكية وشبكة العلاقات داخل هذه المؤسسة لصالح الأمير ويليام على حساب الأمير هاري (إحراج الأمير لإخراجه من المؤسسة، والتنازل عن واجباته الملكية). ثامنًا، تبيان آلية انتشار الشائعات/الكذب عبر السوشيال ميديا، واستغلال وسائط التواصل الإجتماعي لإلحاق الضرر بالأخرين كتشويه السمعة ونشر الكراهية وتلفيق الأخبار المزيفة وتضليل الرأي العام، وجميعها وسائل وأساليب استخدمت ضد هاري وميغان.