يمكن النظر إلى أعمال بهاء السّوقي التي يقدّمها حاليًا في غاليري "Art Lab" في الجميزة، بوصفها أعمال أرشيفية. أو، بعبارة أدق، أعمال قادمة من أرشيف موغل في القدم. يعود الأمر، بالدرجة الأولى، إلى كمية الرصاص المستخدمة، وقدرتها على تقديم محتوى محايد، وفرض ما تنطوي عليه على المشاهد. فالأعمال المعروضة، على عكس صاحبها، تصف الحادثة وتنقل تفاصيلها بطريقة مخالفة لتلك التي يقدّمها السّوقي في حديثه للزوار.
تبدو لوحات بهاء السّوقي في معرضه الجديد "Spinning Yards" أقرب إلى محاولة لعكس أضرار انفجار مرفأ بيروت وترجمتها في دواخلنا
"Spinning Yards" هو عنوان المعرض، الذي يضم أحد عشر عملًا بأحجام مختلفة، يضاف إليها أحد عشر إطارًا مرافقًا وظّفها السّوقي بطريقة مفاجئة وجديدة تتيح للمتفرج أن يملأها كما يريد.
التركيز على الأسود والأبيض في ثيمة الأعمال، هو من العدة التي استند إليها السّوقي. عدة بسيطة يضاف إليها الورق القطني و"Pigment Ink Pen"، التي من شأنها تقديم رؤية من دون الرجوع إلى لون يشي أو يفصح بأية أحاسيس مضمرة عقب الانفجار.
تبدأ حكاية الأعمال من جولة قام بها الفنان في 4 آب/ أغسطس 2020، عقب انفجار المرفأ مباشرة. الزيارة كانت كفيلة بإدخاله في تروما ما تزال تداعياتها قائمة حتى الآن. عاود السّوقي دراسة هذا الحطام بذاته انطلاقًا من إحساسه بأن تردّدات الأنقاض والحطام تدفع الفرد إلى التساؤل: هل أنا جزء من هذه الكارثة الموجودة؟ لمَ لمْ نشعر بهذه الاختلاجات حين مررنا من هنا بُعيد الانفجار بساعات؟
إنها، بمعنى ما، محاولة لعكس هذه الأضرار وترجمتها في دواخلنا كبشر. والمحصلة تكون في تحويل الحديد والدمار والبنيان المتهاوي إلى مشاعر وأحاسيس، ثم طرحها كأسئلة داخل الكينونة.
الصور، بمحل ما، هي طاقة مفتوحة على استنهاض الذاكرة وحملها والعودة بها إلى اللحظة التي تلت الانفجار. ليست بذات الحدة والعنف، كما أنها تخلو من الروائح ومن الدماء.
الأعمال المشغولة على مدى سنة تقريبًا، منذ منتصف 2021، مستمرة في نقل الأحاسيس لكن بوتيرة وحماسة أقل. لا علاقة للوقت بالأمر، إنما بالدعوة المقدّمة من قبلها لاستضافتها ودوام إطالة النظر إليها. أعمال مفتوحة على مصراعيها، وفيها نوع من المواظبة والتركيز على الدمار الذي يوليه السّوقي أهمية كبير. ليست هذه الأعمال سوى ركام ما خلّفته الكارثة، مدموغًا بالأسود والأبيض.
الشق البصري الآخر يتجلى في المساحة البيضاء التي تدفع إلى التفكير بتحويل هذه اللوحات إلى نوع من البوستكارد، إذ توحي، بطريقتها، بأن لا شيء مكتمل، لا شيء يصل للنهاية، ودائمًا يجب أن نعتاد على أن نُطمس ونعيش ونستمر وكأن شيئًا لم يحدث.
هذه المساحة البيضاء هي للشخص الذي يرى ويعيد تشكيل هذه الحادثة لذاك النهار المفصلي. هي حيز غير مكتمل، وهناك حلقة ناقصة من الواجب على كل ناظر تعبئتها، سواءً بالنقاش أو بالرسم أو بالتفكير، من أجل الاستمرار في رحلة العلاج والتشافي، ولكي يتمكن من بناء صحيح.
يضم المعرض أحد عشر عملًا بأحجام مختلفة، يضاف إليها أحد عشر إطارًا مرافقًا يتيح للمتفرج أن يملأها كما يريد
القادم إلى المعرض يتجول ويتساءل عن المكان بحد ذاته، فالجولة أشبه بمسير السجناء خلف بعضهم بعضًا دون أي التفاتة إلى الخلف.
في أول صولو للفنان في بيروت بعد مشاركات عديدة خارج لبنان، يمكننا أن نسأل عن درجة اكتمال اللوحات المطروحة. هذه المحاولة أتاحت للسوقي معرفة أن ما تلا الكارثة أعطى للمدينة جوًا خاصًا. نوع من الشحن الذي قُدّم في خطوط مبعثرة على أوراق مائلة أفقية ومستوية. يضاف إلى ذلك نوع من الراهنية، فعلى الرغم من مضي ما يقارب السنتين على الكارثة، إلا أن اللوحات تحيلها جديدة وكأن الحدث قد وقع البارحة.