أغدقت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، المعروفة اختصارًا بـ"أيباك", أموالًا طائلةً على أعضاء في الكونغرس ممن قاموا بالتصفيق بحرارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال خطابه في الكونغرس في 24 تموز/يوليو الماضي.
ويثير الكشف عن صرف هذه الأموال أسئلةً عديدة بعضها يعود بنا إلى حدث استقبال قائدٍ سياسي مطلوب للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وبعضها الآخر على صلة بمستوى تحكّم المانحين في المشرّعين الأميركيين والنخبة السياسية الأميركية عمومًا وموقف هذه النخبة الحقيقي من الحروب والجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي لا سيما منها الحاصل حاليًا في قطاع غزة.
فعلى الرغم من طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت بتهم ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية" 20 أيار/مايو الماضي، استقبل الكونغرس الأميركي نتنياهو بحفاوة ومنحه فرصة إلقاء خطاب أمامه وغمره بالتصفيق.
بل وسمح له بإلقاء الكذب الصريح من قبيل أنّ "إسرائيل لم تقتل أي مدني تقريبًا في اجتياحها لرفح" في دلالة على الدور الذي تلعبه لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "أيباك" في التأثير على قرارات المجلس، من خلال إغداق الأموال على أعضائه تحت ما يسمى "التبرعات الانتخابية". فأثناء خطاب نتنياهو كانت الشوارع في واشنطن تكتظ باحتجاج آلاف المؤيدين لفلسطين المطالبين بإنهاء الحرب ووقف تسليح إسرائيل، لكنّ الأغلبية الساحقة من أعضاء الكونغرس الحاضرين لكلمة نتنياهو تجاهلوا تلك الاحتجاجات، والسبب "أموال أيباك".
مع كل تصفيق لنتنياهو يتم إنفاق مليارات الدولارات لتمويل وحشيته، ومع كل تصفيق يوجد آلاف من الأطفال القتلى، ومع كل تصفيق ينهمر المال من أيباك
أموال أيباك الممنوحة لأعضاء في الكونغرس
جمعت وكالة "الأناضول" معطيات عن الهبات التي تحصل عليها "المصفقون" في الكونغرس لكليشيهات نتنياهو المعدة سلفًا لاستدرار مثل ذلك التصفيق، وقد حصل أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، ممن صفقوا لنتنياهو، على دعم مالي كبير من "أيباك". ومن بين هؤلاء، حسب الوكالة، النائب الديموقراطي ستيني هوير الذي حصل على مليون و736 ألفًا و244 دولارًا، وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، الذي حصل على مليون و367 ألفًا و47 دولارًا.
كما تلقى السيناتور الديمقراطي عن ولاية جورجيا رافائيل وارنوك، مبلغ 929 ألفًا و776 دولارًا، والسيناتور الديمقراطي عن نيوجيرسي كوري بوكر، 913 ألفا و81 دولارًا.
بينما حصل النائب الديموقراطي جلين إيفي من ولاية ماريلاند على 807 آلاف و215 دولارًا، والنائب الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا تيد ليو على 315 ألفا و955 دولارًا، والسيناتور الديمقراطي من بنسلفانيا، جون كارل فيترمان، على 245 ألفا و550 دولارًا من اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة.
كما نال رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون، مبلغ 364 ألفًا و363 دولارًا، والسيناتور الجمهوري من تكساس تيد كروز، مليونًا و509 آلاف و359 دولارًا.
أما ممثل بنسلفانيا النائب الجمهوري مايك كيلي، فحصل على 91 ألفًا و250 دولارًا، وممثل ألاباما الجمهوري جيري كارل على 50 ألفًا و892 دولارًا.
وتلقى عضو مجلس النواب عن ولاية تكساس الجمهوري تشيب روي، 37 ألفًا و129 دولارًا، وممثل أريزونا الجمهوري آندي بيغز، 46 ألفًا و745 دولاراً، وممثلة فلوريدا عن الحزب الجمهوري آنا باولينا لونا، 3 آلاف دولار، وممثل فلوريدا الجمهوري كوري ميلز 8 آلاف و500 دولارًا.
