شكل ملف انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، تحديًا للعلاقة بين تركيا ودول الحلف العسكري، نظرًا للمعارضة التركية للانضمام السويد، ما لم تلتزم بالشروط التي وضعتها أنقرة، والمتعلقة بوقف نشاطات حزب العمال الكردستاني في السويد، الذي تعتبره تركيا تنظيمًا "إرهابيًا".
تقترب السويد من الانضمام إلى حلف الناتو بشكلٍ كبير، بعد موافقة تركيا، مقابل دعم ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي
صفقة الناتو والاتحاد الأوروبي
وبعد حوالي عام من المفاوضات ضمن "الآلية المشتركة الدائمة" المشكلة بموجب المذكرة المبرمة بين تركيا والسويد وفنلندا، وتوسط الدول الأعضاء في الحلف، عقد اجتماع في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، على هامش قمة دول حلف شمال الأطلسي، ضم الرئيس التركي، ورئيس الوزراء السويدي، والأمين العام لحلف الناتو.
وتوصلت تركيا والسويد إلى تسوية للخلافات بينهما في الربع ساعة الأخيرة كما وصفت وكالة "فرانس برس" الاجتماع، حيث وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عرض بروتوكول انضمام السويد على البرلمان التركي في أسرع وقت ممكن، والعمل لضمان المصادقة عليه.
وينهي البرلمان التركي دورته الحالية رسميًا في 18 تموز/يوليو الجاري، على أن يعود إلى جلساته في أيلول/سبتمبر المقبل، وهذا يعني أن لأنقرة الوقت الكافي لاختبار التعهدات التي قطعتها ستوكهولم عن نفسها ضمن الاتفاق.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل مغادرته للمشاركة في قمة دول حلف الناتو في فيلنيوس، قد ربط موافقة تركيا على طلب السويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بأن يفسح الاتحاد الأوروبي المجال أمام انضمام بلاده إلى التكتل الأوروبي، وانتقد أردوغان "الدول التي تبقي تركيا تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي لما يقرب من 50 عامًا".
البيان الثلاثي
جاء في البيان الثلاثي عقب اللقاء الذي ضم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، وأمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ، والذي نشرته وكالة "الأناضول"، أن "تركيا والسويد اتفقتا مواصلة التعاون بين في إطار كل من الآلية الثلاثية المشتركة الدائمة التي أُنشئت في قمة الحلف بالعاصمة الإسبانية مدريد عام 2022، وآلية أمنية ثنائية جديدة تشكل مجموعات عمل مناسبة وتجتمع سنويًا على المستوى الوزاري"، وشدد البيان على أن "السويد لن تدعم تنظيمات YPG/ PYD وغولن الإرهابية"، مبينًا أن "تركيا والسويد متفقتان أن التعاون في مكافحة الإرهاب هو جهد طويل الأمد سيستمر إلى ما بعد انضمام السويد إلى حلف الناتو".
وأكد البيان أن "السويد ستدعم بشكل فعّال جهود إحياء مسار عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات"، وتابع البيان "وعلى هذا الأساس، وفي سياق متطلبات الردع والدفاع في المنطقة الأوروبية الأطلسية، ستحيل تركيا بروتوكولات انضمام السويد إلى برلمانها، وستتعاون بشكل وثيق مع البرلمان لضمان المصادقة عليها".
علاقة تركيا المتوترة مع الاتحاد الأوروبي
يذكر أنه قبل التوصل للاتفاق قطع أردوغان اجتماعه مع ستولتنبرغ وكريسترسون، لعقد اجتماع جانبي مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وهي دلالة على ربط موافقة تركيا لانضمام السويد للحلف بفتح ملف المفاوضات المعلقة حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وأشاد ميشيل بالاتفاق عبر تغريدة نشرها على حسابه في تويتر، مؤكدًا أنه تباحث مع الرئيس التركي حول "الفرص المستقبلية لإعادة التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى الواجهة، وإعادة تنشيط علاقاتنا".
وتحظى تركيا بوضع مرشح رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005، لكن المحادثات متوقفة منذ أعوام، وقدمت تركيا ملف ترشحها في عام 1987 إلى ما كان يُعرف آنذاك بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية.
