يستضيف "غاليري كاف" في منطقة الأشرفية في بيروت، حتى التاسع من نيسان/ أبريل القادم، معرض "Faces in a row" للفنانة التشكيلية اللبنانية ديما رعد. وهو المعرض الفردي العاشر في مسيرتها.
ترسم ديما رعد في لوحاتها وجوهًا بأحجامٍ كبيرة تعبّر، بملامحها الضبابية المموهة أحيانًا، والمشوهة في أحيانٍ أخرى، عن واقعٍ مأزوم
يضم المعرض الذي افتُتح في السابع من آذار/ مارس الجاري، أربع وعشرين لوحة بأحجامٍ مختلفة ومساحاتٍ متنوعة، استخدمت الفنانة اللبنانية في إنجازها مادة الإكريليك على كانفاس. وتتشارك هذه اللوحات، التي يغلب عليها الطابع التجريدي التعبيري، موضوعًا ثابتًا يُطرح في كل واحدةٍ منها من زاوية مختلفة تؤلف، معًا، مشهدًا واحدًا تتقاسمه وجوه مرسومة بنبرة نزقة وحادة.
ترسم ديما رعد في لوحاتها وجوهًا مبهمة بأحجامٍ كبيرة تهيمن على كامل مساحة اللوحة، وتعبّر بملامحها الضبابية المموهة أحيانًا، والمشوهة في أحيانٍ أخرى، عن واقعٍ مأزومٍ وبائس تحيل إليه قسوتها وخوفها، الذي يستدعي بدوره ماضٍ مضطرب يحضر في هذا السياق باعتباره مصدرًا لأزمات الحاضر وبؤسه.
وتولي رعد اهتمامًا واضحًا بملامح وجوه لوحاتها باعتبارها المساحة التي تعكس أفكارها وهواجسها وتصوراتها أيضًا. هكذا تنقسم لوحاتها إلى قسمين، نرى في الأول وجوهًا بملامح واضحة تقريبًا، لكن ليس إلى ذلك الحد الذي يجعل منها وجوهًا طبيعية ومألوفة. في حين نرى في القسم الثاني ملامح ضبابية مموهة، يختفي الجزء الأكبر منها أسفل خربشاتٍ وخطوطٍ وكتلٍ لونية جرت مراكمتها بنزقٍ وانفعال.
لا تقتصر وظيفة الخطوط والكتل اللونية التي تراكمها الفنانة فوق وجوه لوحاتها، على إخفاء وطمس بعض ملامحها فقط. ذلك أنها تقوم، في بعض اللوحات، بمحو هذه الملامح تمامًا. بينما توحي طريقة توزيعها، في لوحاتٍ أخرى، بأنها نتاج أزماتٍ وحروبٍ ماضية وراهنة تهمّش الفرد، وتعزله، وتمحيه.
توحي هذه الانطباعات بأن ديما رعد تلتقط هذه الوجوه قبل زوالها، وأن الأخيرة هي أخر ما تبقى من أجسادٍ جرى محوها. ملامح الوجوه ذاتها، لا سيما تلك التي تبدو وكأنها تصرخ، توحي بذلك أيضًا. وكذا تقديم الفنانة اللبنانية نفسها لمعرضها. حيث تقول إن هذه الوجوه: "هي ومضات وبقايا ملامح عبرت في المخيلة جراء الأحداث التي مررنا ونمر بها في حياتنا اليومية، بحيث أصبح الوجه مبهمًا، والعصب مشدودًا، والألم واضحًا، والشعور مبعثرًا، والفرح مشتتًا، والحب على حافة الانتظار، والوطن مقبرة جماعية".
تتشارك اللوحات موضوعًا ثابتًا يُطرح في كل واحدةٍ منها من زاوية مختلف تؤلف، معًا، مشهدًا واحدًا تتقاسمه وجوه مرسومة بنبرة نزقة وحادة
وتضيف الفنانة اللبنانية: "إنه عصر الأحداث السريعة المتقلبة التي لا تسمح لنا باستيعابها كلٍ على حدة. من هنا أردت إعادة ترتيبها وتركيزها بالوجه، أول حروف التعبير والمركز الأساسي لانطلاق أدوات الجسد والتفكير، على أساسٍ لوني وتأليف يرتكز إلى مدى العصب الذي يغتالنا يوميًا". وتتابع: "لم تعد الطاولة طاولة، ولا الطبيعة طبيعة، ولا الأشياء كما هي، فما بالنا بالوجه المتغير كالنهر؟".
وتقول ديما رعد إنها تسعى إلى التقاط: "هذه التعابير بعصب يتمحور حول لعبة الألوان والتأليف والتوازن والموضوع، لتأخذ الحيز الذي تراه مناسبًا دون شروط، علني أصل إلى مداخل أخرى ومجهولة. وبانتظار هذا المجهول، وبما أننا جيل الحرب والويلات، أقدم هذه الوجوه قرابين على مذبح اللانهايات".