إضافةً إلى ذلك، حصلت عضو مجلس النواب من جورجيا الجمهوري مارجوري تايلور غرين، على ألفين و250 دولارًا من "أيباك" وذلك على شكل "مساعدات انتخابية".
ومن بين الأسماء الأخرى التي تلقت مساعدةً من "أيباك"، يبرز كل من ممثل فلوريدا الجمهوري بايرون دونالدز، الذي حصل على 90 ألفًا و703 دولارات، وسيناتور ويسكونسن الجمهوري رون جونسون، الذي حصل على 347 ألفًا و28 دولارًا.
ونال سيناتور ميزوري الجمهوري جوش هاولي، 231 ألفًا و790 دولارًا، وممثلة كولورادو لورين بويبرت 17 ألفًا و690 دولارًا، وممثل فلوريدا مات غيتس 6 آلاف و535 دولارًا، وسيناتور ماريلاند الديمقراطي بن كاردين 913 ألفا و285 دولارًا.
هذه المعطيات دفعت المؤيدين لفلسطين ووقف الحرب في غزة إلى توجيه انتقادات حادة للكونغرس ولتدخلات أيباك التي تساهم في تقويض الديمقراطية الأميركية باستحواذها على النواب والتلاعب بمواقفهم.
وفي هذا الصدد، وصف أستاذ علم الاجتماع بجامعة مينيسوتا حسن عبد السلام، وهو مؤسس حركة "تخلوا عن بايدن التي تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وصف دعوة أحد "أكبر الطغاة في تاريخ البشرية" للتحدث أمام الكونغرس بأنها "أحد أكثر العروض المخزية في التاريخ الأميركي".
وأضاف: "نحن واثقون جدًا من أننا في حركة (تخلوا عن بايدن)، نسير في الطريق الصحيح، من خلال المطالبة بمعاقبة هذه الإدارة".
أمّا عمر سليمان، رئيس "معهد يقين" بمدينة دالاس في ولاية تكساس، فعلّق على تصرفات أيباك قائلًا: "أيباك تلعب أوراقها بشكل مفرط. فهذه المنظمات تُفرط في استخدام نفوذها لدرجة أن الشعب الأميركي، حتى ممن لا يتفقون معنا، بدأوا التفكير بالأسباب التي تقف وراء تمويل اللجنة من أموال الضرائب الأميركية، بينما يخيم الفقر على الشوارع في الولايات المتحدة".
وأضاف سليمان لـ"لأناضول" أن السياسيين الأميركيين: "لا يبدون نفس التعامل الحساس تجاه الشعب الأميركي بقدر ما يبدونه تجاه هذه اللوبيات"، مشيرًا إلى أن: "أيباك كانت وراء تنظيم مسرحية التصفيق في الكونغرس، ما يذكرنا بالمسرحيات المدرسية". ووصف تلك الحالة بأنها "جنون"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى "تغيير شامل".
وقال: "مع كل تصفيق يتم إنفاق مليارات الدولارات لتمويل هذا الوحشية، ومع كل تصفيق يوجد آلاف من الأطفال القتلى، ومع كل تصفيق ينهمر المال من أيباك".
بدوره، قال مدير الشؤون الحكومية لمجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية "كير"، روبرت مكاو: "لا نريد أن يتحدث القادة المتهمون بارتكاب جرائم إبادة جماعية أمام المشرعين في الولايات المتحدة".
وأضاف لـ"الأناضول": "نحن لا ندعم هذا النظام السياسي في واشنطن. فقد تدعم هذه النخبة السياسية نتنياهو، لكن الشعب الأميركي يشهد كل يوم على تزايد فظائع الإبادة الجماعية، وهم بالتالي يفقدون دعم الجمهور".
ورغم التصفيق الحار لخطاب نتنياهو أمام الكونغرس، إلا أنه لم يتطرق لصفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس" ووقف إطلاق النار في القطاع. واكتفى نتنياهو بالقول إنه التقى عائلات الأسرى وقال لهم "لن أرتاح حتى يعود جميع أحبائهم إلى ديارهم".
يُذكر أنه وبدعم أميركي مطلق، تواصل إسرائيل حرب "الإبادة الجماعية" على غزة التي خلفت أكثر من 136 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلةً قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بقطاع غزة المحاصر.