وانطلقت المفاوضات المتعلقة بحصول تركيا على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي في 3 تشرين الثاني/أكتوبر عام 2005، واتسمت المفاوضات بالبطء الشديد، ويعود أحد الأسباب لعلاقات تركيا المتوترة باستمرار مع قبرص واليونان.
ومع تزايد تحفظ بعض قادة الاتحاد الأوروبي حول انضمام تركيا، تم اقتراح إمكانية استبدال العضوية الكاملة بـ"شراكة مميزة"، وساءت الأمور أكثر بعد محاولة الانقلاب في تركيا في تموز/يوليو 2016، حيث اعتبر البرلمان الأوروبي، أن الرئيس رجب طيب أردوغان أمسك بزمام السلطة كاملةً بيده، بموجب قانون حالة الطوارئ، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016 دعا البرلمان الأوروبي إلى "التجميد المؤقت" لمحادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وفي تموز/يونيو 2018 علقت الدول الأعضاء المفاوضات، ومنذ ذلك الوقت لم يتم إحراز أي تقدم في هذا الملف، وأوضحت المفوضية الأوروبية، أنه بسبب تراجع تركيا المستمر في الإصلاحات في المجالات الرئيسية، لا سيما في أداء النظام الديمقراطي، واحترام الحقوق الأساسية واستقلال القضاء، قرر المجلس الأوروبي أن مفاوضات الانضمام ستتوقف.
ملف مقاتلات "F16" الأمريكية
من جهتها، رحبت الولايات المتحدة، بالموقف التركي الجديد، وهو مؤشر على انخفاض التوتر بين البلدين بخصوص هذه المسألة، فقد مارست واشنطن ضغوطًا على أنقرة للدفع بها نحو قبول مسألة انضمام السويد للحلف الأطلسي.
وعبر عن ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال لقاء جمعه بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في فيلنيوس، حيث يشاركان في قمة حلف شمال الأطلسي، وأكد بايدن في بيان: "أنا مستعد للعمل مع الرئيس أردوغان وتركيا لتعزيز الدفاع وقوة الردع في المنطقة الأوروبية-الأطلسية"، مشيرًا إلى أنه "يتطلع إلى انضمام السويد لتصبح الدولة الثانية والثلاثين في الحلف".
هذا وبرز من جديد ملف بيع مقاتلات "F16" الأمريكية إلى تركيا، وهو الموضوع الذي أثار التوتر بين البلدين بعد تعليق الولايات المتحدة للصفقة.
وفي هذا الإطار، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة تؤيد فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كاشفًا دعم الرئيس جو بايدن لخطة تسليم مقاتلات "F16" لأنقرة.
وأوضح سوليفان في مؤتمر صحفي في العاصمة الليتوانية فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، أن الرئيس جو بايدن يؤيد خطة تسليم مقاتلات "F16" إلى تركيا.
من جانبها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية، إن "الوزير لويد أوستن بحث مع نظيره التركي يشار غولر في اتصال هاتفي، دعم مساعي تركيا للتحديث العسكري"، وأشارت الوزارة إلى أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين أوستن وغولر "ناقش المحادثات الإيجابية بين تركيا والسويد والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، فضلًا عن دعم وزارة الدفاع لجهود تركيا للتحديث العسكري".
بدورها، رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بالاتفاق المعلن، وأعلنت دعمها لتزويد تركيا بمقاتلات "F16"، على لسان المتحدثة باسم الوزارة إليزابيث ستكني.
من جهته، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوب مينينديز، إنه سيبحث مع إدارة الرئيس جو بايدن التعليق الذي فرضته اللجنة على المبيعات الأمريكية المستقبلية لطائرات مقاتلات "F16" إلى تركيا، وأضاف مينينديز، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، أنه يمكنه اتخاذ قرار في غضون الأسبوع المقبل بشأن التعليق.
قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوب مينينديز، إنه سيبحث مع إدارة الرئيس جو بايدن التعليق الذي فرضته اللجنة على المبيعات الأمريكية المستقبلية لطائرات مقاتلات "F16" إلى تركيا
وبحسب وكالة "رويترز" للأنباء، جاءت تصريحات مينينديز في اليوم الذي وافق فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إحالة طلب السويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي إلى البرلمان التركي.